إيلاف من بغداد: قبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، يبرز رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كأوفر المرشحين حظاً لقيادة الحكومة المقبلة، وفقاً لما يراه عدد من المحللين، في ظل حملة انتخابية يسعى من خلالها لإقناع العراقيين بقدرته على تحويل بلادهم إلى "قصة نجاح" بعد عقود من الفوضى وعدم الاستقرار.
السوداني، الذي يتولى رئاسة الحكومة منذ عام 2022 ويقود ائتلاف "الإعمار والتنمية"، يواجه مفارقة سياسية لافتة: يخوض الانتخابات ضد شركاء سابقين في الائتلاف الحاكم ذاته، بمن فيهم فصائل مسلحة شيعية كانت قد دعمته لتولي المنصب.
ثقة متزايدة وسعي لتوسيع القاعدة الشعبية
في حملته الانتخابية، يركّز السوداني على تحسين الخدمات الأساسية، مع تقديم نفسه كقائد متزن قادر على تحقيق توازن حذر بين العلاقة المعقدة التي تربط العراق بكل من الولايات المتحدة وإيران.
وبرغم صعوبة المشهد البرلماني، حيث لا يمكن لأي حزب منفرد أن يشكل الحكومة في مجلس يضم 329 عضواً، يتوقع السوداني أن يحصد أكبر عدد من المقاعد، ما قد يمنحه فرصة لقيادة تحالف جديد يمكّنه من تنفيذ رؤيته للإصلاح.
سيرة سياسية من الداخل... لا المنفى
السوداني، البالغ من العمر 55 عاماً، وُلد في بغداد لعائلة جنوبية من ميسان، ويتميّز عن غيره من رؤساء الوزراء الذين تولوا الحكم بعد عام 2003 بأنه لم يغادر البلاد حتى في أكثر فتراتها اضطراباً. شغل عدة مناصب تنفيذية وتشريعية منذ عام 2003، بينها رئاسة بلدية ومحافظة ووزارتين، قبل أن يُكلّف بتشكيل الحكومة.
في مقابلة مع "رويترز" عام 2023، قال: "حين نتحدث عن شخص بقي في العراق طوال تلك العقود، فهذا يعني أنه يفهم العراقيين كنـاس، ويفهم النظام العراقي."
صدام مع الميليشيات... ونفوذ محدود
لكن قدرة السوداني على إحداث التغيير تصطدم بواقع سياسي معقد. فعلى الرغم من ترشيحه من قبل "الإطار التنسيقي"، الائتلاف البرلماني الشيعي الأوسع الذي يضم فصائل معتدلة وأخرى متشددة مدعومة من إيران، فإنه لم يتمكن من ضبط بعض هذه المجموعات عندما شنّت هجمات ضد القوات الأميركية في العراق، خاصة عقب بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة.
تجاهلت تلك الميليشيات دعواته للتهدئة، ولم تتوقف عن استهداف المصالح الأميركية إلا بعد تدخل مباشر من طهران، ما أظهر حدود سلطته في ضبط الفصائل المسلحة.
توازن حساس بين طهران وواشنطن
يؤكد السوداني أن أي جهود لنزع سلاح الجماعات المسلحة لن تنجح في ظل وجود قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا، والذي تعتبره بعض الفصائل "قوة احتلال"، وهو ما يعقّد من مساعي الحكومة لفرض سيادتها الكاملة.
وفي الوقت نفسه، تستمر بغداد في التفاوض مع واشنطن بشأن انسحاب تدريجي منسق للقوات الأجنبية، وسط ضغوط أميركية للحد من نفوذ الجماعات المدعومة من إيران.
إرث الغزو وواقع ما بعد 2003
منذ سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأميركية عام 2003، تحوّلت القوى الشيعية – بعد عقود من القمع – إلى لاعب رئيسي في النظام السياسي العراقي، مستندة إلى نظام تقاسم سلطة على أساس طائفي أدى إلى تهميش فئات أخرى، وأضعف كفاءة الدولة.
وصل السوداني إلى الحكم بعد عام من الجمود السياسي، عقب احتجاجات واسعة عام 2019 طالبت بالوظائف والعدالة ومحاسبة الطبقة الحاكمة التي وُصمت بالفساد وسوء الإدارة.
إصلاحات اقتصادية واستثمارات شعبية
يتبنى السوداني خطاباً إصلاحياً، مدعوماً بمشاريع تنموية طموحة، تشمل إصلاح النظام المالي الحكومي، تشجيع المدفوعات الرقمية، وتوسيع قدرة البلاد على إنتاج الكهرباء.
في المقابل، لجأ إلى تعيين مئات الآلاف من العراقيين في القطاع العام المترهل، وصرف جزء كبير من إيرادات النفط لتمويل مشاريع بنية تحتية وبناء وحدات سكنية، ما جعله محبوباً في الشارع لكنه عرضة لانتقادات مؤسسات رقابية تحذّر من عدم استدامة هذا الإنفاق.
رؤية طموحة... بقيود سياسية
يرى مراقبون أن السوداني بحاجة إلى مسافة أوضح من الفصائل التي دعمته للوصول إلى المنصب، إذا أراد تنفيذ إصلاحات عميقة. وقال حيدر الشكري، الباحث في "تشاتام هاوس":
"أعتقد أنه يكتسب مزيداً من الدعم الشعبي. يُنظر إليه على أنه قائد صاحب رؤية جيدة، لكنه مقيَّد بالبيئة السياسية المحيطة به."
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبقى السؤال الأبرز: هل يتمكن السوداني من الحفاظ على زخمه الشعبي، وتشكيل تحالف يمكّنه من كسر الجمود السياسي وإطلاق مرحلة جديدة من الإصلاح الجاد في العراق؟