التفكير دارج بأن تصريحات سياسيين ورؤساء دول في مناسبات علنية وفي مقابلات صحافية تكون مخططة ومحسوبة بالتفصيل. لكن ثمة شك بأن هذا ما حصل الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة مع الرئيسين ترامب ونتنياهو.
قد نكون معتادين على ذلك من ترامب: فالرجل هو نقيض للدبلوماسية، حتى وإن أدت نزعته المباشرة إلى نتائج مثلما في حالة بنما. وبينما أدى اللقاء الإيجابي بين ترامب بنتنياهو لإطلاق (مشكوك أن يكون في دعابة) قول عن “دولة فلسطينية في السعودية”، هو الآخر يبدو كزلة لسان. في هذه الحالة، وحسب مصادر سياسية سعودية وإماراتية، أبعد الرجلان إمكانية الوصول إلى تسوية إقليمية شاملة تتضمن تطبيعاً واسعاً مع إسرائيل، وأعمالاً وتنمية اقتصادية للدول العربية الضعيفة، ونوعاً من ثورة في الشرق الأوسط الدامي منذ أكثر من مئة سنة.
لكن قبل أسبوعين، وعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مكالمة هاتفية مع ترامب، بزيادة حجم التجارة والاستثمارات مع الولايات المتحدة بمبلغ هائل من 600 مليار دولار. وكانت توقعات الرياض أن ذلك لقاء تحقيق اتفاق أمني، ومعالجة مشكلة النووي الإيراني، وكذا دور متصدر للسعودية في الصفقة الكبرى، والتسوية الإقليمية التي ستثبتها كالدولة العربية المتصدرة. لذا، كانت كبيرة مفاجأتهم من تصريحات ترامب: أولاً، السعودية لا تشترط إقامة دولة فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل، وثانياً عن الحاجة لإخلاء غزة من سكانها لغرض إعمارها دون ضمان عودتهم.
ترى السعودية أن التصريح الأول إشكالي أكثر بكثير، وشهدت على ذلك السرعة التي جاء عليها ردها بعد مرور نحو ساعة من إطلاق ترامب تصريحه في البيت الأبيض. كان الرد قاطعاً لا لبس فيه: السعودية لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية. مصدر سعودي يقول لـ “إسرائيل اليوم” إن التصريح وضع بن سلمان في وضع حساس أمام الشركاء العرب، وهدد بالمس بمكانة السعودية. “لا أفهم كيف لم يحذر أحد المستشارين ترامب من ذلك، خصوصاً حين تلقى هذا القدر الكبير من التأييد من ولي العهد بعد إعادة انتخابه”، يقول المصدر.
المكانة السعودية ملزمة
السعودية، إذا ما قلنا هذا برقة، لا تحب السلطة الفلسطينية، وتريد تغييرات واسعة فيها قبل الحصول على مكانة سلطوية ما في القطاع، وقبل التقدم في مفاوضات مع إسرائيل. كانت مستعدة لقبول قول إسرائيلي عن استئناف المفاوضات عن حل النزاع وأفق محدد، وحسب مصادر أمريكية، بدون تعهد حقيقي لإقامة دولة. لكن تصريح ترامب صلب مواقفها تجاه الخارج على الأقل، ولذلك أبعد التسوية الكبرى.
إن التعمق في بيانات سعودية رسمية وفي مقابلات منحها تركي الفيصل، الذي كان رئيس وكالة الاستخبارات السعودية والسفير السعودي السابق في الولايات المتحدة، يظهر تصلباً في الخطاب سواء تجاه الولايات المتحدة أم تجاه إسرائيل، لكن مع إبقاء الباب مفتوحاً.
ويشرح مصدر إماراتي بأنه لم يكن لقادة دول الخليج التي تتصدر الخطوات السياسية، السعودية والأمارات، أي بديل غير إصدار تصريحات أكثر تصلباً مما كان، كي تنقل إلى ترامب ونتنياهو بأنها لن تأتي إلى الصفقة دون الحصول على حلول للمسألة الفلسطينية، حتى لو كان واضحاً بأن الخطوة تبعد الصفقة الكبرى. “وأنا أضيف: جاءت التصريحات كي تبقي شرعيتها، وأساساً شرعية السعودية، في العالم العربي”، يقول المصدر السعودي. “مكانة السعودية في العالم العربي هي التي تسمح بخطوات بعيدة الأثر، وإذا ما تضررت، نعود إلى مؤتمر المنامة وإلى خطة القرن التي تتحقق”.
“لا يساعد على إيجاد حل”
وثمة تصريح لنتنياهو في حديثه مع يعقوب بردوغو؛ قال الصحافي بالخطأ “دولة سعودية”، فصححه نتنياهو: “دولة فلسطينية – إلا إذا كنت تريد الدولة الفلسطينية في السعودية. عندهم مساحات واسعة، الكثير جداً من المساحات”. السعودية والدول العربية كلها لم تقبل النكتة. “نتنياهو فقد الكثير من الحظوة، ويحتاج إلى ترميمها إذا أراد التقدم إلى التطبيع”، قال المصدر السعودي. ربما زاغ بصر نتنياهو قليلاً من نجاح زيارته وتصريحات ترامب. الولايات المتحدة وحدها لن تكفي للقيام بالخطوات التالية.
في نهاية الشهر، ستعقد في القاهرة القمة العربية، المكان الذي تتطرف فيه الأقوال بشكل عام، وستخصص للنقد ورص الصفوف ضد أقوال ترامب بشأن الغزيين. في هذه الأثناء، نتقدم إلى نهاية المرحلة الأولى في صفقة تحرير المخطوفين. وفي إطار ذلك أيضاً، المباحثات على ما سيأتي – أو للدقة: نهاية الحرب.
المصدران، السعودي والإماراتي، يقولان إن تصريحات ترامب لا تساعد -بأقل قدر- على إيجاد حل لا يتضمن استئناف المعارك، لكنهما يعترفان بأن مثل هذه الخطوة تبدو ضرورية بسبب رفض قيادة حماس الخروج من القطاع. “نتفهم تماماً الطلب الإسرائيلي بشطب حكم حماس وتجريد القطاع، وواضح أنه لا يمكن لأي قوات دخول القطاع دون تنحية حماس”، يقول المصدر الإماراتي. “لكن حماس تلقت الآن إسناداً من الدول العربية، وإن كان غير مباشر”.
الأحد، قال ترامب إن صبره على تحرير كل المخطوفين ينفد، في ضوء حالة الثلاثة الذين تحرروا السبت. فهل يخفي خطوة ما محطمة للتعادل؟ ربما خطوة كهذه ستتضمن إسناداً أمريكياً لوقف إدخال الشاحنات وحاويات المساعدات في نهاية المرحلة الأولى. الهدف: ممارسة ضغط حقيقي على حماس لتحرير المخطوفين المتبقين. إسناد كهذا سيعطي فرصة لاستئناف الأعمال العسكرية في القطاع إذا ما علقت المفاوضات. الصيغة المنقذة لتحرير كل المخطوفين إلى جانب تقويض حماس، لم توجد بعد.
داني زاكن
إسرائيل اليوم 11/2/2025