بعد انقطاع طويل للمرجعية العليا عن التعليق السياسي، أصدرت بيانا تحذيريا من انفلات السلاح والتدخل الخارجي وسوء إدارة الدولة، غير أن القوى السياسية أعقبته ببيانات مؤيدة عدة، وهو ما وجده مراقبون “محاولة لخلط الأوراق”، معتبرين خطاب المرجعية الأخير دليلا على خطورة الأوضاع والعجز الحكومي في معالجتها، وإخفاق لجميع السلطات.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “بيان المرجعية كان واضحا في تحديد السلبيات الكثيرة والخطيرة في الحكومة من التدخل الخارجي وكذلك الفساد واستمرار السلاح المنفلت، وبيانات التأييد التي صدرت من القوى السياسية، هي محاولة لخلط الأوراق على الشارع العراقي”.
ويضيف التميمي، أن “صدور بيان المرجعية بهذا التوقيت، كشف عن خطورة الوضع في العراق على المستوى الداخلي وكذلك الإقليمي، وأكد وجود عجز حكومي في مواجهة تلك التحديات، وهذا الأمر تتحمله القوى السياسية المشكلة والمشاركة بهذه الحكومة، فالحكومة نتاج كتل وأحزاب سياسية رفضت المرجعية منذ سنوات استقبال أي ممثل عنها”.
ويتابع أن “بيان المرجعية ستكون له تبعات سياسية خاصة على المستوى الانتخابي، فهذا الأمر سوف يقلل من حظوظ قوى السلطة حاليا، فالمرجعية لأكثر من مرة أكدت وكشفت فشلهم واخفاقهم، ونتوقع مواقف أكثر شدة للمرجعية خلال المرحلة المقبلة، لخطورة الأوضاع على مختلف الصعد”.
وكان المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، قد استقبل أمس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان والوفد المرافق معه، وبحسب بيان لمكتب السيستاني، فإنه دعا العراقيين إلى “أخذ العِبر من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها ويعملوا بجدّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم ينعم فيه الجميع بالأمن والاستقرار والرقي والازدهار”.
كما أشار البيان، إلى أن “ذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد اعتمادا على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات”، مردفا: “لكن يبدو أن مسارا طويلا أمام العراقيين الى أن يصلوا الى تحقيق ذلك، أعانهم الله عليه”.
وما إن صدر بيان السيستاني، حتى أصدرت أغلب القوى السياسية بيانات تأييد لما ورد فيه، وأولها الإطار التنسيقي، حيث أعرب عن الترحيب بالبيان والالتزام الكامل بترجمة توجيهاته إلى “خطوات عملية تعكس تطلعات شعبنا”.
كما دعا ائتلاف النصر، في بيانه إلى “اعتماد توجيهات السيد السيستاني كوثيقة مبادئ ينتظم من خلالها عمل وأداء القوى السياسية”. ومن ثم أعرب تحالف العزم عن دعمه الكامل لما صدر عن السيستاني حول إدارة البلد بمبادئ الكفاءة والنزاهة وتحكيم سلطة القانون.
وأصدرت كتلة تيار الفراتين النيابية (التي يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني) بيانا أشارت فيه إلى أن اللقاء الذي جمع السيد السيستاني بممثل الأمين العام للأمم المتحدة يعكس حرص المرجع الأعلى على تعزيز دور الأمم المتحدة في دعم العراق واستقراره. وبجانبه أعلن حزب الدعوة الإسلامية التزامه الكامل بالتوجيهات التي وردت في بيان مكتب السيستاني وعدها “خارطة طريق واضحة ومرشدة لبناء دولة المؤسسات وفق معايير الكفاءة والنزاهة”.
كما أصدر رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، بيانا أكد فيه أن رؤية السيستاني تمثل “خارطة طريق شاملة تعكس رؤية المرجعية الأبوية لمصلحة العراق وشعبه”. وآخرها كان تحالف السيادة، حيث وجد في بيان السيستاني “وصفة لتحقيق قيم الاستقرار والعدالة والتوازن التي تصب حتماً في صالح الشعب ومؤسسات الدولة والنظام السياسي”.
من جانبه، يبين أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بيان المرجعية هو إعلان واضح وصريح لفشل وإخفاق السلطات وكذلك الجهات السياسية في تنفيذ تطلعات الشعب العراقي وتوجيهات المرجعية التي تنادي بها منذ سنين، وفي كل مرة تعلن الكتل والأحزاب تأييدها لها، لكن دون أن تنفذ أي شيء منها لغاية الآن”.
ويلفت العرادوي، إلى أن “بيان المرجعية واضح بأن هناك فسادا وهناك سلاحا منفلتا وهناك تدخل خارجي، وكذلك هناك مناصب تسلم إلى شخصيات غير مهنية وغير كفوءة، وهذا ما يؤكد أن المرجعية تتابع كل القضايا الكبيرة والصغيرة التي تحدث في العراق وحتى الأحداث الخارجية التي لها تداعيات على العراق والعراقيين”.
ويؤكد أن “إعلان بعض القوى السياسية تأييدها لبيان المرجعية، هو محاولة للهروب من المسؤولية رغم انها هي المعنية بالدرجة الأساس بكل ما جاء ببيان المرجعية من نقاط مهمة، وهذا البيان ستكون له تبعات سياسية وشعبية على الحكومة وكذلك القوى السياسية، وهذا البيان كشف ما يمر به العراق من نقاط ضعف وإخفاق”.