الوثيقة | مشاهدة الموضوع - إذا عادت أمريكا إلى الاتفاق النووي كيف سيكون اصطفاف القوى في المشرق العربي؟ عصام نعمان
تغيير حجم الخط     

إذا عادت أمريكا إلى الاتفاق النووي كيف سيكون اصطفاف القوى في المشرق العربي؟ عصام نعمان

مشاركة » الأحد إبريل 11, 2021 10:58 pm

مؤشراتٌ عدّة أعقبت مؤتمر فيينا الأخير ورجحّت، على ما يبدو، عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. عودتها قد تستولد كلَ أو معظم التدابير الآتية:
رفعُ، بمعنى إلغاء، العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على إيران من جانب الولايات المتحدة وبعض حلفائها، والبالغ عددها نحو 1500.
الإفراجُ عن أرصدة إيران المالية المحتجزة لدى الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتحالفة معها.
عودةُ التبادل التجاري بين إيران ومعظم دول العالم.
رفعُ الحظر عن بيع الأسلحة إلى إيران أو استيرادها منها.
استمرارُ «إسرائيل» في اعتداءاتها العسكرية على لبنان وسوريا بدعوى الحؤول دون إقامة قواعد لإيران فيهما، ومنع حلفائها (تنظيمات المقاومة) من التمركز فيهما لشنّ عمليات ثأرية ضدها.
من الطبيعي أن يتحسّب حلفاء الولايات المتحدة في دول المشرق العربي لتداعيات عودتها على جميع المستويات. حلفاء إيران، ولاسيما تنظيمات المقاومة، سيتحسّبون بدورهم لتلك التداعيات. هذا التحسّب المزدوج لدى الطرفين المتقابلين سيؤدي، على الأرجح، إلى تشكيل اصطفاف إقليمي جديد للقوى في المنطقة. ما معالمه الرئيسة المحتملة؟
من الواضح أن مصر هي أول المتحسّبين، وبالتالي المسارعين إلى مواجهة محور المقاومة المكوّن من إيران وسوريا وتنظيمات المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين المحتلة. فقد بادرت إلى إيفاد وزير خارجيتها سامح شكري إلى لبنان، لشد أزر الحلفاء المحليين للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. مثلها، وللغاية نفسها، فعلت جامعة الدول العربية، بإيفادها نائب أمينها العام عباس زكي. هكذا بات رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، متأكداً بأن معظم دول وادي النيل والخليج تؤازره وحلفاءه في سياسته، خصوصاً في مسألة تشكيل حكومةٍ جديدة يُستبعد منها حزب الله. إلى ذلك، تسعى القاهرة إلى بناء تحالف متماسك على مستوى الإقليم لمواجهة محور المقاومة. التحالف المرتجى مكوّن من مصر والسودان حاليّاً، بالإضافة إلى الاردن والعراق لاحقاً. معلّقون سياسيون ووسائل إعلام في الكيان الصهيوني أشاروا إلى دعمٍ من بعض دول الخليج لمصر في مسعاها هذا. في هذا السياق، يمكن تفسير الغاية من إيفاد القاهرة وزير خارجيتها إلى لبنان، كما مغزى قيام حكومة مصطفى الكاظمي، المنهمكة بتعزيز العلاقات العراقية – السعودية، بتأجيل اجتماع وزاري على مستوى عالٍ بين لبنان والعراق كان سينعقد في 17 نيسان/إبريل الجاري لتوقيع اتفاق للتعاون النفطي والصحي بين البلدين. ما ردُّ أطراف محور المقاومة على مساعي المحور المقابل وحلفائه؟
من الواضح أن تنظيمات المقاومة في العراق، ولا سيما «كتائب حزب الله» و»عصائب أهل الحق» تركّز نشاطها في الوقت الحاضر على ضرب أرتال القوات الأمريكية المتحركة، لحمل واشنطن على تسريع انسحابها من بلاد الرافدين، تنفيذاً لقرار البرلمان العراقي. غنيّ عن البيان أن تنظيمات المقاومة تلك تتلقى دعماً ملحوظاً من إيران، والأرجح أن يستمر هذا الدعم حتى بعد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. في لبنان، تُفاضل القوى السياسية المتحالفة مع محور المقاومة بين خيارين:

يُخشى، إذا استمر المشهد اللبناني على حاله، أن تعمّ البلاد فوضى شاملة ويتحوّل لبنان إلى جمهورية كونفدرالية لا حول لها ولا طول

المثابرة في دعم المساعي الهادفة إلى تأليف حكومة متوازنة برئاسة سعد الحريري، لمواجهة الأزمة المعيشية الخانقة، وتفعيل التحقيق الجنائي في كارثة تفجير مرفأ بيروت، والأموال العامة المنهوبة، وترسيخ الأمن والاستقرار. هذه المساعي لا تلقى تجاوباً مقنعاً نتيجةَ السخط الشعبي العام على المنظومة الحاكمة.
مواجهة الهجوم الصهيوأمريكي المتواصل على أطراف محور المقاومة وحلفائه باللجوء إلى هجوم سياسي مضاد، قوامه اعتماد الأكثرية، التي يملكها تحالف التيار الوطني الحر (عون) وتحالف حركة أمل (بري) وحزب الله (حسن نصرالله) وحركة المردة (فرنجية) وأحزاب البعث والقومي الاجتماعي والاتحاد (عبد الرحيم مراد) التي تحتل مجتمعة لا أقل من 65 مقعداً في البرلمان، ما يمكّنها من تأليف حكومة وطنية متوازنة برئاسة سعد الحريري، أو غيره، تتولى مواجهة التحديات والاستحقاقات المشار إليها آنفاً (في الخيار الأول) وتبادر إلى اعتماد سياسة التوجّه شرقاً، بمعنى التعاون سياسياً واقتصادياً مع سوريا والعراق وإيران وروسيا والصين، والتنسيق عسكرياً مع أطراف محور المقاومة لمواجهة الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً.
في مرحلة المفاضلة البطيئة بين الخيارين المشار إليهما آنفاً، التي تقوم بها القوى السياسية المتحالفة مع أطراف محور المقاومة، سيبقى المشهد اللبناني على حاله مراوحاً في المزيد من الشيء نفسه: الضائقة المعيشية، والفساد المتفاقم في القطاعين العام والخاص، والتجاذب السياسي اللامجدي، والاضطراب الأمني المتنامي. غير انه يُخشى، ما إذا استمر المشهد اللبناني على حاله، أن تعمّ البلاد فوضى شاملة تُفضي إلى قيام كلٍّ من القوى الوازنة المتنفذة بالسيطرة السياسية والأمنية على المناطق التي تحظى فيها بأكثرية أهلية وازنة، بذلك يتحوّل لبنان، لا سمح الله، إلى جمهورية كونفدرالية لا حول لها ولا طول، بل إلى مجرد عبء ثقيل وخطر مصيري يتهددان لبنان واللبنانيين جميعاً بالانهيار والاندثار.
متى يتوقّف اللبنانيون (والعرب) عن ممارسة نزوة الانتحار الدوري المجاني؟
كاتب لبناني
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron