بغداد/ تميم الحسن
ما تزال المفاوضات مع الفصائل من أجل نزع السلاح تواجه مصاعب تتعلق بحجم عناصر تلك الجماعات، ومطالب “غريبة” مثل الحصول على منصب سفير!
ووُصفت تلك المفاوضات من قبل مصادر مطلعة بأنها “صعبة”، وقد تأخذ وقتًا طويلًا لحين تفكيك بنية تلك الجماعات، إلا أنها أكدت أن “الدمج حتمي” ولا يمكن التراجع عنه.
وقبل أيام، تقدم عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بطلب لوضع فصائل عراقية على لائحة الإرهاب.
ونشر النائب الأمريكي جو ويلسون على صفحته في موقع “أكس”: “يشرفني أن أتقدم بهذه الرسالة مع عشرة أعضاء آخرين من الكونغرس إلى وزير الخارجية، مطالبين بتصنيف بدر كمنظمة إرهابية إلى جانب جميع الميليشيات الإيرانية الأخرى في العراق”.
وكانت الحكومة قد أعلنت عن بدء نقاش سياسي لدمج عدد من الفصائل، بالتزامن مع أنباء عن عقوبات أمريكية ستُفرض ضد بغداد بسبب ملف الجماعات المسلحة التابعة لإيران.
وقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء إعفاء ممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، ضمن حزمة عقوبات جديدة على طهران، في حين تطالب بغداد بمنحها فرصة حتى عام 2028 للحصول على بدائل للطاقة.
ولمواجهة العقوبات الأمريكية، التي يُتوقع أن تتوسع وتشمل عقوبات عسكرية، اقترحت القيادات الشيعية تفكيك كل الفصائل مع الإبقاء على الحشد الشعبي.
تحديات المفاوضات مع الفصائل
من داخل أجواء المفاوضات، كشفت مصادر سياسية مطلعة عن عدة مصاعب تتعلق بـ التفاهمات مع الجماعات المسلحة، وهي:
تضخيم أعداد العناصر:
تتقدم الفصائل – رغم أنها محدودة العدد – بقوائم كبيرة من المنتسبين تمهيدًا لدمجهم في المؤسسات الرسمية، وهي أرقام غير مدققة وتبدو غير منطقية. (لم يتم الكشف عن العدد المحدد للعناصر).
الحديث هنا يدور حول 3 أو 4 فصائل، بحسب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهي فصائل “متمردة” لا تلتزم بخط الحشد الشعبي.
وبحسب المصادر، فإن هذه الجماعات حاربت فعلًا في بعض القطاعات خلال المواجهات مع داعش (2014 – 2017)، لكنها لم تكن ضمن الحشد الشعبي، وفي أغلب الأحيان لم تلتزم بالتعليمات.
يبلغ عدد مقاتلي الحشد الشعبي، وفق موازنة 2024، أكثر من 220 ألف مقاتل، مقسمين على نحو 70 فصيلًا.
مطالب المناصب العليا:
تضع الفصائل شروطًا مرتفعة للتنازل عن السلاح، مثل الحصول على مناصب:
رئيس المخابرات
مستشارية الأمن الوطني
رئيس أركان الحشد (بعد التنازل عن مطلب رئاسة الحشد)
مديرية الأمن الوقائي في الحشد
استخبارات الحشد
وبحسب المصادر، فإن المفاوضات انتهت تقريبًا من مشكلة “رئاسة الحشد”، حيث بات هناك شبه اتفاق على إسناد المنصب إلى شخصية عسكرية.
وأول أمس، نفت وزارة الدفاع الأنباء المتداولة عن ترشيح رئيس أركان الجيش عبد الأمير رشيد يارالله لمنصب رئيس هيئة الحشد الشعبي بدلًا عن فالح الفياض.
ويواجه “الفياض” اعتراضات على بقائه في المنصب بسبب بلوغه “سن التقاعد”.
بالمقابل، طُرح اسم يارالله للمرة الثانية لشغل المنصب، حيث نُشرت وثيقة نهاية 2023 بتكليفه بالموقع، ثم تم نفي الخبر بعد ذلك.
مطالب دبلوماسية غريبة !
