الوثيقة | مشاهدة الموضوع - ما حدود "إسرائيل الكبرى" كما يتخيلها ترمب؟
تغيير حجم الخط     

ما حدود "إسرائيل الكبرى" كما يتخيلها ترمب؟

القسم الاخباري

مشاركة » الجمعة فبراير 07, 2025 4:55 pm

5.jpg
 
4.jpg
 

طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية

ملخص

يشير تحرك ترمب والجمهوريين في الكونغرس إلى عودة ما أطلق عليه في نهاية ولاية ترمب الأولى "صفقة القرن"، وهي خطة سياسية لإسرائيل والفلسطينيين أصدرتها الإدارة الأميركية عام 2019 تحت هذا المسمى الذي صاغه صهر ترمب ومستشاره السياسي جاريد كوشنر، ورفضه الفلسطينيون، وكان من شأنه إعادة رسم حدود إسرائيل لتشمل المستوطنات غير القانونية وضم الضفة، وإلزام الفلسطينيين بنزع السلاح وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة، ووقف جميع الإجراءات القانونية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

وسط الضجة المتفجرة حول تعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن استيلاء الولايات المتحدة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، وما صاحبها من رفض وقلق واهتمام في الداخل الأميركي وحول العالم، تظل أفكار ترمب التي رددها مراراً عن مساحة إسرائيل في الشرق الأوسط واستنكاره كونها صغيرة مقارنة بالمنطقة المحيطة، تثير كثيراً من الترقب والتوتر حول تصوراته للمساحة التي يعتقد أنها مقبولة، فهل تقتصر على الضفة الغربية التي سيعلن موقفه من ضم إسرائيل لها خلال أربعة أسابيع، وكذلك هضبة الجولان التي اعترف من قبل بسيادة إسرائيل عليها، أم إنها يمكن أن تشمل غزة أيضاً وربما مناطق أخرى تمتد لما يصفه اليمين المتطرف بـ"إسرائيل الكبرى"؟

ضم الضفة قريباً

لم تكن تعليقات الرئيس الأميركي حول سيطرة بلاده على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منها، كحل مناسب للأزمة، هي الوحيدة الجديرة بالملاحظة بعد اجتماع ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد أوضح أيضاً في رده على سؤال أحد المراسلين حول الضم الإسرائيلي المحتمل للضفة الغربية، أنه سيتخذ قراراً في شأن هذه القضية قريباً، لكنه أعطى انطباعاً قوياً بدعمه للفكرة، لأنه قال إن الناس يحبون الفكرة وأنه سيصدر إعلاناً في شأن هذا الموضوع المحدد للغاية خلال الأسابيع الأربعة المقبلة.

وما يعزز تلميح ترمب ورغبته في ضم الضفة في الأقل قريباً أنه التقط قلماً بعد الإدلاء بهذا التعليق، وأشار إلى أن القلم يرمز إلى مدى صغر مساحة إسرائيل مقارنة بالمنطقة المحيطة بها التي شبهها بمساحة مكتبه البيضاوي، بل أشاد بالإسرائيليين لإنجازاتهم التي وصفها بأنها مذهلة على رغم حجم بلادهم.

ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي أشار فيها ترمب إلى القضية، فخلال حملته الرئاسية في أغسطس (آب) 2024، أدلى في ولاية نيوجيرسي بتعليقات مماثلة عدَّ فيها أن إسرائيل بقعة صغيرة جداً مقارنة بهذه الكتل الأرضية العملاقة حولها، متسائلاً عما إذا كانت هناك أية طريقة للحصول على مزيد، وهو ما فسره بعض حينذاك بأن ترمب سيعمل إذا عاد إلى البيت الأبيض على منح إسرائيل الضوء الأخضر للتوسع بدءاً من الضفة الغربية.

وعلى رغم أن ترمب لم يبد دعمه لمثل هذه التدابير حتى الآن، فإن المليارديرة الأميركية اليهودية ميريام أديلسون والتي كانت إحدى أكثر المتبرعين سخاءً لحملة ترمب، طالبت بدعمه الصريح ضم الضفة الغربية مقابل تبرعاتها المالية بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

مقايضة رابحة

ويبدو أن تأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" والذي بذل فيه ترمب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف جهداً واضحاً لإنجاحه، كان يتطلب مكافأة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمنحه الموافقة الأميركية على ضم الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها لإسرائيل، وفق ما تشير ديانا بوتو المحامية الكندية الفلسطينية الأصل، والتي استشهدت بظهور نتنياهو على شاشة التلفزيون الإسرائيلي ليقول إن إسرائيل ستحصل على بعض الأصول الكبيرة جداً في مقابل اتفاق وقف إطلاق النار.وإذا تحقق ذلك، فستكون تلك مقايضة رابحة من وجهة نظر قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف الذين توقعوا هذا الأمر في خريف العام الماضي، إذ أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن "عام 2025 سيكون عام الضم الإسرائيلي للضفة الغربية"، ولا يبدو أن هناك كثيراً من المعوقات التي يمكن أن تحول دون ذلك، ولن يتبقى سوى أشياء صغيرة جداً أحدها يتمثل في وجود السلطة الفلسطينية، والثاني أن الإسرائيليين لم يمرروا بعد القوانين التي يمكن أن تطرد الفلسطينيين بالكامل من الضفة، بحسب وصف بوتو.
العودة إلى صفقة القرن

ويشير تحرك ترمب والجمهوريين في الكونغرس إلى عودة ما أطلق عليه في نهاية ولاية ترمب الأولى "صفقة القرن"، وهي خطة سياسية لإسرائيل والفلسطينيين أصدرتها الإدارة الأميركية عام 2019 تحت هذا المسمى الذي صاغه صهر ترمب ومستشاره السياسي جاريد كوشنر ورفضه الفلسطينيون، وكان من شأنه إعادة رسم حدود إسرائيل لتشمل المستوطنات غير القانونية وضم الضفة، وإلزام الفلسطينيين بنزع السلاح وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة، ووقف جميع الإجراءات القانونية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

وعلى رغم أن اقتراح ترمب في شأن غزة ينظر إليه بعض كبالون اختبار أو مشروع وهمي، فإن التأييد العلني للتطهير العرقي الشامل عبر محاولة التخلص من الفلسطينيين في غزة، سينتقل في النهاية إلى الضفة الغربية أيضاً بعد أن طرح ترمب في صفقة القرن الأولى ضم ما يزيد على ثلث الضفة الغربية من جانب واحد، وخلال الأيام القليلة الماضية أشار ترمب إلى أنه من المرجح أن يعيد تأكيد هذا الالتزام السياسي وربما يوسع نطاقه خلال الأسابيع المقبلة.

ولأن إدارة ترمب الأولى تعاملت مع الضفة الغربية بطريقة مختلفة عن الإدارات السابقة، من المتوقع أن يكون البيت الأبيض منفتحاً على قلب السياسة التقليدية في ما يتعلق بالمنطقة، وبخاصة بعد أن عكست الإدارة عام 2019 السياسة الأميركية التي عدت لعقود طويلة أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية، وهو ما ادعت معه الإدارة على لسان وزير الخارجية السابق مايك بومبيو بأن ذلك لم يعزز قضية السلام، كما أصدر ترمب أمراً تنفيذياً يشير إلى ما هو قادم وهو إسراعه برفع العقوبات المفروضة على الجماعات الاستيطانية العنيفة في الضفة الغربية المحتلة.

