بغداد – الزمان
غرق العراق في بحر من الأزمات المتجددة مع كل موسم أمطار يكشف عن ضعف البُنى التحتية بشكل صارخ.
وفي مشهد يتكرر سنوياً، تحولت شوارع المدن إلى بحيراتٍ وطفت المركبات في المياه مثل سفنٍ صغيرة في عبابٍ هائج.
وفي بغداد، وأمام مستشفى ابن سينا الذي غمرت المياه ردهاته، قال أحد الأطباء الذي واجه صعوبات في الوصول إلى عمله: “كأننا في خضم كارثة طبيعية، لكن الحقيقة أنها ليست كارثة قدرية بقدر ما هي كارثة إدارية”.
التحليلات أفادت أن هذه الفيضانات التي شلت الطرقات والمؤسسات التعليمية والطبية ما هي إلا نتاج لتراكم سنوات من الإهمال والتجاهل لمشاريع التصريف وتطوير البنية التحتية.
وفي سياقٍ مشابه، قال مواطن من دهوك كان يستخدم عربةً لعبور شارع غمرته المياه: “نحن ندفع ثمن الفساد الإداري، لا الأمطار”.
في كركوك، حيث اجتاحت المياه الأحياء السكنية، اذ ذكر تقرير محلي أن عشرات الأسر اضطرت إلى إخلاء منازلها واللجوء إلى المدارس التي أُعدت كمراكز إيواء مؤقتة.
ديالى باتت على حافة فيضان محتمل وفقاً لخريطة الأمطار التي تشير إلى تدفق السيول من جبال المنطقة. تحليلات الطقس تشير إلى أن الأمطار ستستمر اليوم وغداً، ما يعزز المخاوف من تكرار سيناريو 2018 حين عانت المحافظة من خسائر بشرية ومادية جسيمة. في حين، أشار أحد المسؤولين المحليين : “نحن نطلق التحذيرات لكن لا أيدٍ تسعف، والكل مشغول بتصريحات دون أفعال”.
في أربيل، العاصمة الإدارية لإقليم كردستان، بدت الشوارع وكأنها انعكاس لمشكلة الخدمات المزمنة التي تلاحق العراق من شماله إلى جنوبه. عربات النقل المخصصة للأفراد باتت وسيلة العبور الوحيدة في غياب حلول حقيقية.
وأكد مواطن غاضب: “لو كانت هذه المشاهد في دول أخرى، لكانت تُعتبر كارثة وتستوجب إعلان حالة الطوارئ، لكن هنا أصبح الأمر جزءاً من حياتنا”.
وفي تكريت، أدى سقوط بناية مستشفى قيد الإنشاء إلى إثارة تساؤلات حول جودة المشاريع الهندسية والتنفيذية، إذ قالت إحدى المهندسات في موقع قريب: “هذا الحادث يعبر عن مشكلة أعمق من مجرد أمطار غزيرة. نحن نتحدث عن بنى تحتية تُبنى لتنهار”.
الأعظمية، تلك المنطقة الشهيرة في بغداد، لم تكن استثناءً. الغرق طال الشوارع والمؤسسات، في وقت تتسارع فيه التحذيرات من استمرار هطول الأمطار.
وعبّر أحد طلاب الجامعة الغارقة عن خيبة أمله: “حتى الحرم الجامعي لم يسلم، والأدهى أننا نعطل الدوام باستثناء الامتحانات الوزارية، وكأن الإنجاز أهم من الأرواح”.
وفي مشهد متكرر في صلاح الدين، السيول القادمة من الجبال أدت إلى قطع الطريق الرابط بين بيجي ونينوى، مما زاد من عزلة بعض القرى. مواطن في المنطقة حذر أصحاب المركبات عبر وسائل التواصل: “لا تغامروا، الطرق غير آمنة ومياه السيول لا ترحم”.
انقطاع الكهرباء، شلل الطرق، وتعطيل المدارس والجامعات كانت السمة الأبرز لهذا اليوم الماطر في العراق، الذي جعل المواطن يبحث عن مخرج بين أسوار البيروقراطية والتخطيط السيء.