يواجه المفاوضون (وهي لجنة من الحكومة والإطار التنسيقي) مطالب غير مسبوقة ضمن الشروط العالية للفصائل، تشمل الحصول على مناصب في السلك الدبلوماسي ومنح بعض عناصرها مناصب سفراء، رغم أن أغلب منتسبي تلك الفصائل لا يحملون حتى الشهادة الابتدائية.
وكانت (المدى) قد كشفت في سلسلة تقارير عن “التسوية” مع الفصائل، والتي تضمنت مطالبهم بالحصول على “مواقع حكومية حساسة ومؤثرة في القرار السياسي” مقابل الدمج.
ووصفت المصادر الحديث في الإعلام عن رفض الفصائل “رمي السلاح” بأنه “مجرد ضغوط للتفاوض والحصول على مواقع مهمة في الدولة”.
موقف الفصائل من نزع السلاح
ونفى القيادي في فصيل “أنصار الله الأوفياء”، علي الفتلاوي، الحديث عن تسليم “فصائل” سلاحها.
وقال في تصريحات صحفية: “إن حل فصائل المقاومة أمر غير ممكن وبعيد عن الحقيقة، وهو مجرد حلم لدى البعض، ولم ولن يتحقق، في ظل الوجود الأمريكي المحتل في البلاد”.
وفي وقت سابق، نفى رئيس المكتب السياسي لحركة النجباء، علي الأسدي، “وجود أي حوار يتعلق بحل الفصائل المقاومة أو نزع سلاحها”، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن “الحكومة لم تخاطبنا بذلك”.
وأضاف: “نحن في حركة النجباء لم ولن نرمي سلاحنا… ولدينا أسلحة ثقيلة”.
وقال القيادي في النجباء: “المقاومة ستترك السلاح لو طلب منا السيد السيستاني ذلك بصراحة وبشكل مباشر”.
موقف إيران والإطار التنسيقي
بحسب التسريبات القريبة من الفصائل، فإن حركة النجباء، بزعامة أكرم الكعبي، رفضت الحوارات المتعلقة بـ”نزع السلاح” و”الالتزام بخط الحشد الشعبي” في اتباع سياسة عدم التدخل في الشؤون الإقليمية، التي تحدث عنها قبل أيام قيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق).
وعمليًا، فإن “النجباء” والمجموعتين الأخريين اللتين يتم التفاوض معهما (كتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله) منضويتان في الحشد الشعبي (لديهم 5 ألوية على الأقل)، لكنها لا تلتزم بالتعليمات.
ويُعرف أن “سيد الشهداء” يرأسها أبو آلاء الولائي، وهو أحد زعماء “الإطار التنسيقي”، ويحضر دائمًا اجتماعات التحالف، كما يظهر في الصور التي ينشرها.
وكان عمار الحكيم، القيادي البارز في الإطار التنسيقي، قد كشف نهاية العام الماضي في جلسة حوارية بالنجف عن تلقيه معلومات من واشنطن تفيد بأن الفصائل ستتعرض للاستهداف.
ومنذ فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية التي جرت في تشرين الثاني الماضي، بدأ الحديث في العراق عن “دمج الفصائل” بطلب أمريكي، وهو ما كشفه مستشار لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني الشهر الماضي.
وأثناء تلك السجالات، وصل إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، إلى بغداد، وتسربت معلومات عن “ضوء أخضر” من إيران للتعامل مع الفصائل التي تُعرف بـ”المتمردة”.
لكن علي خامنئي، المرشد الإيراني، طلب من السوداني، خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، “تعزيز الحشد” و”طرد الأمريكيين”.
وفق المصادر، فإن عملية “تفكيك الفصائل فنيًا تحتاج إلى وقت طويل”، مضيفة أن “عملية التفكيك تتطلب نقل أملاك وآليات ومكاتب وسلاح تلك الجماعات، وهو أمر يحتاج إلى ترتيبات لوجستية معقدة”.
وأشارت المصادر إلى أن “قرار سحب السلاح من تلك الجماعات أمر متفق عليه من قبل اغلب قيادات الإطار التنسيقي ولا يمكن التراجع عنه”.