بغداد ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، أمس الأربعاء، إن سياسة بلاده تقوم على التعاون والتكامل مع باقي البلدان وعلى أساس مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان واحترام خيارات الشعوب في بناء منظومات حكمها، أكد رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، العمل على تجنيب العراق نار الحرب في المنطقة، مشيراً في الوقت ذاته إلى الالتزام بدعم الاستقرار الإقليمي.
وقال خلال مشاركته في منتدى أربيل، إنه «منذ أكثر من سنة ومنطقة الشرق الأوسط في حراك سياسي وأمني وعسكري مستمر، انعكس على الخريطة السياسية في بعض بلدان منطقة الشرق الاوسط، وراح ينذر بتهديدات أمنية ومجتمعية في بلدان أخرى، ولن يكون العراق بعيدا عنها، إن لم يتم اتخاذ إجراءات داخلية سريعة لمعالجة بعض القضايا، وعلى نحو حاسم، وإجراءات تتخذ بالتشاور مع دول الجوار والمنطقة».
كارثة إنسانية
وأضاف: «لقد تعرض الشعب الفلسطيني منذ سنة ونصف تقريباً إلى عدوان بدأ بقطاع غزة وامتد اليوم إلى الضفة الغربية أمام صمت أغلب دول العالم، تسبب بحدوث كارثة إنسانية مروعة من قتل للنساء والأطفال والشيوخ وتهجير للمدنيين العزل». وجدد التأكيد على «ضرورة استمرار وقف القتال وإغاثة المنكوبين وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني».
وفيما يخص التغيير السياسي الذي حصل في سوريا، رحب رشيد «بخيارات الشعوب الديمقراطية والباحثة عن التغيير والسير قدماً لبناء منظومة حكم رشيد».
وتمنى أن» يلبي هذا التغيير طموحات الشعب السوري بجميع قومياته ومكوناته وطوائفه».
وزاد: «سنعمل على إقامة علاقات ودية مع منظومة الحكم الجديدة، يسودها الاحترام والتعاون المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، والعراق على استعداد لدعم أي جهد يساعد على تسريع الاستقرار الداخلي للشقيقة سوريا وتحقيق ما يتطلع إليه السوريون».
ورأى أن «خطر الإرهاب هدّد العالم بأسره وطال العراق على وجه الخصوص واستهدف أبناء شعبنا جميعا، كما استهدف المباني والجامعات والمناطق الأثرية، فضلا عن استهداف العلماء ورجال الدين وأصحاب الشهادات العليا، وكان الهدف هو إفراغ البلد من الكفاءات، ولم يتحرر العراق من هذا الاحتلال إلا بتضحيات كبيرة من أجهزته الأمنية بكافة صنوفها وتكاتف جهود شعبنا بمكوناته وقومياته وطوائفه».
ووفق قوله، فقد «سجل العراقيون ملحمة عراقية جديدة في الدفاع عن الوطن والمواطنين، وبعد كل هذه التضحيات يعود الإرهاب مرة أخرى ليهدد العراق ودول الجوار بمخطط جديد لتحقيق ما تطلع إليه والثأر من الهزيمة التي لحقت به» مشيراً إلى أن «توحيد الرؤية السياسية وتوحيد الجهود وتحقيق التكامل الوطني أمر لا بد منه لإفشال المخططات العدوانية الجديدة التي أصبحت تهدد بصورة جدية دول المنطقة وليس العراق فقط. لقد عانى الشعب العراقي من سياسات النظام الديكتاتوري التي كانت تقوم على فلسفة الحكم الشمولي في التفرد بالسلطة وقمع الحريات وعدم الاعتراف بالحقوق القومية للعراقيين والتدخل بالشؤون الداخلية للدول وخاصة دول الجوار».
رشيد أكد أن سياسة بلاده تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان
ورأى أن «تلك الفلسفة التي لم تأتِ على العراق إلا بالويلات وتأزيم العلاقات وفقدان الأصدقاء والأشقاء والعزلة الدولية». وفي هذا الصدد أكد أن «سياسة العراق اليوم تقوم على التعاون والتكامل مع باقي البلدان وعلى أساس مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان واحترام خيارات الشعوب في بناء منظومات حكمها».
ومضى يقول: «لقد اختار العراقيون بعد سنة 2003 لأنفسهم نظاماً سياسياً جديداً يقوم على الديمقراطية والعدالة والمساواة الاجتماعية وعدم التمييز بين أبناء شعبه على أساس القومية أو الدين أو الطائفة، وعلى تقاسم السلطة بما يضمن حقوق الجميع، ومن هنا، فإن الالتزام الكامل بمبادئ الدستور، والعمل على إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء القوميات والطوائف هو ضرورة كي نحمي نظامنا الديمقراطي ولا بديل عن هذا الخيار من أجل أن ينعم الشعب بالحرية والرفاهية والاستقرار».
الرئيس العراقي اعتبر أن «سياسة العراق الجديدة تقوم على احترام سيادة الدول وخيارات الشعوب والالتزام بإقامة علاقات ودية متوازنة مع الجميع، مع رفض أي تدخل في شؤون العراق الداخلية، فالعراق قادر على الرد على كل التدخلات وانتهاك حرمة حدوده وأراضيه، لكننا نؤمن بالحلول الدبلوماسية والحوارات الودية والتفاهمات الثنائية ليس من باب الضعف لا سمح الله، ولكن من أجل الاحتفاظ بعلاقات ودية متوازنة ولتجنيب الشعوب ويلات الحروب».
في الأثناء، اعتبر السوداني، في كلمته في المنتدى، أن «منطقتنا تمر اليوم بمرحلة تحولات كبرى لم نشهد مثلها منذ عقود. فقد شهدت غزة ولبنان حرباً قاسية شنتها قوات الاحتلال في الكيان الغاصب واستهدفت فيها كل مقومات الحياة، وقد عملنا بجهد نحو تجنيب العراق نار هذه الحرب، بالإضافة إلى الحرص على دعم الإخوة في لبنان وفلسطين بالمساعدات والدعوة، في كل المحافل التي حضرنا فيها، بضرورة إنهاء الحرب».
دعم الاستقرار
وأضاف: «انطلاقاً من التزامنا الثابت بدعم الاستقرار الإقليمي أكدنا مساندة الشعب السوري وحقه في تقرير مستقبله، ووقفنا مع كل المبادرات التي تسهم في استعادة الأمن والاستقرار في سوريا، إيماناً منا بوحدة المصير وضرورة تعزيز التضامن العربي والإقليمي». أما رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، فأشاد بقرار السوداني بمنع إرسال «المجموعات المسلحة» إلى سوريا، واصفاً القرار بـ «الحكيم».
وتحدث في كلمته قائلاً: «رئيس الوزراء والدولة العراقية تصرفا بحكمة بالغة، ومنعا العراق من الاحتراق بنار ما يجري في المنطقة» منوّهاً إلى أن «رؤية إقليم كردستان هي أن العراق يجب أن ينأى بنفسه عن ذلك».
كما أشار إلى ضرورة «التوصل إلى حل سياسي في تركيا يشمل جميع مكونات المجتمع» معرباً عن أمله في أن «يستجيب حزب العمال الكردستاني والقوى السياسية الأخرى للنداء الذي سيطلقه عبد الله أوجلان». وبخصوص دور إقليم كردستان في هذا الصدد، قال: «كان لنا دور في السابق، وقد أكدنا الآن للجانبين أن إقليم كردستان على استعداد لممارسة أي دور يؤدي إلى التقارب بين هذه الأطراف».
وبشأن الأوضاع في سوريا، أوضح أن «ما حدث هناك كان غير متوقع حتى بالنسبة لأحمد الشرع» مشدداً على أهمية «دعم العملية السياسية في سوريا لضمان تمثيل جميع مكوناتها».
وأشاد بدور تركيا «الكبير والحاسم» في حماية الكرد في حلب، مضيفاً: «نحن نشكر الدولة التركية التي كانت على تواصل معنا وقدمت ما في وسعها، خاصة في الأيام الأولى».
ولفت إلى أن تجربة إقليم كردستان لا يمكن استنساخها في سوريا، قائلاً: «ما فعلناه في إقليم كردستان لا يمكن استنساخه في سوريا كما هو، فهذا مستحيل. لكننا نعتقد أنه يمكن البدء بعملية تؤدي في النهاية إلى أن تجد كل المكونات السورية نفسها في العملية السياسية، وسيكون ذلك نصراً كبيراً لسوريا وفرصة مهمة».
كما اعتبر بارزاني أن ما حدث في لبنان وقطاع غزة هو «قضية أمة لن يتم تدميرها بالحرب مهما حصل».
وبيّن أن «ما يحدث في غزة ولبنان أضعفهما مؤقتاً، لكنه لا يمكن أن ينهي قضيتهما» مؤكداً أن «الشعوب لا تُهزم بالحروب والقتل، بل أن المعاناة تزيدها إصراراً على التمسك بحقوقها».
وأضاف: «نحن الكرد أيضاً لنا قضية، وقد واجهنا كل أشكال القمع والتدمير. تعرضنا للأسلحة الكيميائية وهُدمت قرانا، لكننا لم ننتهِ، لأننا أصحاب قضية، وكل من له قضية حقيقية لن يتم القضاء عليه بسهولة».
وأشار إلى إن «النصر العسكري لا يكفي في غزة ولبنان، وحتى إن اعتبرت إسرائيل نها حققت نصراً عسكرياً، فإن عدم ترجمته إلى نصر سياسي، والاعتماد فقط على الحل العسكري، ستكون له نتائج سيئة ليس فقط عليها، بل على المنطقة بأكملها وحتى على أمريكا». وختم، حديثه قائلاً: «الأولوية هي إبعاد العراق وإقليم كردستان عن تداعيات هذه الأوضاع المتوترة» مثنياً على جهود السوداني، كونه «لم يقصر في العمل على حماية استقرار العراق والإقليم في ظل هذه الظروف» على حد قوله.