ومع ذلك، فإن الدعم الجمهوري لحركة المستوطنين والتغييرات في لغة المناقشة المحيطة بجهودهم، جعلت بعض جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن تشعر بالقلق إزاء آفاق إسرائيل على المدى الطويل في ما يتصل بالسلام وتحسين العلاقات مع جيرانها الإقليميين، وبحسب رئيس منظمة جيه ستريت اليهودية المؤيدة للسلام جيريمي بن عامي فإن الأمر الخطر لا يتعلق بتسميته الأرض، بل هو الاقتراح بتأكيد السيادة الإسرائيلية عليها والذي يسمى الضم، لأنه ليس غير قانوني فحسب، بل إنه ناقوس الموت لأي أمل في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي السني.

الغموض في غزة

ظلت حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة تتعهد بالسيطرة على قطاع غزة منذ هجوم "حماس" عليها خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وعلى رغم الدمار المنهجي الذي خلفته إسرائيل داخل القطاع على مدى 15 شهراً، لم تحقق هدفها ببسط نفوذها على القطاع الذي ما زالت الحركة تسيطر على معظم أرجائه، ومع ذلك من غير الواضح ما إذا كان لدى إسرائيل أية أطماع في ضم قطاع غزة بالنظر إلى المقترح الأميركي الذي طرحه ترمب في مؤتمر صحافي مع نتنياهو داخل واشنطن، والذي بدا غامضاً ومن دون استراتيجية واضحة للتنفيذ وسط رفض حاسم من الدول العربية والأجنبية حول العالم لفكرة تهجير الفلسطينيين خارج غزة.
ومع حال الاضطراب التي خيمت على إدارة ترمب وعكستها التصريحات المتضاربة لمسؤولي الإدارة في البيت الأبيض والبنتاغون حول إرسال قوات أميركية إلى غزة، وما إذا كان سيسمح لأهل غزة بالعودة مرة أخرى إلى القطاع، فضلاً عن انقسام الجمهوريين حول الخطة، بدا أن احتمالات الفشل تخيم على اقتراح ترمب مما يمكن أن يفتح الباب من جديد لاستئناف الحرب في غزة، وتجدد رغبة اليمين المتشدد في الاستيلاء على القطاع حتى ولو استغرق الأمر شهوراً وأعواماً أخرى.

التوسع حول الجولان

استغلت إسرائيل انهيار نظام الرئيس السوري الهارب بشار الأسد وتقدم قوات المعارضة واستيلائها على دمشق، لتستولي على ما تبقى من الجولان وتسيطر على بلدات أخرى مجاورة فضلاً عن سيطرتها على جبل الشيخ الاستراتيجي الذي يطل على أربع دول تشمل سوريا ولبنان والأردن، وإسرائيل.

وعلى رغم تعهد إسرائيل الانسحاب إلى مواقعها السابقة التي كانت عليها قبل سقوط نظام الأسد، فإن هناك شكوكاً واسعة حول مدى إمكانية تنفيذ هذه التعهدات خلال الأمد القريب، وقد تستمر سيطرة إسرائيل لأعوام أخرى مقبلة إلا إذا عقدت اتفاق سلام مع الحكم الجديد في سوريا وبشروط تفرضها لضمان ما تصفه على الدوام بأمن إسرائيل.

إسرائيل الكبرى

في حين لم تصدر عن الرئيس ترمب أية إشارة حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه مساحة إسرائيل التي وصفها أكثر من مرة بأنها صغيرة للغاية، إلا أنه لم يضع في الوقت نفسه حدوداً معروفة أو تصورات يمكن استنتاج مداها، ولأن ترمب يغازل من خلال تصريحاته تلك اليمين الأميركي وبخاصة الإنجيليين الذي يشكلون كتلة ناخبيه الرئيسين، والذين بلوروا خلال العقود الأخيرة مفاهيم تستند إلى نصوص توراتية حول أهمية تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" كشرط لنزول السيد المسيح وتوليه عرش أورشليم (القدس)، يستدعي بعض تصورات تحدث عنها قادة الصهيونية ومنظرون إسرائيليون منذ قرنين وحتى الأعوام الأخيرة.

