لندن- “القدس العربي”:
تساءل ويليام ماغيرن في صحيفة “وول ستريت جورنال” عن إمكانية تحول أوكرانيا إلى فيتنام ترامب. وأشار إلى أن هنري كيسنجر فاز بجائزة نوبل للسلام، ولكن سايغون سقطت في يد قوات فيتنام الشمالية.
وأشار الكاتب إلى لقاء أجري مع ستيفن بانون، المنظر الإستراتيجي لدونالد ترامب في ولايته الأولى، قبل تنصيب ترامب لولايته الثانية، وقال فيه إن أوكرانيا ستتحول إلى فيتنام ترامب، وهو محق في تفكيره، ولكن ليس للأسباب التي يفكر بها. وقال بانون إن خطأ الرئيس هو فشله في تحقيق قطيعة كاملة مع كييف، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه ريتشارد نيكسون الذي تورط في الحرب بفيتنام، وحوّلها من حرب الرئيس ليندون جونسون إلى حربه الخاصة.
ويرى الكاتب أن الواقع هو العكس، فقد زعم ترامب في حملته الانتخابية بأنه رجل الصفقات القادر على التفاوض وتحقيق اتفاق من شأنه أن ينهي المذبحة في أوكرانيا. وإذا فعل ذلك وفشلت الصفقة في النهاية، بمعنى أن فلاديمير بوتين استأنف عدوانه، فستكون وصمة عار هائلة في ميراثه السياسي.
ورأى الكاتب أن إدارة ترامب ترسل رسائل متضاربة بشأن الحرب في أوكرانيا. فقد تراجع نائب الرئيس جيه دي فانس عن تعليقات وزير الدفاع بيت هيغسيث بأن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو لم تعد محلا للنقاش، وكذلك العودة إلى حدود ما قبل 2014. وأضاف مبعوث الرئيس إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن الأوكرانيين سيكونون على طاولة المفاوضات، لكن الأوروبيين لن يفعلوا ذلك.
وفي الوقت نفسه، تم استبعاد أوكرانيا من المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تجرى اليوم الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض.
وبينما يفكر في خياراته، ربما كان من الأفضل لترامب لو استمع إلى نقاش دار بين رئيس جمهوري آخر ووزير خارجيته. كان التاريخ هو 3 آب/ أغسطس 1972، عندما أخبر هنري كيسنجر، الرئيس نيكسون أنه يعتقد أن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام مع حكومة فيتنام الشمالية كانت 50/50.
وكان ضمان الأمن آنذاك، كما هو الحال الآن، يشكل مصدر قلق بالغ. وكذا الخوف هو أن تستأنف فيتنام الشمالية الحرب بعد رحيل القوات الأمريكية. وسأل نيكسون كيسنجر: ماذا سيحدث إذا انتظرت هانوي لفترة ثم ابتلعت جنوب فيتنام؟ وأجاب كيسنجر: “إذا ابتلعت شمال فيتنام الجنوب بعد عام أو عامين من الآن، فسوف نتمكن من تبني سياسة خارجية قابلة للتطبيق إذا بدا الأمر وكأنها نتيجة لعدم كفاءة جنوب فيتنام”.
إلا أنه أوضح بعد لحظات قائلا: “لذا يتعين علينا أن نجد صيغة ما تبقي الأمور متماسكة لمدة عام أو عامين، وبعد عام يا سيدي الرئيس ستصبح فيتنام منطقة راكدة. وإذا تمكنا من تسوية الأمر، لنقل في تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، فلن يكترث أحد بحلول كانون الثاني/يناير 1974”.
لقد شعر نيكسون ببعض الآلام الأخلاقية فيما يتصل بما قد يتفقان عليه: “فيتنام، لابد أن أقول… يا إلهي، لقد قاتلوا لفترة طويلة، وماتوا، والآن… لا أدري”.
وأصبحت هذه المحادثة الأساس لاتهام نيكسون وكيسنجر بأنهما كانا يعتقدان سرا أن حكومة سايغون لا تستطيع الصمود بعد الانسحاب الأمريكي. وعلى هذا، فإن ما كانا يسعيان إليه حقا هو “فترة زمنية مناسبة” بين الانسحاب الأمريكي وانهيار جنوب فيتنام. وبعد أقل من ستة أشهر من تلك المحادثة، وقّعت اتفاقية باريس للسلام في 27 كانون الثاني/ يناير 1973. وكانت صفقة فرضت على رئيس جنوب فيتنام نيغويون فان ثيون. ومورس ضغط شديد عليه، إلا أنه قاتل الاتفاق بشجاعة وبشكل أغضب نيكسون.
وربما كانت النقطة الخلافية الرئيسية تلك التي سُمح فيها لقوات فيتنام الشمالية بالبقاء في الجنوب، كما يبدو الآن من بقاء القوات الروسية في أوكرانيا كجزء من الصفقة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وبعد تسعة أشهر من الاتفاقية، حصل كيسنجر مع الزعيم الشمالي الفيتنامي لي ديوس ثو على جائزة نوبل للسلام، مع أن ثو رفضها. وفي 30 نيسان/ أبريل 1975 تقدمت الدبابات وقوات شمال فيتنام نحو سايغون، ولم تعد حكومة الجنوب قائمة بعد ذلك. وفي اليوم التالي، حاول كيسنجر إعادة الجائزة لكن لجنتها رفضت أخذها.
طبعا هناك خلافات كبيرة بين أمريكا وأوكرانيا، فخلافا لفيتنام، لم ترسل الولايات المتحدة قوات للدفاع عن كييف. وهناك سبب آخر يتمثل في صمود الأوكرانيين. فقد كان من المتوقع أن تسقط كييف في غضون عشرة أيام من غزو بوتين، ولكن الأوكرانيين فاجأوا العالم عندما منعوا سقوط عاصمتهم. وعليه، فمن الصعب أن نصدق أن أوكرانيا سوف تستسلم إذا فشلت اتفاقية السلام التي سيبرمها ترامب. وفي الوقت الذي لا تقوم اتفاقيات السلام على خطأ متأصل، لكن المشكلة هي في الضمانات الأمنية التي تحتوي عليها.
ومن منظور إرثه الخاص، فإن أهم الأمور التي سيعترض عليها بوتين هي تلك التي تضمن السلام. والمشكلة ليست في إقناع الزعيم الروسي بالجلوس على طاولة المفاوضات، بل في إقناعه باحترام الاتفاق.
ومر الأوكرانيون بهذه التجربة من قبل، وكان من المفترض أن يعيد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مينسك عام 2015 السلام، لكنه لم يتضمن أي عواقب وخيمة للعدوان الروسي. وبموجب مذكرة بودابست لعام 1994، تخلى الأوكرانيون عن الرادع الفعال الوحيد الذي كانوا يمتلكونه: أسلحتهم النووية. حتى أن بيل كلينتون يدرك الآن أن روسيا لم تكن لتغزو أوكرانيا لو كانت لا تزال تمتلك أسلحتها النووية.
وربما استطاع ترامب التفاوض على صفقة قوية تحافظ على أوكرانيا “المزدهرة ذات السيادة”. ولكن هناك أوجه تشابه مثيرة للقلق بين المحادثات الأمريكية الروسية هذا الأسبوع في الرياض والتي تستبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمفاوضات السرية بين الولايات المتحدة وفيتنام الشمالية التي أجريت خلف ظهر ثيو. وسوف يفعل ترامب جيدا إذا تذكر: “إذا انتهت هذه الصفقة بكارثة، فسيتحمل مسؤوليتها”.