لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “أوبزيرفر” افتتاحية قالت فيها إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقوم بخلق نظام دولي جديد وخطير. ورأت أن عهدًا من القوة العظمى يتكشف، يجمع بين الإمبريالية والديكتاتورية والقومية المفرطة.
وأضافت أن سلسلة من القرارات الأمريكية المفاجئة، وإعادة ضبط السياسة الخارجية ومراجعتها، تركت انعكاساتها السلبية على أصدقاء أمريكا وأعدائها، الذين يكافحون لمواكبة التطورات أو التكيف معها.
فرغبة ترامب بقلب النظام العالمي والهيمنة عليه، وتقويض التحالفات العالمية، وخاصة حلف الناتو، باتت تذكّر بلحظة فاصلة شهدها العالم عندما عنى سقوط جدار برلين عام 1989 نهاية الحرب الباردة، وما تبع ذلك من سقوط المنظومة السوفييتية وتفككها.
غضب ترامب ينبع إلى حد كبير من رفض الرئيس الأوكراني لصفقة المعادن التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، والتي يريدها ترامب “كسداد” للمساعدات الأمريكية
ويعزز سلوكه الإجماع السائد بين السياسيين والدبلوماسيين والمحللين الغربيين، من أن العالم وصل إلى نقطة تحول؛ من نظام متعدد الأطراف تقوده الأمم المتحدة ويقوم على القواعد، إلى عصر جديد يتكشف أمام ناظرينا، من الهيمنة الإمبريالية المتغذية بالاستبداد والقومية المفرطة والشعبوية اليمينية واليسارية.
وتقول الصحيفة إن نهج ترامب “أمريكا أولًا”، الذي يركز على المصلحة الذاتية ويتعامل مع المعاملات التجارية بشكل صريح، ولا تهمه الاعتبارات المبدئية للعدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان، يعكس ويعزز هذا العالم المتغير.
وعندما تصطدم غرائزه غير العقلانية والمخطئة باستمرار بالوقائع القاسية لقضايا دولية محددة، تنشأ المشاكل كما كان متوقعًا.
وغزة مثال على ذلك، فقد أمر ترامب بشكل متغطرس بإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، وتم تجاهله. ثم حدد موعدًا نهائيًا تعسفيًا، ما عرّضَ وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل و”حماس” للخطر.
كما اقترح استيلاء الولايات المتحدة على غزة والطرد الجماعي للفلسطينيين، وهي فكرة غير قانونية وغير قابلة للتطبيق، يدعمها اليمين المتطرف الإسرائيلي فقط. وبالضرورة، تجعل مواقفه الصاخبة الأمور أسوأ، ولا تزال جميع القضايا الرئيسية دون حل.
وتعلق الصحيفة أن التناقض والازدراء للحقائق، الذي يميز نهج ترامب، يتجلى مرة أخرى في تعامله مع أوكرانيا.
فهو يقول إنه يريد إنهاء الحرب مع روسيا، وهو هدف يستحق ثناء معظم الناس. وبدلًا من دعم الوساطة المحايدة المستقلة، انقلب الرئيس الأمريكي على زعيم أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، واصفًا إياه بالديكتاتور، ومشيرًا زورًا إلى أنه يستفيد من الحرب.
ومثل هذا الزعم يكشف الكثير، ذلك أن غضب ترامب ينبع إلى حد كبير من رفض الرئيس الأوكراني لصفقة المعادن التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، والتي يريدها ترامب “كسداد” للمساعدات الأمريكية.
وبدا في مرحلة ما وكأنه يصدر إنذارًا فعليًا: “أعطوني النقود، وإلا فسوف أدعم روسيا”. وفي مواجهة خسارة الدعم الأمريكي، تعيد كييف النظر في الصفقة تحت الإكراه. ولكن الحرب لم تقترب من نهايتها بعد.
وتشير الصحيفة إلى أن ما يقلق ويثير سخط الأوروبيين ودول الناتو هو قيام أمريكا بإعادة تأهيل روسيا.
وتبع مكالمة استمرت 90 دقيقة أجراها ترامب، في الأسبوع الماضي، مع فلاديمير بوتين، لقاء ثنائي بين البلدين في السعودية، وبدون مشاركة من أوكرانيا.
وقد أنهى التواصل الأمريكي مع روسيا عزلتها الدولية، التي بدأت بعد غزوها غير المبرر وغير القانوني لأوكرانيا، قبل ثلاث سنوات، يوم الإثنين. كما حطم هذا التحول في الموقف تضامن الناتو والاتحاد الأوروبي. والآن يتم التخطيط لقمة بين ترامب وبوتين.
من خلال التشهير بزيلينسكي، مع الثناء على بوتين، مجرم الحرب المتهم، وتقديم سلسلة من التنازلات غير المدروسة، قلب ترامب السياسة الغربية رأسًا على عقب، وبدون الحصول على أي مكسب. كما عزز التواصل الأمريكي من مكانة بوتين، الذي يخشى أن يوجه بصره بعد ذلك نحو مولدوفا أو بولندا أو جمهوريات البلطيق الثلاث.
وتقول الصحيفة إن زلات ترامب السياسية، وغير المنطقية، والتي تغذيها الضغائن الشخصية والنرجسية وجشع المرتزقة، تجعله يتقدم صعودًا وهبوطًا مثل دوق يورك العظيم القديم. ففي لحظة يقول إن زيلينسكي غير ذي صلة، وفي اللحظة التالية يطالبه بالجلوس مع بوتين والتفاوض معًا.
ويحاول بعض المسؤولين، مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، اتباع خط أكثر اعتدالًا وعقلانية. ولكن يبدو أنهم أقل قوة من شخصيات اليمين المتطرف، التي تحظى باهتمام الرئيس.
وقد شهدت أوروبا هذا بشكل مباشر في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا الشهر، عندما أعلن جيه دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الحرب على القيم الأوروبية والتقاليد الحاكمة.
وكان الهدف المقصود من كلامه ألمانيا، حيث دعم فانس، الذي أظهر غطرسة شديدة، “حزب البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف قبل الانتخابات الوطنية في نهاية هذا الأسبوع.
الصحيفة: زلات ترامب السياسية، وغير المنطقية، والتي تغذيها الضغائن الشخصية والنرجسية وجشع المرتزقة، تجعله يتقدم صعودًا وهبوطًا مثل دوق يورك العظيم القديم
وأضاف بيت هيغسيث، وزير الدفاع في إدارة ترامب، تصريحاته المثيرة للجدل، محذرًا أوروبا من أن أوكرانيا لم تعد تشكل أولوية إستراتيجية، وطالبها بدفع المزيد من الأموال للدفاع عن نفسها، وملمحًا إلى انسحاب القوات الأمريكية.
وتقترح استطلاعات الرأي أن هذه الهجمات، التي ترافقت مع تهديدات ترامب بفرض تعريفات جمركية قاسية على أوروبا، والسيطرة على كندا وقناة بنما وجزيرة غرينلاند الدنماركية، قادت الكثيرين للاستنتاج أن الولايات المتحدة أصبحت العدو الآن، وليس الحليف.
وهناك شق يتسع على طول المحيط الأطلسي. فلدى ماسك، وفانس، واليمين المتطرف، والمحرض مثل ستيفن بانون، قناعة بأن أوروبا يجب أن تُحكم بأشخاص مثلهم، وليس الأحزاب الليبرالية. أي شخصيات مثل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، وجورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، ومارين لوبان، زعيمة “التجمع الوطني” المتطرف في فرنسا، ونايجل فاراج، زعيم “حزب الإصلاح” المتطرف في بريطانيا، وأليس فادل، زعيمة “حزب البديل” لألمانيا.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالإشارة إلى زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى واشنطن، هذا الأسبوع، وضرورة المشي بحذر في هذا العالم الفوضوي والسام والمتغير بشكل مستمر.
وربما كان طموح ستارمر هو محاولة فهم كل هذا، وإصلاح الضرر الفوري. ومع ذلك، يجب أن يكون حازمًا في إعادة صياغة وجهة نظر بريطانيا، وهي أن أوكرانيا هي الضحية، وروسيا هي العدو المفترس، وأن زيلينسكي هو حليف منتخب ديمقراطيًا، أما بوتين فهو الديكتاتور، وأن العدوان الروسي يهدد كل أوروبا والولايات المتحدة، ويجب على حلف الناتو أن يقف متحدًا في المعارضة، وأن بريطانيا ستزيد من الإنفاق على دفاعاتها، وكذلك سيفعل الأوروبيون، وأن على الولايات المتحدة البقاء، ويجب عليها البقاء.