الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الغارديان: هل وصلنا للمرحلة النهائية في الإبادة الجماعية لغزة
تغيير حجم الخط     

الغارديان: هل وصلنا للمرحلة النهائية في الإبادة الجماعية لغزة

القسم الاخباري

مشاركة » الخميس نوفمبر 07, 2024 5:59 pm

5.jpg
 
لندن- “القدس العربي”: سألت المعلقة أروى مهداوي في مقال بصحيفة “الغارديان”: هل تريد أن تعرف حقيقة ممتعة عن الفلسطينيين؟. إنه من الصعب قتلهم. يمكنك قصفهم، ودفنهم تحت الأنقاض، وحرقهم أحياء، ومع ذلك لا يبدو أنهم يموتون بمعدلات الناس العاديين. وإلا فكيف يمكنك تفسير حقيقة أن عدد القتلى في غزة يبدو بالكاد يتزحزح، على الرغم من أنه لا يبدو أن يوما يمر دون مذبحة جديدة أخرى ومع تفاقم المجاعة وانتشار الأمراض؟.

وقالت مهداوي إن 43 ألف قتيل هو رقم مذهل. وهذا هو الرقم الرسمي الذي ذكرته أحدث التغطيات الإعلامية. هذا في حالة تم الاستشهاد برقم على الإطلاق: فالعديد من المقالات حول غزة لم تعد تذكر حتى عدد القتلى بعد الآن.

وأكدت مهداوي أنه لا فكرة لديها عن عدد الأشخاص الذين قتلوا في غزة، ذلك أن الصحافة الأجنبية لا يسمح لها بالدخول بحرية ـ ولا تدري لماذا لا يغضب كل صحافي في الغرب من ذلك. وفي الوقت نفسه “يتم إبادة الصحافيين الفلسطينيين. وقالت إن هناك تعتيما إعلاميا في الأساس. لذا فمن الصعب تقييم عدد القتلى، مشيرة إلى أن الاستشهاد بالرقم الرسمي دون تقديم قائمة طويلة من التحذيرات يبدو كأنه إهمال صحافي في هذه المرحلة.

فأولا، ينبغي لأي شخص يستشهد بعدد القتلى أن يذكر حقيقة مفادها أن تقديرات الأمم المتحدة في شهر أيار/ مايو (أي قبل أشهر!) وجدت أن هناك على الأرجح عشرة آلاف شخص مدفونين تحت الأنقاض في غزة ولا يمكن إحصاؤهم. ناهيك عن حقيقة أن هناك أشخاصا يموتون من أمراض يمكن الوقاية منها كل يوم لأنه لا يُسمَح بدخول الأدوية الكافية إلى القطاع ولأن نظام الرعاية الصحية بالكاد يعمل. وذكرت أنه يجب عليهم أن يؤكدوا على حقيقة مفادها أن إحصاء عدد القتلى يكاد يكون مستحيلا. فلم يعد في غزة بنية تحتية يمكن من خلالها قياس عدد القتلى بشكل صحيح. ويتم تحويل الفلسطينيين إلى أشلاء بمعدلات مثيرة للقلق لدرجة أنه لا يوجد في كثير من الأحيان بقايا يمكن إحصاؤها.

إحصاء عدد القتلى في قطاع غزة يكاد يكون مستحيلا. فلم يعد فيه بنية تحتية يمكن من خلالها قياس عدد القتلى بشكل صحيح. ويتم تحويل الفلسطينيين إلى أشلاء بمعدلات مثيرة للقلق لدرجة أنه لا يوجد في كثير من الأحيان بقايا يمكن إحصاؤها

وقالت مهداوي إنها تحدثت قبل فترة مع الدكتور نظام محمود، وهو جراح بريطاني عمل في غزة مع منظمة العون الطبي للفلسطينيين خلال شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، وأخبرها بأن الأشخاص في مشرحة المستشفى يجب أن يزنوا أجزاء الجسم لمحاولة تقييم عدد القتلى: “لذا فإن 70 كيلوغراما هي جثة واحدة لأنهم سيحضرون أجزاء من الجثث”. ويؤكد الدكتور محمود، مثله مثل كل من كان على الأرض في غزة، أن الرقم الرسمي للقتلى ربما يكون أقل من الواقع. وأشارت إلى أن الكثير من المراقبين يعتقدون الآن أن عدد القتلى الفعلي ربما يكون بمئات الآلاف.

وفي تموز/ يوليو، نشرت مجلة “لانسيت “الطبية مقالا قدر أن إجمالي عدد القتلى في غزة قد يصل إلى 186 ألف حالة وفاة ــ أي ما يقرب من 7.9% من سكانها. وفي مقالة نشرتها صحيفة الغارديان الشهر الماضي، أشارت ديفي سريدهار، رئيسة قسم الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة، إلى أنه إذا استمرت الوفيات بهذا المعدل، فإن تقديرات الوفيات بحلول نهاية العام ستصل إلى 335,000 حالة وفاة. وهذا يمثل 15% من السكان. وأشارت سريدهار أيضا إلى أن مجلة “لانسيت” استخدمت تقديرا متحفظا وأن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى من ذلك بكثير.

وقالت مهداوي إن المدافعين عما يحدث سوف يهزون أكتافهم قائلين: هذا ما يحدث في الحرب. إنه أمر مأساوي، ولكنها حرب، فالأبرياء يموتون طوال الوقت. ولكن الحقيقة هي أن للحروب قواعد وحدود. فحجم الدمار في غزة يشير بقوة إلى أن ما يحدث لم يعد حربا وفقا لأي معايير طبيعية. والواقع أن العديد من الخبراء يدقون ناقوس الخطر بأن ما يحدث الآن أصبح إبادة جماعية. ومع ذلك فإن الكثير من وسائل الإعلام الرئيسية تتجاهل هذه الأجراس التحذيرية، وتستمر في التظاهر بأن ما يحدث هو حرب عادية وليس إبادة منهجية.

وقالت مهداوي إن عومير بارتوف، المؤرخ الإسرائيلي- الأمريكي الذي يعمل أستاذا لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، هو واحد من الخبراء الذين يعتقدون أن ما يحدث في غزة يشكل إبادة جماعية. ولكنه لم يكن يعتقد دوما أن هذا هو الحال. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي كتب بارتوف مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز” جاء فيه: “أعتقد أنه لا يوجد دليل على أن الإبادة الجماعية تجري حاليا”. ولكن هذا جاء مع إخلاء المسؤولية حيث أوضح أن “هناك نية إبادة جماعية، والتي يمكن أن تتحول بسهولة إلى عمل إبادة جماعية … لا يزال هناك وقت لمنع إسرائيل من السماح لأفعالها بالتحول إلى إبادة جماعية”.

وأشارت مهداوي إلى أن النية هي عنصر أساسي في الإبادة الجماعية، والتي يتم تعريفها قانونيا على أنها ارتكاب أفعال محددة معينة (بما في ذلك القتل وفرض تدابير تهدف إلى منع المواليد) بقصد تدمير، كليا أو جزئيا، مجموعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية، على هذا النحو.

وأشارت إلى أن نية الإبادة الجماعية التي يذكرها بارتوف هي اللغة اللاإنسانية والتهديدات بالإبادة الكاملة من قبل السياسيين الإسرائيليين والشخصيات المؤثرة. هناك المئات من هذه التصريحات. ويستشهد بارتوف بمثال من 9 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما كتب اللواء غيورا إيلاند في الصحيفة اليومية الإسرائيلية “يديعوت أحرونوت”: “ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى تحويل غزة إلى مكان من المستحيل مؤقتا أو دائما العيش فيه”. وفي مقال آخر، كتب إيلاند أن “غزة ستصبح مكانا لا يمكن لأي إنسان أن يعيش فيه”.

نية الإبادة الجماعية التي يذكرها المؤرخ اليهودي عومير بارتوف هي اللغة اللاإنسانية والتهديدات بالإبادة الكاملة من قبل السياسيين الإسرائيليين والشخصيات المؤثرة. وفي حالة غزة هناك المئات من هذه التصريحات

وبينت مهداوي أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما كتب بارتوف مقالته في صحيفة “نيويورك تايمز” لم تكن نوايا الإبادة الجماعية هذه قد تطابقت بشكل كامل مع العمل الإبادي الجماعي. لكن هذا تغير، من وجهة نظر بارتوف، في أيار/ مايو 2024، عندما بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه على مدينة رفح، على الرغم من تحذير الولايات المتحدة له بعدم القيام بذلك. وقال بارتوف في مكالمة هاتفية مع كاتبة المقال مؤخرا إن هذه كانت نقطة تحول رئيسية. كان ذلك عندما أصبح الأمر إبادة جماعية.

وتنقل مهداوي عن بارتوف قوله: “عندما تنظر إلى الوراء، يمكنك أن ترى أنه كان هناك جهد متضافر، ليس فقط لنقل السكان مرارا وتكرارا، ولكن أيضا لتدمير كل ما يجعل حياة مجموعة ممكنة. كان هناك جهد متضافر ومتعمد لتدمير الجامعات والمدارس والمستشفيات والمساجد والمتاحف والمباني العامة والإسكان والبنية الأساسية. إذا نظرت إلى الوراء، يمكنك القول إن هذا كان يحدث منذ البداية. لكن الدليل على ذلك كان هذا الجهد الأخير في رفح”.

وقالت إن رفح كانت معلما قاتما. ولكن المرحلة الأخيرة من هذه الإبادة الجماعية، كما يقول بارتوف، تجري الآن في جباليا، شمال غزة، حيث قتل أكثر من ألف شخص خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى ما يحدث في شمال غزة ـ كما يبدو في كثير من الأحيان في وسائل الإعلام ـ باعتباره مجرد المزيد من القصف. بل إن بارتوف يشير إلى أن ما يحدث في شمال غزة يشكل حملة إبادة جماعية تستند بوضوح إلى خطة الجنرالات: “إن هذه الخطة التي رسمها الجنرال المتقاعد غيورا إيلاند، والتي نوقشت منذ أشهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تهدف إلى إفراغ تلك المنطقة من المدنيين من خلال الضغط العسكري والتجويع… وهذه خطوة أولى نحو ضم القطاع إلى الشمال من ممر نتساريم، الأمر الذي سيؤدي إلى استيطان اليهود فيه ولن يكون في حد ذاته سوى المرحلة الأولى في الاستيلاء التدريجي على أجزاء متزايدة من القطاع، وحشر المدنيين في مناطق متقلصة باستمرار وفي نهاية المطاف إما إجبارهم على الخروج من القطاع أو التسبب في وفاة أعداد متزايدة منهم. باختصار، هذه خطة إبادة جماعية”.

وأشارت مهداوي إلى أنه من المرجح أن محكمة العدل الدولية لن تحكم لسنوات حول ما إذا كان الوضع في غزة يفي بالتعريف القانوني الضيق للإبادة الجماعية.

من المرجح أن محكمة العدل الدولية لن تحكم لسنوات حول ما إذا كان الوضع في غزة يفي بالتعريف القانوني الضيق للإبادة الجماعية

ولكن بارتوف يعتقد أن العملية في جباليا إبادة جماعية صارخة لدرجة أن “من الممكن أن تعتبر محكمة العدل الدولية هذه العملية إبادة جماعية حتى لو كانت متحفظة بشأن الحرب في غزة ككل”. وهذا ما حدث في حالة البوسنة، حيث ثبت أن مذبحة سربرينيتشا كانت إبادة جماعية.

وأكدت أن مصطلح الإبادة الجماعية ـ التي صاغها رجل القانون البولندي اليهودي رافائيل ليمكين أثناء الحرب العالمية الثانية لوصف حملات الإبادة النازية ـ هو بلا شك واحد من أكثر المصطلحات خطورة. وهو ليس مصطلحا يمكن لأي شخص أن يستخدمه باستخفاف. ويعتقد بارتوف أن العديد من منتقدي إسرائيل كانوا يستخدمون المصطلح بشكل غير مسؤول في الأيام التي أعقبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ووصفوا تصرفات إسرائيل بأنها إبادة جماعية في حين لم تكن قد وصلت بعد إلى هذه النقطة. ويشير بارتوف إلى أن المصطلح قد خفف إلى حد ما: “لقد استخدم كثيرا كنوع من العبارة المعادية لإسرائيل حتى أنه فقد الكثير من قيمته”.

وفي الوقت نفسه، يقول بارتوف، لأن اتفاقية الإبادة الجماعية جاءت في أعقاب الهولوكوست، فهناك ميل إلى القول إن ما لم يكن الهولوكوست فهو ليس إبادة جماعية: “إذا لم يكن لدينا معسكرات إبادة، وإذا لم يتم ذلك في جميع أنحاء القارة، وإذا لم يكن النظام النازي هو الذي ينفذه، فهذا ليس إبادة جماعية”.

وذكرت مهداوي أنه على نطاق أوسع، يمكن أن تكون الإبادة الجماعية مصطلحا إشكاليا. جادل الباحث في الإبادة الجماعية ديرك موزس، الذي كتب كتابا عام 2021 بعنوان “مشاكل الإبادة الجماعية”، بأنها لم تعد مناسبة للغرض حقا لأنها “تنتج تسلسلا هرميا للموت الجماعي الذي ينظم ويشوه التفكير في تدمير المدنيين”. كما أن تعريفها القانوني ضيق للغاية لدرجة أنه حتى لو تم القضاء على سكان غزة بالكامل، فقد لا يزال لا يُعتبر إبادة جماعية.

لكن حتى مع كل هذه المؤهلات، يعتقد بارتوف أنه من الأفضل أن يكون لدينا تعريف قانوني للإبادة الجماعية من عدم وجوده، “لأنك إذا كنت على علم بها وكنت على دراية بالمؤشرات التي قد تشير إلى حدوث ذلك، فيمكنك محاولة إيقافها بطرق مختلفة”.

مرة أخرى: الإبادة الجماعية مصطلح محمل بالكثير من الدلالات، وهذا المصطلح لا يستخدمه بارتوف، وهو من أبرز الباحثين في مجال الإبادة الجماعية، باستخفاف. ومع ذلك، فهو يعتقد أن الوقت قد حان لكي تواجه وسائل الإعلام، التي تتجنب استخدام هذه الكلمة، “الوقائع”، فما يحدث في غزة هو إبادة جماعية.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار

cron