منذ بداية الحرب، أغلقت إسرائيل قطاع غزة في وجه وسائل الإعلام باستثناء جولات برعاية الجيش الإسرائيلي. لكن جملة شهادات تصل يومياً عن كل ما يجري فيه، بدءاً بتقارير وتصريحات منظمة دولية عبر تقارير صحافيين، وانتهاء بوابل من الأفلام والشهادات في الشبكات الاجتماعية.
الصورة الواردة مفزعة. مليونا نسمة في غزة بغالبيتهم الساحقة هم مدنيون أبرياء، يعيشون في كارثة إنسانية من أخطر الكوارث في العالم اليوم. نحو 90 في المئة منهم نزحوا من بيوتهم ويكتظون في مدن خيام كبرى، بلا غذاء كاف، وبلا مياه نظيفة ولا خدمات صحية أو وسائل لمواجهة الشتاء؛ كل هذا والجيش الإسرائيلي يواصل القصف الذي يتسبب بقتل العشرات يومياً تقريباً، بمن فيهم نساء وأطفال كثيرون. النظام الاجتماعي ومنظومات الدعم الاجتماعية انهارت، ومعظم سكان غزة فقدوا إحساس الأمن الشخصي، والكرامة، والخصوصية، والممتلكات والأمل بالمستقبل. فقدوا كل ما يجعل الناس بشراً.
منذ بداية الحرب وإسرائيل تشرح بأن استمرار الحرب مطلوب لتفكيك قدرات حماس، وأنها خلقت منطقة إنسانية يمكن للغزيين اللجوء إليها للنجاة بحياتهم. غير أن الجيش الإسرائيلي صعد مؤخراً أعمال القصف حتى في المنطقة الإنسانية وقتل عشرات المدنيين. أول أمس، اعترف الجيش الإسرائيلي في تعقيب لـ “هآرتس” بأن الحديث لا يدور عن منطقة آمنة، بل عن مجالات آمنة أكثر من مجالات أخرى في القطاع. حكومة نتنياهو الدموية التي جرّت إسرائيل إلى الكارثة الأفظع في تاريخها فشلت أيضاً في الحرب – القدرة على توفير الأمن لمواطنيها مع الحفاظ على القانون الإسرائيلي والدولي وعلى مكانة وصورة إسرائيل في العالم وعلى العمود الفقري الأخلاقي للمجتمع الإسرائيلي. بدلاً من هذا، تأمل الحكومة بأن يكتفي الجمهور الإسرائيلي بالثأر على حساب عشرات آلاف المواطنين الغزيين وعلى حساب مئة إسرائيلي مخطوف. في هذه الأثناء، معظم الإسرائيليين غير مكترثين للكارثة التي تنفذها الحكومة باسمهم. يعرب الآلاف في الشبكات الاجتماعية عن فرحهم بالمعاناة الإنسانية الرهيبة في القطاع.
سيأتي يوم يتعين فيه على المجتمع الإسرائيلي أن يوجه نظره إلى ما يحصل في غزة. مهما بلغت فظاعة 7 أكتوبر ومهما كانت الحاجة ملحة إلى القتل ضد حماس، فهذان لن يبررا أعمال الجيش الإسرائيلي في القطاع. لكن إسرائيل الآن تقف على أحد المفترقات الحاسمة في تاريخها. مسار واحد يؤدي إلى موت المخطوفين ومواصلة جرائم الحرب، وإلى دائرة الدم والثأر، والعزلة الدولية، وأزمة اقتصادية عميقة. المسار الثاني يؤدي إلى إنقاذ المخطوفين الذين لا يزالون على قيد الحياة، ووقف الحرب وبداية الترميم لإسرائيل ولغزة. في هذه اللحظة، على الجمهور الإسرائيلي الخروج إلى الشوارع ومطالبة الحكومة باختيار المسار الصحيح.
أسرة التحرير
هآرتس 17/12/2024