عيدان سولومون
كلما اقترب العام 2024 من نهايته تتفاقم ضائقة سكان القرية البدوية رأس جرابة. قبل ستة أشهر، حكمت المحكمة بهدم هذه القرية في 31 كانون الأول بسبب توسيع مدينة ديمونا القريبة منها. ولم يكن بإمكانهم السماح بذلك. رأس جرابة أقيمت قبل إقامة ديمونا. والصور الجوية التي قُدمت للمحكمة أثبتت أنه في العام 1956 كانت قائمة في المكان الحالي. في بداية الأسبوع الماضي، شعر سكان القرية براحة مؤقتة عندما وافقت المحكمة العليا على طلبهم تأجيل هدم القرية لمدة ثلاثين يوماً. وهذه أنباء مشجعة إذا أخذنا في الحسبان تصميم الحكومة الحالية على إخلاء القرى غير المعترف بها في النقب وإقامة مستوطنات جديدة لليهود في مكانها.
منذ تشكيل الحكومة الحالية هدمت إسرائيل قرى غير معترف بها، منها: وادي خليل وأم الحيران، وهي في عرعرة، وحيين في القرية غير المعترف بها أم متنان، والحبل على الجرار
الدليل على ذلك، أنه منذ تشكيل الحكومة الحالية هدمت الدولة قرى غير معترف بها، منها: وادي خليل وأم الحيران، وهي في عرعرة، وحيين في القرية غير المعترف بها أم متنان، والحبل على الجرار. إضافة إلى ذلك، عرضت اللجنة الوزارية لشؤون المجتمع البدوي مؤخراً عدداً يفيد بأن تنفيذ أوامر الهدم في النقب وصل إلى 400 في المئة عام 2024. في الجلسة نفسها، صادقت اللجنة على توسيع “خطة التركز” إلى مناطق أخرى، التي بلورها الوزير عميحاي شكلي، والتي تهدف إلى تجميع سكان القرى غير المعترف بها في عدد من القرى البدوية، وتجاهل دعاوى ملكيتهم للأرض.
في موازاة ذلك، تدفع الحكومة قدماً بخطة ستمكن من نقل آلاف البدو، الذين قراهم غير منظمة، إلى منشأة كرفانات مؤقتة، ستقام في قرى معترف بها، وسيكون مستوى البنى التحتية فيها أقل من المطلوب في القرى المنظمة. البيوت المؤقتة محدودة بخمس سنوات، لكن لا يوجد في الخطة أي تعليمات تلزم السلطات بتطوير بنى تحتية دائمة في هذه الفترة. حسب واضعي الخطة، فهي تستهدف التمكن من إخلاء سريع للسكان البدو، وتحويل شمال النقب إلى منطقة مهجرين ظروف حياتهم غير مناسبة.
محاولة إخلاء القرى غير المعترف بها، أو إقامة بلدات قربها تقيد توسعها، لا تقتصر فقط على الحكومة الحالية. ولكن القرارات التي اتخذتها الحكومات السابقة في هذا الأمر على الأغلب لم تطبق. عملياً، منذ إخلاء قرية العراقيب غير المعترف بها في الخمسينيات، أعيد بناؤها وهدمت في 2010 وبنيت ثانية عشرات المرات، لم تخرج أوامر هدم بهذا الحجم إلى حيز التنفيذ. إضافة إلى ذلك، عندما طلبت الدولة من التجمعات البدوية إخلاء بيوتها قبل بضعة عقود، تم إيجاد مكان بديل للسكان تمت الموافقة عليه. والآن ينفذ الإخلاء حتى دون إيجاد حل مناسب للسكان يوافقون عليه، حتى لو كانت الدولة هي التي وطنتهم في تلك المنطقة مثلما الحال في حالة أم الحيران.
قبل ستة أسابيع، أخلت الدولة القرية غير المعترف بها بدون التوصل إلى اتفاق مع السكان، قبل إقامة المستوطنة اليهودية “درور” في مكانها. معظم المخلين انتقلوا للسكن في المجلس المحلي في حورة، وبعضهم نجحوا في بناء بيوت جديدة هناك. آخرون يعيشون في بيوت مرتجلة ومؤقتة، وربما يتسلمون أوامر هدم.
عندما تم هدم أم الحيران، بقي في النقب 35 قرية بدوية غير معترف بها. 10 منها معدة للهدم: البقيعة، أم البدون، رأس جرابة، تل عراد، عتير، البات، أم رتام، الضاحية، كركور، والسير. في بعض الحالات، تخطط الدولة لإقامة مستوطنة يهودية جديدة مكانها أو توسيع مستوطنة قائمة. وفي حالات أخرى، فإن نية هدم القرى تنبع من خطة لوضع بنى تحتية مكانها مثل الشوارع أو توسيع مناطق صناعية قائمة. على أي حال، هذا الأمر تم كجزء من سياسة بعيدة المدى لعدم الاعتراف بالقرى البدوية ومنع توسعها الطبيعي.
بقوا خارج المدينة
رأس جرابة يتوقع أن تكون التالية في قائمة الهدم. القرية التي يعيش فيها حوالي 500 شخص أقيمت على أراض كانت في السابق تعود لأبناء قبيلة الهواشلة، وهي الآن مسجلة كأراضي دولة. تقع شرق ديمونا، وهناك يتم التخطيط لإقامة حي جديد، الذي حسب ادعاء الدولة، يقتضي هدمها.
في 2019 قدمت سلطة أراضي إسرائيل دعوى إخلاء ضد السكان، بذريعة أن هناك حاجة إلى أراضي القرية لتوسيع المدينة. ورداً على ذلك، طلب السكان الاندماج في خطة “شرق ديمونا” كحي خاص داخل حدودها، بما يشبه الوضع في أحياء عربية في مدن يهودية أخرى. جمعيات “بمكوم” و”عدالة”، التي رافقت السكان، عرضت بديلاً للخطة يسمح بدمجهم في الخطة الهيكلية لديمونا. ولكن هيئة تطوير وتوطين البدو في النقب رفضت ذلك.
اقترحت الهيئة على السكان الانتقال إلى قرية قصر السير البدوية، شمال غرب ديمونا. ولكنهم رفضوا ذلك لأن عدداً من البدو الآخرين يدعون ملكيتهم للأراضي. عقب ذلك، وافقت المحكمة المركزية في بئر السبع على ادعاء سلطة أراضي إسرائيل بأن سكان رأس جرابة هم الذين يرفضون وغير معنيين بقبول الحلول التي عرضت عليهم. وقررت بأنه إذا لم يخل السكان المنطقة حتى نهاية 2024 فستكون سلطة أراضي إسرائيل مخولة بإخلائهم.
وافقت المحكمة المركزية في بئر السبع على ادعاء سلطة أراضي إسرائيل بأن سكان رأس جرابة هم الذين يرفضون وغير معنيين بقبول الحلول التي عرضت عليهم
مع ذلك، لم تبت المحكمة المركزية في إمكانية دمج سكان رأس جرابة في الحي الجديد الذي سيتم بناؤه في ديمونا. اعترض السكان في المحكمة العليا، التي قررت تأجيل هدم القرية، وأن سلطة أراضي إسرائيل ستقدم في غضون 30 يوماً رد على طلب السكان في إجراء قانوني منفصل. في هذه الأثناء، صودق على خطة “شرق ديمونا”.
باستثناء قرية رأس جرابة، تريد الدولة هدم قريتي تل عراد وعتير. في مكان تل عراد، تريد الدولة إقامة “مفئوت عراد” – خمس مستوطنات جديدة، واحدة منها مخصصة للبدو. عدد سكان تل عراد بضعة آلاف، وحسب التقدير، لن يتم إيجاد مكان للجميع في القرية البدوية التي يخطط لبنائها. على بعد مترين عن مكان القرية البدوية عتير، التي ستهدم أيضاً، تخطط الدولة لإقامة مستوطنة اسمها “يتير”، مخصصة لأتباع حباد.
رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، عطية العاصم، قال: “للحكومة هدف مزدوج: مصادرة أراضي البدو، ومنعهم من إقامة عائلات. هذا يتجلى في تدمير قرى بالكامل ولا يسمحون بالبناء ولا يخططون لبناء بيوت جديدة، حتى في البلدات التي حصلت على الاعتراف. هناك حوالي 30 ألف بدوي في القرى التي حصلت على الاعتراف، لكن في كل سنة الدولة تسمح لهم ببناء أربعة بيوت جديدة فقط. في نهاية المطاف، تريد الحكومة محاربة البدو ديمغرافياً”.
القرار سياسي وليس تخطيطياً
في العقد الأخير، صادقت الحكومة على إقامة 18 مستوطنة جديدة في النقب، 16 منها مخصصة لليهود: 5 مستوطنات في “مفئوت عراد”، 5 على طوال الشارع 25، 2 للحريديم، و6 في أرجاء النقب. إضافة إلى ذلك، اعترفت الدولة بالقرى البدوية خشم زانة وعبدة ورحمة. الهدف العلني لهذه المستوطنات هو تعزيز الاستيطان اليهودي في النقب وجذب سكان يهود من مركز البلاد إلى الجنوب. عملياً، في الوقت الذي تخصص فيه الدولة مناطق واسعة لإقامة مستوطنات جديدة لليهود، تقوم بتقليص أراضي السكان البدو وتمنع تنظيمها.
مع ذلك، قرار المصادقة على إقامة مستوطنة جديدة لا يضمن أنها ستقام بالفعل. ففي حالات كثيرة، هذا الأمر استهدف خدمة دوافع سياسية. الأغلبية الساحقة من المستوطنات الجديدة التي يخطط لإقامتها في النقب لم تصل بعد إلى مرحلة التخطيط الأولية في اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء. إضافة إلى ذلك، رسمياً، تعارض إدارة التخطيط ووزارة المالية إقامة مستوطنات جديدة مقرونة بتكلفة ضخمة، والرؤيا أن هذا الأمر سيؤدي إلى تبذير أموال الجمهور وسيضر بالمناطق المفتوحة وسيضعف المدن الموجودة في النقب.
حتى الآن، بؤرة الاحتكاك المستقبلية الأكثر اشتعالاً هي تواصل المستوطنات المصادق على بنائها على طوال الشارع 25 بين بئر السبع وديمونا. تقريباً كلها يخطط لبنائها على أراضي القرى البدوية غير المعترف بها أو قربها، ما يجبر السكان الحاليين على الإخلاء. النية هي تجميعهم في قرى بدوية قائمة، بدون مناقشة طلباتهم وادعاءات ملكيتهم للأراضي في النقب. حسب أقوال المخططين والنشطاء، فان هذا القرار قرار سياسي ويتجاهل موقف المهنيين الذين يؤيدون الاستثمار في المدن القائمة بدلاً من الضواحي.
معيجل الهواشلة، مركز ميداني في المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، قال إن المجلس لا يعارض إقامة بلدات يهودية جديدة لأنه “يوجد في النقب ما يكفي من الأراضي للجميع. نحن ضد تهجير القرى البدوية وبناء مستوطنات يهودية في مكانها. عملنا خطة بديلة بمشاركة مهنيين للقرى غير المعترف بها، وأرسلناها إلى كل الجهات في الدولة. المرة الأولى التي أرسلناها فيها كانت في 1999، وقبل أربع سنوات جددناها وأرسلناها مرة أخرى. ولكننا لم نحصل على أي رد”.
في هذه الأثناء أعطيت البلدات التي صودق على إقامتها على طول شارع 25 أسماء مؤقتة: نفاتيم جنوب، عومريت، جفعوت عداريم، تيلم، تلما وتاليا. خصصتها الدولة للسكان أصحاب الطبقة العليا، وتعدّ بلدات مجتمعية أو متعددة التجمعات لسكان متدينين وعلمانيين. “عومريت” مثلاً يخطط لإقامتها على أراضي القرية غير المعترف بها الزرنوك، التي يعيش فيها 5500 نسمة، وفيها مدارس وعنقود من رياض الأطفال وعيادة وما شابه؛ أما مستوطنة “تاليا” فيتوقع إقامتها أعلى مستوطنة “أم متنان” التي يعيش فيها 1500 نسمة.
رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، قال إن تخطيط بلدات يهودية جديدة على أراضي القرى البدوية هو “ذروة العنصرية. يقتلعون أشخاصاً على الأرض قبل قيام الدولة فقط لأنهم بدو. وفي الوقت نفسه، يبحثون عن يهود لتوطينهم مكانهم. لا أعرف إذا كانت هناك دولة ديمقراطية أخرى يمكن أن يحدث فيها مثل هذا الأمر. ولكن يبدو أن كل شيء مسموح في إسرائيل مع هذه الحكومة، – العنصرية، تهجير الناس وهدم البيوت – كل ذلك فقط للبدو”.
من سلطة البدو جاء: “نحن غير مسؤولين عن بناء البلدات اليهودية، بل عن تنظيم السكان البدو الذين يعيشون بصورة غير قانونية داخل وخارج القرى. وبخصوص إمكانية دمج السكان البدو في البلدات اليهودية فإن هذا ليس من مهمة السلطة أو من صلاحيتها. منذ 2015 تقرر إقامة خمس قرى بدوية جديدة، باستثناء مروة، التي ستقام في إطار “مفئوت عراد” – في 2015 وادي النعام، وفي 2022 تقرر إقامة قرية رحمة وعبدة وخشم زانة، وفي 2006 تقرر إقامة قرية الفرعة.
هآرتس