ولا شك أن ارتداء جندي من قوات الجيش الإسرائيلي العام الماضي شارة "إسرائيل الكبرى" على زيه العسكري أثارت تكهنات وغضباً في الدول العربية، لأن الشارة كانت تشمل أرض إسرائيل الموعودة، التي تضم مناطق من النيل إلى الفرات، وتشمل جميع أراضي فلسطين التاريخية ولبنان وأجزاء من دول عربية أخرى.


ومع ذلك، من المحتمل أن سبب الغضب لا يرجع إلى وجود خطة إسرائيلية أو أميركية بذلك، لأن الخريطة تعكس تصريح سجله ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في مذكراته حول حديثه مع المستشار الإمبراطوري الألماني هوهنلوه والذي مضى عليه أكثر من قرن من الزمان، وإنما بسبب ظهورها في الفضاء الأوسع لوسائل التواصل الاجتماعي خلال وقت اشتعلت فيه الحرب على أكثر من جبهة والموقف العدائي ضد إسرائيل.

من هيرتزل إلى العصر الحديث

ويصف هيرتزل في هذه المذكرات التي بدأت عام 1898، عند سؤاله عن مطالباته حول مقدار الأرض المتوقع أن تكون هناك حاجة إليها للدولة المتصورة (إسرائيل) بقوله، "سنطلب ما نحتاج إليه وكلما زاد عدد المهاجرين اليهود، زادت مساحة الأرض".

ومع ذلك، تشير الباحثة في معهد الشرق الأوسط للسياسة والاقتصاد إيكاترينا ماتوي إلى أن هناك اتفاقاً واسعاً بين الباحثين على أن الكتاب المقدس لا يمثل مصدراً تاريخياً علمياً، من ثم يمكن ربط رواية العودة إلى إسرائيل أو إسرائيل الكبرى بخطاب جدلي وليس تاريخاً مفصلاً للمنطقة أو الحقائق الديموغرافية على الأرض، ولهذا يمكن ملاحظة أن الطلب حول مساحة إسرائيل بدا وكأنه مقترحات تشبه صفقة لصناع قرار في أوقات مختلفة من التاريخ.

لكن في العصر الحديث ومنذ ثمانينيات القرن الـ20، بدأت تظهر خطط لمنظرين إسرائيليين حول "إسرائيل الكبرى" منها خطة عوديد ينون والتي نشرها في مقال عام 1982 بعنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" والتي ناقشت أفكاراً جيوسياسية متعلقة بالمنطقة، بما يتماشى مع موقف إسرائيل والصراعات مع جيرانها، وقدمت سيناريوهات لما وصفته بتفكك بلدان الشرق الأوسط على أسس دينية أو عرقية بناءً على سياسة "فرق تسد" من جانب إسرائيل.

وفي عام 2003 نشر كتاب "الجيوسياسية" لشاول كوهين والذي يشير إلى وجهة نظر جيوسياسية مرتبطة بالوضع الإقليمي لإسرائيل والقيود الجيوسياسية المفروضة عليها، إذ يؤكد في الكتاب وجهة نظر عوديد ينون في شأن التفكك، وزعم كوهين أنه في غضون 25 عاماً تقريباً يمكن أن يزيد عدد الدول الوطنية حول العالم من 200 إلى 250، فيما يسميه عملية اللا مركزية والتي تشمل دولاً في الشرق الأوسط.

وتشير بعض الكتابات التحليلية حول فكرة إسرائيل الكبرى إلى رغبة منهجية وطويلة الأمد في تحقيق إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، بما في ذلك مناطق في دول أخرى، ولا يوجد ما يشير بوضوح إلى أن اليمين المتطرف في إسرائيل يمكن أن يتخلى عن هذا المشروع مما يجعله الحاضر الغائب دائماً حول مستقبل المنطقة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الاخبار