الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بتجميد “قانون الحجاب”.. ما مدى نجاح قيادة طهران في امتصاص الصدى السوري؟
تغيير حجم الخط     

بتجميد “قانون الحجاب”.. ما مدى نجاح قيادة طهران في امتصاص الصدى السوري؟

مشاركة » الاثنين ديسمبر 16, 2024 10:38 pm

4.jpg
 
“محظور علينا فعل أي شيء يؤدي إلى ضعضعة الاتفاق والوحدة في المجتمع. ومحظور اتخاذ أي الخطوة تحدث بلبلة”، هذه أقوال لم يقلها الوزير ياريف لفين في لحظة ندم وانتقاد ذاتي، بل قالها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضد مشروع القانون الجديد، “قانون الحشمة والحجاب”، الذي كان يجب أن يدخل حيز التنفيذ الجمعة الماضي. يعرف بزشكيان جيداً ما يرفض نظراؤه في الحكومة الإسرائيلية استيعابه، وهو أن الخطر الأكبر الذي يهدد إيران الآن ليس الضعف العسكري وسقوطها في سوريا، بل الانقسام الشعبي.

لم يكتف بزشكيان بالانتقاد والإدانة، بل قام بخطوة استثنائية وغير مسبوقة، وتوجه إلى مجلس الأمن القومي، الجسم الأعلى الذي يبت بشؤون أمن الدولة، لتقديم رأي حول التهديد الأمني بسبب هذا القانون. في الواقع، أمر المجلس السبت بتجميد القانون وعدم تطبيقه بسبب “نتائجه الأمنية” المحتملة.

قانون الحجاب موجود في إيران الآن، لكن القانون الجديد يذهب بعيداً، وينص على أن على الفتيات من سن 9 سنوات ارتداء ملابس مناسبة، أي تغطية شعر الرأس، وأن على الجهات المراقبة، من بين ذلك البلديات والمدارس، والإبلاغ عن أي خرق. وعلى السائقين العموميين وأصحاب المطاعم تقديم معلومات عن فتيات لم يرتدين الحجاب وفق مطلوب.

الغرامة على المخالفة الأولى قد تبلغ 300 دولار، أكثر بكثير من أجرة الحد الأدنى في الشهر. وأي مخالفة أخرى تستدعي زيادة الغرامة. وهناك أيضاً عقوبة السجن ومنع تأشيرة الخروج من البلاد ومصادرة جواز السفر وعدم التشغيل في الوزارات الحكومية والشركات الحكومية.

يتذكر بزشكيان مظاهرات الجمهور التي اندلعت في إيران في 2022 عقب مقتل مهسا أميني، ومجلس الأمن القومي يتذكر أيضاً. يبدو أن الزعيم الروحي الأعلى علي خامنئي، اقتنع بأن الأمر لم يعد يعتبر صراعاً بين الإصلاحيين والمحافظين على هوية إيران، بل تهديد حقيقي على الأمن الداخلي والمجتمع، بالذات في وقت صعب جداً على إيران.

قيادة إيران لا تخفي حجم الضربة التي تلقتها؛ فهي على قناعة بأنها قد تكون التالية بعد سوريا، ليس فقط كهدف للقصف الأجنبي، بل كبؤرة لعصيان مدني يستمد القوة من نجاح المتمردين. قائد حرس الثورة، حسين سلامي، أوضح مشاعره فقال: “نرى اليوم كيف انقضت القوات الأجنبية على حياة ظبي منفرد مثل الذئاب الجائعة، كل منها يقضم جسده وينتزع منه عضواً. هذا درس مرير”، قال.

وأضاف سلامي بأن “على إيران الانتباه للدرس الكبير الذي جاء إلى جانب الدروس التي بقيت من الدفاع المقدس. ندرك أنه إذا لم يقف الجيش بصمود ويعارض (الهجوم) فستسقط البلاد كلها في الفوضى. نعرف الآن قوة المقاومة، وسكان دمشق يعرفون ما الذي سيحدث للشعب وكيف ستقسم الدولة إذا لم تكن هناك مقاومة. الصهاينة وعدد آخر من الشمال (تركيا) يحتلون البلاد، والسوريون الآن ضائعون وعاجزون”.

مثلما في إسرائيل (في هذه الأثناء)، ففي إيران أيضاً لا يتوقع تشكيل لجنة تحقيق رسمية، تحقق في الفشل الاستخباري والعسكري الذي أدى إلى تحطم الذخر الاستراتيجي الذي يتوقع أن يمنع إمكانية ترميم حزب الله. الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، اعترف بذلك في نهاية الأسبوع. سيفحص ذلك الحرس الثوري والسياسيون في الغرف المغلقة، وفي المستقبل القريب سيقفون على تفاصيل تغييرات هيكلية أو تغييرات في القيادة العليا.

إيران اليوم ملزمة بالتركيز على التهديدات الاستراتيجية التي أصبحت حاسمة بعد فقدان سيطرتها في سوريا. التهديد الأول والأهم هو كيفية مواجهة تهديد الهجوم المحتمل على المنشآت النووية، لا سيما إزاء الخطاب العام في إسرائيل والخوف من حصول إسرائيل على ضوء أخضر من ترامب لمثل هذه الخطوة؛ والثاني مستقبل “حلقة النار” أو “جبهة المقاومة” والتأثيرات التي قد تكون للثورة في سوريا على الجبهة الداخلية الإيرانية.

يصعب التقدير في هذه المرحلة كيف تنوي طهران إدارة المشروع النووي. بعد التقرير الذي أظهر أنها زادت كمية اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، والذي قد يصل إلى 90 في المئة، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة النووية يوم الجمعة بأنها ستوافق على زيادة الرقابة في منشأة بوردو، التي يجري فيها الجزء الرئيسي من التخصيب.

ليس واضحاً حتى الآن ماذا سيكون حجم الرقابة التي ستسمح بها إيران وفي أي منشآت. ولكن قرار السماح للرقابة قد يشير إلى التوجه الذي تسعى إليه طهران. في الأسبوع الماضي، أبلغت فرنسا وألمانيا وبريطانيا مجلس الأمن والدول التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي، بأنها مستعدة “إذا كانت حاجة” لاستخدام بند “سناب باك” (إعادة استخدام جميع العقوبات الدولية التي تم فرضها على إيران قبل الاتفاق النووي، الذي هو غير خاضع للفيتو). ولكن صلاحية هذا البند ستنتهي في تشرين الأول 2025.

بيان الدول الأوروبية دراماتيكي، حيث يعتبر هذه الخطوة حتى الآن نظرية فقط. ترددت الدول في التهديد باستخدام هذا البند، لأن معنى استخدامه اعتراف بفشل الاتفاق النووي. لا يمكن أن تكون إيران واثقة من أن قرار إعادة الرقابة بشكل جزئي أو كامل سيوقف خطة مهاجمة المنشآت النووية، إذا كانت قائمة وفعلية. ولكنها ستحاول على الأقل ضعضعة الشرعية الدولية لهجوم كهذا في المدى الآني، وتأمل في غضون ذلك، بالتوصل إلى تفاهمات مع إدارة ترامب، ربما حتى قبل دخوله إلى البيت الأبيض.

في الوقت نفسه، تخشى إيران من تأثير الدومينو لانقلاب سوريا، الذي قد يضر مراكز تأثيرها في العراق. الجمعة، زار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، العراق والتقى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. وحسب التقارير في العراق، طلب بلينكن من السوداني “إجراء إصلاحات سياسية” في النظام العراقي، وهو المفهوم الذي فسر كنية لتحييد القوى السياسية المؤيدة لإيران في النظام العراقي، ونزع سلاح المليشيات الشيعية.

وثمة طلب مشابه قُدم لرجل الدين الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، من قبل مبعوث الأمم المتحدة في العراق. السيستاني معارض كبير لأسلوب النظام في إيران وتدخلها في شؤون بلاده. ثمة شك أن بإمكانه يمكنه أو يرغب في تطبيق هذا الطلب. يعتمد العراق اقتصادياً على إيران، وهو شريكها التجاري الأهم، التي توفر له 30 في المئة من الكهرباء، والقوى السياسية المؤيدة لإيران تسيطر الآن على معظم الوزارات الحكومية. إن نزع سلاح المليشيات الشيعية المؤيدة لإيران لا يعتبر نزهة، لأن هذه المليشيات مرتبطة بوزارة الدفاع في العراق، وفي الوقت نفسه، تسيطر على شريحة مهمة في اقتصاد الدولة.

مواجهة قوية قد تدهور العراق إلى حرب أهلية دموية. فرغم الشعور العام المناوئ لإيران، فإنه يمكن إسقاط الحكومة التي تشكلت بصعوبة. ولكن بعد الانقلاب في سوريا، لن تثق إيران بعد اهتزاز ميزان سيطرتها السياسية في العراق. وتخشى طهران أيضاً من احتلال دول الخليج مكانها بصفتها دعامة اقتصادية، مثل السعودية والإمارات، وقد بدأت بالاستثمار في العراق.

تجميد قانون “الحجاب” يدل على أن الجبهة الداخلية في إيران تشخص ارتفاعاً في تهديد استقرار النظام، الذي هو غير منفصل عن التطورات في سوريا، ويضاف إلى الضغط الاقتصادي الكبير الذي لا ينعكس فقط في مظاهرات العمال الذين يطالبون بتحسين الأجور وشروط العمل، بل أيضاً في مستوى الحياة المتدني وحجم الفقر وفقدان أماكن العمل، ومؤخراً توجيهات للترشيد في استهلاك الكهرباء في فصل الشتاء.

لا إشارات واضحة استثنائية تدل على نضوج عصيان مدني الآن، لكن نية رفع أسعار البنزين والمس بتمويل خطط الرفاه ومتعاظم حجم تسرب الطلاب من المدارس بسبب الحاجة إلى العمل والمساعدة في إعالة العائلة، قد تتراكم وتصبح كتلة حاسمة، تستند إلى “روح النجاح” للتمرد في سوريا.

هآرتس
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات