الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل تُذكّرنا صفقة الصين وإيران بصفقة أمريكا والسعودية؟ مثنى عبد الله
تغيير حجم الخط     

هل تُذكّرنا صفقة الصين وإيران بصفقة أمريكا والسعودية؟ مثنى عبد الله

مشاركة » الثلاثاء إبريل 06, 2021 1:43 pm

5.jpg
 
في 14 فبراير/شباط عام 1945 صعد الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الطراد «يو أس أس كوينسي» لتوقيع اتفاق بموجبه توفر الولايات المتحدة الحماية الكاملة للنظام السياسي السعودي، مقابل ضمان السعودية إمدادات النفط لها. كانت مدة الاتفاق 60 عاما، ثم تم تمديده للمدة نفسها عام 2005. التغير الأبرز الذي حصل على الأرض نتيجة هذه الاتفاقية، هو أن الولايات المتحدة حلت محل بريطانيا العظمى في منطقة الخليج العربي، بعد سيادة هذه الأخيرة عليه لعقود من الزمن. فهل يتكرر الحدث مرة أخرى وتستطيع الصين الحلول محل الولايات المتحدة في هذه المنطقة بعد الاتفاقية مع إيران؟ أم أن المساكنة بين القوتين يمكن أن تكون هي الحل في منطقة الخليج العربي؟
في الأسبوع الماضي تم التوقيع على الاتفاقية الصينية الإيرانية، التي تبين أن خطوطها العريضة، هي استثمارات صينية بمبلغ 400 مليار دولار في البنى التحتية والطاقة والتعاون العسكري البري والجوي والبحري، والاستخبارات والحرب الإلكترونية، ومجالات علمية واقتصادية وثقافية، وغيرها على مدى 25 عاما. ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها إيران اتفاقية مع دولة عظمى، حيث وقعت اتفاقية مع روسيا في المجال النووي في عام 2001 لمدة 10 سنوات تم تمديدها لاحقا، لكن الأخيرة هي الأطول زمنيا، كما أن المجالات التي شملتها أوسع بكثير من الاتفاقية مع روسيا.
وبتسليط حزمة من الضوء على بنود الاتفاقية، يتبين بشكل واضح أن الصين قد ضمنت وجودا عسكريا وتجاريا غير مسبوق في الجزر والموانئ الإيرانية كافة، التي تطل على الخليج العربي، وكذلك مضيق هرمز وعبادان وبندر عباس وشهبهار. وقد أثار هذا التمدد الصيني، الذي أعطته الاتفاقية له، لغطا كبيرا في الأوساط السياسية المحلية والدولية، حتى رأى البعض أنه تخل عن السيادة الإيرانية، حصل بسبب الضغط الامريكي، وضغط الحاجات الاقتصادية الداخلية. في حين هلل النظام لها وعدّها اختراقا كبيرا في جدار العقوبات الأمريكية، كما زعم أنها نجاح سياسي إيراني كبير، في دفع الآخرين لتشكيل محور يجرف الهيمنة الأمريكية على العالم. وهنا يمكن فهم الموقف الإيراني المنتشي بهذا الاتفاق، من جانب المناكفة مع الآخرين، لكن هل من آفاق حقيقية لتحقيق ما ورد من بنود؟
أولا، إن كل الحقول الواردة في الاتفاقية، التي ستستثمر فيها الصين هي فعلا موجودة فيها منذ زمن، ولو قارنا حجم الاستثمار الصيني في إيران، واستثماراتها في دول أخرى في المنطقة نجده أقل بكثير. فقد استثمرت في السعودية من عام 2010 إلى 2020 حوالي 30 مليار دولار، وفي الإمارات للفترة نفسها 29 مليار دولار، في حين كانت استثمارتها في إيران بحدود 18 مليار دولار، خلال الأعوام المذكورة نفسها. لذلك قد تكون الاتفاقية رافعة لحجم الاستثمار، وليس حالة مميزة عن الآخرين، أو انفجارية، كما تروج لها طهران. ثانيا، أفق العلاقات بين الطرفين غير مفتوح ومحدداته، أن الصين تعرف جيدا أن العقوبات الأمريكية يمكن أن تطالها، وتعرقل عملها في إيران. كما أنها ستأخذ بنظر الاعتبار علاقاتها مع المنظومة العربية، ولن تجازف بإثارة امتعاض دول عربية في حالة صراع مع طهران، لذلك كان تصريح المتحدث باسم الخارجية الصينية، مشددا على أن الاتفاقية لا تهدف إلى مواجهة أحد في المنطقة. مضيفا أنها ستكون مماثلة لتلك الموقعة مع السعودية والإمارات والعراق. أما على الجانب الإيراني فإن صانع القرار لن يستطيع الانفتاح على الصين بصورة كبيرة، لانه يعرف أن الأخيرة لديها علاقات جيدة مع دول المنطقة، في حين أن سياساته عدائية فيها.

ما يميز الاستراتيجية الصينية في منطقة الشرق الأوسط أنها ترفع من قيمة التعاون الاقتصادي على حساب المواقف السياسية

ما يميز الاستراتيجية الصينية في منطقة الشرق الأوسط ،أنها ترفع من قيمة التعاون الاقتصادي على حساب المواقف السياسية. كما تحافظ على معادلة متوازنة في المنطقة بعيدا عن الانحياز إلى طرف دون آخر، خوفا من الانخراط في صراعات محلية تفقد فيها الامتيازات الاقتصادية، لذلك لن تكون الاتفاقية الأخيرة مع طهران بديلا عن علاقاتها مع السعودية، أو الإمارات أو إسرائيل. فالعلاقة بينها وبين طهران هي التي تتحكم فيها، من خلال منظور إقليمي يأنف من دعم طهران في صراعاتها الإقليمية، ومنظور دولي تستخدم فيه دعمها لطهران في المنافسة مع الولايات المتحدة، لماذا؟ لأنها تريد جر الولايات المتحدة للمنافسة في مناطق بعيدة عن حدودها ومجالها الحيوي. كما تعرف جيدا أن دعمها لطهران اقتصاديا وسياسيا، سيزيد من رعونة صانع القرار الإيراني، ويدفعه لفعل المزيد من المشاكل للولايات المتحدة. وهذه سياسة صينية منخفضة التكاليف تماما، لكن السؤال الذي لا يمكن الإجابة عليه الآن هو، هل أن السياسة الصينية في هذه المنطقة ستبقى كما هي الآن؟ أم أنها ستتغير في ضوء انغماسها فيها وتشعب مصالحها، خاصة أن الصين أبدت استعدادها لحل قضايا الشرق الأوسط عندما زار وزير خارجيتها المنطقة مؤخرا؟
ومع ذلك فإن التحليل السياسي يقول، إن الاتفاق قد يكون تحولا جيوسياسيا مهما في المستقبل، لأنه يؤسس لوجود صيني فعلي لفترة طويلة. أما إذا دخل العامل الروسي في المعادلة، وإذا ما التحقت تركيا بهذا التحالف مناكفة مع واشنطن، فإن موازين القوى حتما ستتغير في الشرق الأوسط. لكن لا أحد بإمكانه أن يحل محل الولايات المتحدة في المستقبل القريب، لأنها مازالت القوة الأكبر في العالم وهذه المنطقة نقطة عالية الأهمية في استراتيجيتها. قد تشكل الاتفاقية تحديا لبايدن، وعامل قوة لطهران في المفاوضات حول الاتفاق النووي، لكنها لن تكون جواز مرور صيني يمنحه الصينيون لإيران لتطوير أسلحة نووية، وزعزعة الأمن في الشرق الأوسط، لأنهم يراهنون عليها اقتصاديا، ولهم فيها مصالح كبيرة. ستسعد بكين كثيرا إذا غيرت الاتفاقية قواعد اللعبة، وأصبحت عامل ضغط قوي على واشنطن في المفاوضات مع إيران. حينها ستثبت لدول ضعيفة كثيرة بأنه يمكن الاعتماد عليها، وأنها لاعب دولي كبير وقادر على حل مشاكل دولية كثيرة. وسيكون ذلك نجاحا دبلوماسيا كبيرا لها، وتعزيزا لقوتها الناعمة. ما يؤخذ على الاتفاقية الصينية الإيرانية هو حالة التكتم والغموض في بعض بنودها. قيل إن الاستثمار يصل إلى مبلغ 400 مليار دولار، لكن ذلك لم يظهر في الوثائق الرسمية، وعندما سأُل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية عن قيمة الاستثمار رفض الإجابة، كذلك تسربت معلومات تشير إلى ضمان إيراني لتسليم الصين نفطا رخيص الثمن لمدة 25 عاما. بعض التقارير شككت في إمكانية التنفيذ، خاصة أن هناك ثلاثة مشاريع كبرى وقعتها الصين مع شركة النفط الإيرانية، تم الغاؤها بسبب التأخير في التنفيذ، حسب ادعاءات الجانب الإيراني.
كل هذه العناوين دفعت آخرين للقول إنها صفقة مناكفة مربحة صينية إيرانية ضد قوى كبرى في سياق التطورات الدولية. كما أن بكين تريد الاستثمار في القلق الذي أحدثته الإدارة الأمريكية الحالية في علاقاتها مع بعض الحلفاء في المنطقة، بعد الضغط عليهم في مجالات حقوق الإنسان، فتقدم نفسها كبديل يستطيع توفير الحماية في مجلس الأمن بحق النقض.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron