تعددت أنساق الاعتداءات وتنوعت الجرائم واتسعت النطاقات بين قطاع غزة والضفة الغربية، وجوهر حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني يزداد همجية وعنفاً وانتهاكاً لأبسط القواعد الإنسانية والقوانين الدولية، ويسجل اليوم 500 من توحش دولة الاحتلال أفانين قديمة وثابتة وأخرى جديدة غير مسبوقة.
ففي قطاع غزة يواصل جيش الاحتلال عرقلة إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، سواء عن طريق إعاقة مرورها وإغلاق الطرقات أمام مسيرها، أو استهدافها قوات التأمين الشرطية الفلسطينية التي تضمن عدم تعرضها للنهب والسرقة. هذا عدا عن إصرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على الإخلال بشرط إدخال المساكن مسبقة الصنع والمعدات الثقيلة.
وخلال الاحتفاء بتعيين إيال زامير رئيساً جديداً لأركان جيش الاحتلال، امتدح نتنياهو «النهج الهجومي» لدى زامير، معتبراً أنّ دولة الاحتلال «تحتاج لأمثاله من أجل تحقيق الانتصارات». وهذا يتماشى أيضاً مع «فرصة لتغيير تاريخي يضمن مستقبل» الاحتلال، في ضوء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير سكان قطاع غزة، معتبراً أنها «الوحيدة القابلة للنجاح».
وفي مدينة نابلس يقتحم جيش الاحتلال البلدة القديمة من محاور عديدة، فيعتقل الفلسطينيين ويصيب العشرات منهم، ويصادر المركبات ويحاصر البيوت والشوارع والأحياء، في متابعة لعمليات تنكيل مماثلة تشهدها مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وتستكملها قطعان المستوطنين في بلدتي دوما وجوريش جنوبي نابلس. ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 916 فلسطينياً، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال 14.500، حسب إحصاءات فلسطينية رسمية.
واحتفال الاحتلال باليوم 500 لا تغيب عنه سياسات توسيع الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية، إذ نقلت منظمة «السلام الآن» أن سلطات الاحتلال تعتزم استدراج عروض لبناء 974 وحدة لصالح مستوطنة إفرات جنوب القدس، بما يعني توسيعها بنسبة 40% من جهة أولى، وإعاقة تطوير مدينة بيت لحم الفلسطينية المجاورة من جهة ثانية.
ولم يكن مستغرباً أن اليوم 500 سجّل أيضاً صفحة جديدة في محاكمة نتنياهو بثلاث تهم رئيسية تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وأن تشهد هذه الجلسة العاشرة فاصلاً مسرحياً يجمع المهزلة إلى المأساة حين توقفت لمدة 20 دقيقة بسبب حاجة المتهم إلى إجراء مكالمات أمنية «عاجلة» اتضح أنها المصادقة على عملية اغتيال إرهابية في لبنان. وبات معروفاً، أو مفضوحاً على وجه الدقة، أن بين أبرز أسباب نتنياهو لإطالة الحرب على القطاع إنما تعود إلى استراتيجيته الهادفة إلى التهرب من الإدانة القضائية أو إبعاد شبحها ما أمكنه ذلك.
وإذا كانت جلّ أسابيع وأشهر حرب الإبادة هذه قد اقترنت بمساندة مطلقة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، فإن إدارة ترامب فاقت في الدعم توقعات ساسة الاحتلال أنفسهم، فلا عجب أن اليوم 500 سجّل استلام الجيش الإسرائيلي دفعة من قنابل «إم كي 84» الأمريكية الثقيلة. هنا أيضاً تتواصل حرب الإبادة وتتمدد.