بغداد ـ «القدس العربي»: ينشغل المسؤولون في العراق بإيجاد بديل للغاز الإيراني، الداعم الأساسي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية العراقية، عقب العقوبات الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الإيرانيين، الأمر الذي يضع السلطات العراقية في حرجٍ أمام الشعب، خصوصاً مع اقتراب موسم الصيف.
والأسبوع الماضي، ألغى ترامب، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وذلك ضمن حزمة العقوبات الجديدة على إيران.
وتضمنت المذكرة التي وقعها ترامب، والتي تهدف إلى ممارسة أقصى الضغوط ضد إيران، «اتخاذ خطوات فورية، بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات الأخرى ذات الصلة، لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتهرب من العقوبات أو التحايل عليها، وعدم استخدام دول الخليج كنقاط شحن للتهرب من العقوبات».
ونصت الفقرات في المذكرة، على «مراجعة أي ترخيص عام أو سؤال متكرر أو أي إرشادات أخرى توفر لإيران أو أي من وكلائها الإرهابيين أي درجة من الإغاثة الاقتصادية أو المالية بغرض تعديلها أو إلغائها، وتعديل أو إلغاء الإعفاءات من العقوبات، وخاصة تلك التي توفر لإيران أي درجة من الإغاثة الاقتصادية أو المالية، بما في ذلك تلك المتعلقة بمشروع ميناء تشابهار الإيراني».
كما تضمنت «تنفيذ حملة قوية ومتواصلة، بالتنسيق مع وزير الخزانة وغيره من الإدارات أو الوكالات التنفيذية ذات الصلة (الوكالات)، لدفع صادرات إيران من النفط إلى الصفر، بما في ذلك صادرات النفط الخام الإيراني إلى جمهورية الصين الشعبية».
وفيها أيضاً «اتخاذ خطوات فورية، بالتنسيق مع وزير الخزانة وغيره من الوكالات ذات الصلة، لضمان عدم استخدام إيران للنظام المالي العراقي للتهرب من العقوبات أو التحايل عليها، وعدم استخدام دول الخليج كنقطة شحن للتهرب من العقوبات».
ووفقاً لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فإن الإدارة الأمريكية السابقة كانت تمنح العراق استثناءً من هذه العقوبات، مبيناً أن حكومته «لم تكتفِ بطلب الاستثناء، إنما بادرنا أيضاً إلى استثمار الغاز المصاحب».
وأضاف في مقابلة تلفزيونية أن «العراق لديه رؤية واضحة. في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح»، مؤكدا أنه «بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة».
كما أشار السوداني إلى أن العراق بدأ «عملية ربط للطاقة مع دول الجوار حتى نغطي احتياجاتنا، وهذا جزء من مفهوم التكامل الذي نسعى إليه مع الأشقاء».
ومضى بالقول إنه «تم تنفيذ الربط مع الأردن وحالياً يُجهّز غرب العراق بالطاقة، ومن المأمول خلال هذا العام أن يتم إكمال الربط مع الكويت والمجموعة الخليجية، وأيضاً بدأنا بالتعاقد على الربط بين العراق والسعودية، كما تم تنفيذ الربط مع تركيا وبدأنا بتسلم الطاقة وبالنتيجة من الاتحاد الأوروبي».
وأوضح أن «الحكومة العراقية أوجدت حلولاً، وننتظر بالتأكيد من الأصدقاء في الولايات المتحدة تفهم خطط الحكومة حتى يسمحوا لنا بالاستمرار في الاستعانة بالغاز الإيراني لحين إكمال مشاريعنا، والتي سوف يتم الاستغناء فيها عن أي غاز مستورد».
كذلك، يرى عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم نغيمش، أن «أزمة الغاز الإيراني قديمة، ورغم ذلك لم يتم تنويع مصادره، وسيتم عقد اجتماعات مع وزارتي النفط والكهرباء والجهات المعنية لمعرفة الحلول الممكنة».
وأضاف في تصريحات لمواقع إخبارية محلّية، أن «هناك عدة أفكار منها التفاهم مع الأردن وتركمانستان وقطر، إلى جانب استثمار الغاز العراقي، حيث هناك طاقات وإمكانيات محلية يمكن استثمارها بعد توفير الإمكانات المادية واللوجستية لهذه الشركات والكوادر العراقية لحل جزء من هذه المشكلة».
وبين النائب أن «هناك جهوداً وإمكانيات محلية، لكن لا يوجد دعم مالي ولوجستي حكومي لها، فيما يلاحظ من خلال متابعاتنا للشركات التي أخذت جولات التراخيص بعدم وجود جدية في استثمار الغاز بتأثيرات قد تكون داخلية أو خارجية».
أما وزير الكهرباء زياد علي فاضل، فكشف عن وعدّ إيراني بالمضي في توفير كميات الغاز المطلوبة لتوليد الطاقة في فصل الصيف.
وذكر للوكالة الرسمية، أن «توقف إمدادات الغاز إلى المنطقة الوسطى بشكل كامل لمدة شهرين، خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، أدى إلى فقدان نحو 8000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية».
وأضاف أن «الوزارة لديها وحدات تخضع للصيانة استعدادًا لفصل الصيف المقبل، مما يؤدي إلى فقدان إضافي يبلغ 5000 ميغاواط، ليصل إجمالي الفقدان إلى 13 ألف ميغاواط».
وأشار إلى أنه «بحث برفقة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال زيارته الأخيرة مع الجانب الإيراني ضرورة الالتزام بالعقود الموقعة بين وزارة الكهرباء وشركة الغاز الإيرانية، لضمان استمرار إمدادات الغاز»، مؤكدًا أن «70 في المئة من إنتاج الكهرباء يعتمد على الوقود».
وأوضح أن «الوزارة لا تزال بانتظار استئناف تدفق الغاز من إيران»، مشيرًا إلى أن «الجانب الإيراني وعد بالالتزام بتوفير كميات أكبر من الغاز مع اقتراب صيف عام 2025».
وتشير التقديرات الحكومية، أن السلطات العراقية المتعاقبة، أنفقت أكثر من 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، غير أن ملف تزويد الطاقة لا يزال متلكئاً خصوصاً في فصل الصيف، مع تجاوز درجات الحرارة نصف درجة الغليان في أغلب مدن البلاد.
الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي، نبيل الموسوي، يرى في قرار ترامب بمنع تصدير الكهرباء والغاز الإيراني إلى العراق، بأنه سيؤدي إلى «تداعيات خطيرة» على الاقتصاد والمجتمع العراقي.
وأفاد في «تدوينة» له، أن «المنظومة الكهربائية ستفقد 40 في المئة من طاقاتها المتاحة وبواقع 8 آلاف ميغاواط من المحطات التي تستخدم الغاز الإيراني، وأكثر من 3 آلاف ميغاواط مستوردة من إيران من خلال أربع خطوط هي: الخط الإيراني (خانقين ـ سربيل)، والخط الإيراني (خور الزبير– خرمشهر)، والخط الإيراني (ديالى ـ ميرساد)، والخط الإيراني (عمارة ـ كرخة)».
واعتبر أن «الحلول قصيرة الأجل، تتمثل بتشجيع إقامة محطات طاقة شمسية منزلية، وتقديم تسهيلات بنكية وقروض للمواطنين، والاستعانة بمحطات كهرباء عائمة (مثل البارجة التركية كارباورشيب) التي ستوفر جزءاً كبيراً من إمدادات الكهرباء، وتحويل عدد من محطات الكهرباء للعمل بالنفط الأسود أو الديزل (رغم التأثيرات البيئية الكبيرة السلبية)، وترشيد استخدام الكهرباء واللجوء إلى القطع المبرمج».
أما الحلول طويلة الأجل، فهي حسب المرسومي، «سرعة إقامة البنية التحتية اللازمة في ميناء الفاو الكبير، تمهيداً لاستيراد الغاز المسال القطري، وفقاً لتعاقد سابق بين البلدين، والدفع قدماً نحو تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية مع شركتي توتال إنرجي الفرنسية، وأكوا باور السعودية، ومصدر الإماراتية، وهذا من شأنه ضخ 3 آلاف ميغاواط إلى منظومة الكهرباء خلال 3 أعوام بحدّ أقصى».
كما رأى أن «الغاز التركمانستاني سيكون أحد الحلول المهمة في صيف هذا العام، ولكن ضخ الغاز التركمانستاني يتطلب أولاً التعاقد مع شركة وسيطة لنقل هذا الغاز عبر إيران، التي غالباً ستكون شركة الغاز الإيرانية، ثم لا بد من إجراءات تعاقدية وترتيبات مالية عراقية، وهذا في حدّ ذاته سيستغرق نحو 8 أشهر من الآن، في أفضل تقدير، إذا سارت الأمور بجدية».