الوثيقة | مشاهدة الموضوع - العراق: انتخابات مبكرة… طموح الشعب في التغيير : مزهر جبر الساعدي
تغيير حجم الخط     

العراق: انتخابات مبكرة… طموح الشعب في التغيير : مزهر جبر الساعدي

مشاركة » السبت فبراير 20, 2021 12:10 am

3.jpg
 
اندلعت التظاهرات العراقية، في الأول من أكتوبرعام 2019، في العاصمة بغداد وبقية مدن جنوب ووسط العراق؛ نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية، وانعدام أو قلة فرص العمل، وتردي الخدمات بصورة عامة؛ وسرعان ما تحولت إلى انتفاضة شعبية. هذه التظاهرات، اتسعت، وتطورت مطالبها؛ من توفير الخدمات وفرص العمل وتحسين المستوى المعاشي، إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، مرورا بتغيير وجوه العملية السياسية، إلى تعديل الدستور؛ وانتخابات مبكرة، ومحاسبة قتلة المتظاهرين.
ونتيجة الضغط الذي عمّ الشارع العراقي، وخوفا من تطور الأوضاع والخروج عن السيطرة؛ أجبرت قوى العملية السياسية، حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة، ترافقت معها وعود بمحاسبة قتلة المتظاهرين، وتعديل الدستور، وانتخابات مبكرة. بعد مخاض عسير، تمت موافقة البرلمان والمصادقة على مصطفى الكاظمي، بضغط أمريكي وضوء أخضر إيراني؛ ليشرف على تسيير المرحلة الانتقالية، والتهيئة لإجراء انتخابات مبكرة، وتعديل فقرات من الدستور، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، حسب لائحة المطالب التي ارتفع صوت المتظاهرين بها.
وبالفعل تم اختيار السادس من يونيو 2021 موعدا نهائيا، لإجراء الانتخابات المبكرة، وفي وقت لاحق وعلى ما يظهر بضغط من أقطاب العملية السياسية؛ تم تغيير الموعد الى أكتوبر 2021.. أما تغيير فقرات الدستور، بما يؤدي إلى القضاء على المحاصصة الطائفية، التي رعتها، أو حرصت على عدم تغييرها؛ قوى سياسية معروفة (الحزبان الكردستانيان.. وربما آخرون) فقد تشكلت لجنة من البرلمان لتغيير هذه الفقرات، وبعد اجتماعات تجاوزت الـ24 اجتماعا، لم تتمكن من تغيير ولو مادة واحدة لفقرة واحدة منه. يقول خبراء القانون إن دستور العراق الحالي؛ يعتبر من أكثر دساتير العالم جمودا، ومن الصعوبة تغيير أي فقرة فيه، خاصة الفقرات التي تؤسس للمحاصصة الطائفية والعرقية والإثنية، فقد أُعِد بطريقة محكمة جدا، بحيث لا يمكن ان يتم تغير اي فقرة فيه، إلا بالتوافق، والتوافق في هذه الحالة، وبصورة كاملة، لا يحصل أبدا؛ لأنه ببساطة ضد المصالح الجيوسياسية، الآنية والمستقبلية، للقوى السياسية الكردستانية وغيرها. وفي هذا السياق، لابد أن نشير إلى أن عملية تغيير فقرات بذاتها من الدستور العراقي، لم تكن وليدة اليوم، بل إنه في عام 2005، جرى تشكيل لجنة؛ لإعادة أو تغيير بعض هذه الفقرات، لكن اللجنة فشلت، وظل الوضع على ما هو عليه. تغيير أي فقرة من فقرات الدستور، لا يمكن أن يمرر تحت قبة البرلمان، أو حتى باستفتاء شعبي، إذا رفضته ثلاث محافظات، لها حق النقض، والمقصود الحصري، المحافظات الكردستانية في شمال العراق. إن الانتخابات المبكرة سواء تم اجراؤها هذا العام، أو في العام المقبل وهو عام انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، نعتقد أن ما سينتج عنها، لن يغير تغييرا جديا وحاسما، (والمقصود بذلك إعادة الهيكلة) أما تقليص مساحة المحاصصة، وليس إلغاءها، فهذا أمر وارد، إن جرت الانتخابات بنزاهة. في المشهد السياسي العراقي، لن تختفي الطائفية السياسية التي انتجت، ولاتزال تنتج المحاصصة، في قواعد اللعبة السياسية؛ إلا بتغيير هذه الفقرات، التي تُلِزم عند تشكيل الحكومة ومهما كان، ما ستحصل عليه الكتلة أو التحالف أو الحزب من مقاعد في البرلمان، أي الاغلبية البسيطة، النصف زاد واحد، الذي يفتح لها الطريق لتشكيل الحكومة منفردة، إلا بتمثيل جميع ما اصطلح على تسميته (المكونات). وهنا تصطدم بترشيح رئيس الجمهورية من قبل البرلمان، الذي يحتاج إلى ثلثي أعضاء البرلمان. في هذه الحالة تبدأ المساومات؛ إضافة إلى أن تمثيل (المكونات) تفرضه فرضا فقرات معينة في الدستور.
في السنوات الأخيرة وحتى أثناء انتفاضة تشرين والى الآن، جرى الحديث، عن تحويل النظام في العراق من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، أو إلى نظام شبه رئاسي، أي نظام هجين؛ الرئيس ينتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب، بينما رئيس الوزراء من قبل البرلمان المنتخب أصلا من قبل الشعب؛ لكن هذه الطروحات قوبلت بالرفض، حتى قبل ان يتم طرحها بصورة رسمية، فقط كانت الإشارة لها؛ كاختيار ناجع ينهي الطائفية السياسية، وبالنتيجة القضاء على المحاصصة التي ترسخت وتجذرت، من خلال العمليات القيصرية في تشكيل الحكومات السابقة. كانت الحجة في الرفض؛ أنها تؤسس لنظام ديكتاتوري، أو بصورة أوضح إلى ديكتاتورية الطائفة، وهي حجة واهية جدا، ولا تمت بصلة للواقع، للأسباب التالية: – إن الترشح لمنصب الرئيس لن يخضع، أو لن يكون حكرا على طائفة بعينها، أو عرق بذاته، بل سيكون الترشح متاحا للجميع وللشعب الاختيار- بتراكم الممارسة؛ ستنتج كسيرورة ثقافة ديمقراطية، تصنع الموقف والرأي وحسن الاختيار – البرلمان في الحالتين، في النظامين الرئاسي والهجين؛ سيتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب، ليكون لهم دور في الرقابة والتشريع وما يتصل بهما، كما أن رئيس الوزراء في النظام الهجين، له صلاحيات تنفيذية محدودة، يحدد حركتها وسقوفها هذا النظام الهجين. عليه فإن هذه الحجة لا رصيد واقعي لها، بل إنها حجة، الغاية منها هو بقاء الوضع على ما هو عليه، أي بقاء الامتيازات والمحاصصة والمغانم، مع التنازل عن بعضها بقدر وحجم مقبولين لأطراف (العملية السياسية)، ولا يأتي على جذور الفساد.

يقول خبراء القانون إن دستور العراق الحالي؛ يعتبر من أكثر دساتير العالم جمودا، ومن الصعوبة تغيير أي فقرة فيه

نعود إلى الانتخابات المبكرة، التي في قناعتنا؛ لن تغير من واقع (العملية السياسية) أي شيء، ربما بعض التنازلات والتلميعات التي لا تغير البنية والهيكلية الاساسيتين، مع إن هذه التنازلات إن حدثت، مهمة للبناء عليها مستقبلا، كأساس ولو بعد حين؛ للتغيير الجذري. إذا نظرنا للمشهد السياسي؛ وإلى قواعد اللعبة السياسية بمرجعيتيها؛ الإقليمية والدولية، في الساحة العراقية؛ نلاحظ أن القوى والأحزاب والكتل السياسية هي نفسها، وإن حاولت تغيير مسمياتها، أو تأسيس أحزاب وحركات وكتل؛ جميعها تم توليدها، لأن ولادتها كانت ولم تزل بإرادة سياسية مقصودة؛ من رحم عين الأحزاب والكتل والتحالفات. أما الحديث عن كتل وأحزاب وحركات خارج العملية السياسية، فهذا حديث يخالف الواقع الموضوعي بدرجة كبيرة جدا، إن لم نقل؛ لا وجود له في الواقع، الذي يصنع التغيير أو الإصلاح، أو كما يسميه البعض؛ البيريسترويكا وهو وصف أقل ما يقال عنه؛ إقحامي، لناحية عدم الوجود الواقعي له على الأرض. الكاظمي يمسك عصا السلطة من الوسط، بمعنى أنه يحاول إرضاء الجميع، سواء عراقيا أو إقليميا أو دوليا. هذه السياسة وسط هذا الكم الهائل من التحديات المصيرية في فضاءات إقليمية ودولية مشحونة بالمتغيرات والتحولات، التي، ربما تكون دراماتيكية، فهناك الملف النووي الإيراني، الذي شكّل معضلة للإدارة الامريكية الحالية، التي تحاول الخروج بحلول وسط مع الجانب الإيراني، بكل تأكيد سوف يتم الاتفاق في نهاية المطاف، وتعود أمريكا للاتفاق، لكن هل تتخلى أمريكا عن بقية الشروط، منها؛ أن تتوقف إيران عن التحرك الحيوي، في المنطقة العربية؛ العراق واليمن وسوريا ولبنان، لأهمية هذه الدول، كمجال حيوي جغرافي؛ سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا؛ للاستراتيجية الكونية الأمريكية في المنطقة العربية والعالم معا، إلى ملف الصواريخ، بتركيز أقل إلى درجة كبيرة، وهل تقبل إيران بفرض هذه الشروط عليها. الإيرانيون ومن غير جدل أذكياء في إدارة فن الأزمات والصراعات، وهناك سوابق كثيرة في التعامل الإيراني المرن والبراغماتي مع الجانب الأمريكي، حين يشتد الصراع بينهما، أي يصل إلى حافة الهاوية؛ لذا، سوف تقبل إيران كما أمريكا، بالحل الوسط، حتى هذا احتمال وارد جدا، بدون الإعلان عنه أي يجري تحت الطاولة، وبحدود لا تشكل تأثيرا فعالا لخطط إيران المستقبلية، بإيجاد منطقة مشتركة تلتقي عندها مصالح الطرفين، الإيراني والأمريكي. ما يؤكد ما ذهبنا إليه؛ هو زيارة المندوبة الأممية في العراق لإيران لبحث ملف الانتخابات المبكرة في العراق. هذا يعني وفي جوهر ما يعني؛ أن إيران فاعل كلي التأثير والفاعلية في شؤون العراق، وفي صناعة الموقف، وأمريكا أيضا، ومن الباب الآخر والأهم؛ لها قناعة في الدور الإيراني في العراق. وفي سياق ذي صلة؛ هناك أمران مهمان، يقتضي من المتابع للصراع الإيراني الامريكي، استحضارهما عند قراءة مشهد اللعبة في الملعب؛ إيران تراهن على الزمن بانتظار ان تتغير البيئة السياسية في المنطقة وفي العالم، لجهة حدوث اختراقات كبرى وعميقة في التوازنات الدولية، بفعل تحركات القوى العظمى في الساحة الإقليمية والدولية؛ بإقامة كتل ومحاور، متوازية ومتقابلة ومتنافسة.. لذا، تحاول الإبقاء على أمد الاتفاق النووي، وتعارض وبقوة عملية تمديده. أمريكا من جهتها تراهن أيضا على الزمن في إحداث تغيير سياسي في إيران؛ يغير مداخيل ومخرجات الصراع في المنطقة العربية، وما هو في جوارها، لذا، تسعى إلى تمديد أمد الاتفاق النووي. إن ملف العراق، والانتخابات المبكرة فيه، من ناحية، إجرائها ووقتها وما سوف تأتي به.. سوف يكون حاضرا في المفاوضات الإيرانية، والأمريكية والترويكا الأوروبية؛ بتخليق منطقة مشتركة، ومتفق عليها؛ تحفظ مصالح جميع الأطراف، في هذا الوضع يبرز دور العراقيين في إثبات وجودهم، بتقليص مساحة المحاصصة، قدر ما يسمح به الظرف الواقعي الذي فرضه هذا الدستور الجامد الذي يتحرك على قائمتين خشبيتين؛ سواء في حوارات غرف الأبواب المغلقة، أو في طبيعة الانتخابات المبكرة أو في وقت إجرائها او في نزاهتها أو في القوى التي سوف تشارك في الانتخابات، وتحديدا القوى التي تقف بالضد، نصا وروحا، فكرة وقولا وعملا، من المحاصصة، ولو أنها لا تتعدى ربع أصابع اليدين؛ بفحص برنامجها، ووسائل وأدوات تنفيذه الموضوعية والواقعية، عند التصويت لها في صناديق الاقتراع؛ لإحداث تغييرا ولو قليلا يمكن البناء عليه مستقبلا.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات