الوثيقة | مشاهدة الموضوع - السد الإثيوبي… إذا كانت الحرب حتمية ما السبيل؟ محمد عبد الحكم دياب
تغيير حجم الخط     

السد الإثيوبي… إذا كانت الحرب حتمية ما السبيل؟ محمد عبد الحكم دياب

مشاركة » السبت إبريل 17, 2021 1:48 am

8.jpg
 
بداية أقدم اعتذاري للقارئ الكريم؛ عن خطأ ورد في نهاية مقال الأسبوع الماضي، عن تحديد مسؤولية «المشير السيسي» في ورطة مياه النيل، وتجاهل سحب توقيعه من «اتفاق المبادئ» الذي اتكأت عليه إثيوبيا، فتجاوزت كل الاتفاقيات السابقة، وبنت سدا دون مراعاة الالتزامات والترتيبات الضرورية، والخطأ كان كالتالي: «والتكفير عن ذلك ديمقراطيا لا يكون بتوجيه الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة» والصحيح «والتكفير عن ذلك ديمقراطيا لا يكون إلا بتوجيه الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة» وسقوط «إلا» غير المعنى إلى العكس تماما، لذا لزم التنويه!!.
وما زلت على قناعة بأن «المشير» وراء هذه الورطة، وعليه تحمَّل مسؤوليتها، ومن جهتي قرأت نص «اتفاق المبادئ» مجددا؛ موقع من رؤساء مصر والسودان، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ولم أجد فيه ما يشير لشيء محدد أو دقيق وقانوني وسياسي أو تاريخي، مع العلم بأن الاهتمام بحوض النيل زاد منذ عصر محمد علي، وجاءت اتفاقية 1959؛ مكملة لاتفاقية 1929، وأُبرِمت بعد استقلال السودان، ونصت على توزيع حصص المياه المُقَدَّرة بـ84 مليار متر مكعب بين السودان ومصر؛ نصيب السودان 18 مليارا و500 مليون متر مكعب، ونصيب مصر 55 مليارا و500 مليون متر مكعب.
ولم يشر «اتفاق المبادئ» إلى الاتفاقيات السابقة المُنظِّمة لاستخدام مياه الأنهار العابرة للحدود، وكل ما جاء في «الاتفاق» مجرد عبارات عامة ومطاطة، فنص المبدأ الأول على: «التعاون على أساس التفاهم المشترك، المنفعة المشتركة، حسن النوايا، المكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولي» دون تقنين أو إلتزام بنصوص سابقة؛ أو أخرى جديدة، وتجاهل ما أبْرَمَت الدول صاحبة الولاية على حوض النيل؛ وكانت تنص على حقوق دولتي المصب؛ السودان ومصر، وأهم هذه الدول كانت بريطانيا وإيطاليا، ولم يتناول «الاتفاق» أي اقتراح أو تعديل أو إضافة أو حذف، يقتضيه الأمر!!.
ونعود إلى الوراء قليلا، حين عُقِد مؤتمر مصر الاقتصادي في شرم الشيخ؛ فيما بين 13 إلى 15 مارس 2015، وكان «المشير» سعيدا باتفاقات استثمارية؛ بلغت حصيلتها مئة مليار دولار؛ أكبرها عَقْد بـ45 مليار دولار مع دولة الإمارات لبناء «العاصمة الجديدة» بخلاف صفقات غاز وكهرباء ونقل وحبوب وغلال ومراكز لوجيستية، وكان بين الحضور رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق «هايلي ماريام ديسالين»؛ يحمل معه ملف السد الإثيوبي وكانت أديس أبابا قد قطعت شوطا في بنائه، وسعى «ديسالين» لطمأنة مصر في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية، وقال: «إما أن نسبح معاً أو نغرق ونموت سوياً.. وأننا اخترنا السباحة معاً. الضرر في مصر هو ضرر في إثيوبيا، والرفاهية في مصر رفاهية لإثيوبيا» وهذه روح اختفت تماما بعد توقيع «اتفاق المبادئ» عقب إنتهاء المؤتمر الاقتصادي بنحو أسبوع!!.
وكان وزير الخارجية السوداني الأسبق علي كرتي قد أعلن في المؤتمر أن السيسي وديسالين والبشير يستعدون للتوقيع في 23 من نفس الشهر في الخرطوم على «اتفاق» توصل إليه وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث بشأن السد، وتسربت معلومات عن الطرف الذي ضغط للتوقيع على «اتفاق» معد سلفا، وأشارت إلى «كريستين لا غارد» رئيسة صندوق النقد الدولي السابقة، وطلبت الإسراع بالتوقيع. وبدت وكأنها تقتنص لحظة وأتت القوى الصهيوغربية للإضرار بمصالح مصر في مياه النيل، وإحياء محاولآت سبقت في القرن الخامس عشر (1497) ووقوف ملك الحبشة مع مشروع للبرتغال؛ يستهدف تحويل النيل الأزرق، وإلقاء مياهه في البحر الأحمر، وفشلت المحاولة؛ لكنها استؤنفت مع حرب المماليك والبرتغاليين للسيطرة على طريق التجارة إلى الهند (عام 1513) وفشلت كذلك.
وجاءت محاولة فرنسا، واتفاق لويس الرابع عشر مع ملك الحبشة (1705)؛ لتحويل مجرى النيل الأزرق إلى البحر الأحمر، وفشل بإرسال والي مصر فرقة من المماليك اعترضت طريق المبعوث الفرنسي وقتلته، وتجددت المحاولة عام 1856؛ بنشوب خلاف حبشي مصري، وكرر إمبراطور الحبشة تيودور بمحاولة تحويل مجرى النيل الأزرق إلى البحر الأحمر كذلك، وفشل، وتكرر ذلك في فترة الاحتلال البريطاني لمصر (1935) وفشل هذه المرة بسبب التضاريس الصعبة، ونتيجة إجهاض دور إيطاليا في منع مياه النيل الأزرق عن مصر.

النيل الأزرق مجرى دولي؛ ينبع من الهضبة الإثيوبية، ويمتد لدول المصب. وهو ما لا تريد إثيوبيا الاعتراف به، وتعمل على فرض خيار الموت على الملايين

والقاسم المشترك في كل تلك المحاولات هو إلتخلص من مياه النيل الأزرق، وإلقائها في البحر الأحمر بدلا من وصولها لمصر، وقتها كان عدد المصريين نحو 15 مليون نسمة، وكان المحرك دوما طرفا خارجيا، واختلف الوضع بعد زرع الدولة الصهيونية، وتوظيفها في فصل المشرق العربي عن مصر والمغرب العربي، فهل ما فشل في السابق ينجح الآن؟ سؤال جوهري؛ متعلق بالوجود المصري ذاته، والأخطر هذه المرة هو تواطؤ ذوي القربى، سواء كان مقصودا أو غير مقصود، وراهنت كريستين لا جارد على «المشير» وكان عند حُسْن ظنها؛ منفذا ما طُلِب منه، وإن كان ذلك «عن غير وعي فتلك مصيبة، وإذا كان بوعي فالمصيبة أعظم»!!.
وجاءت المحاولات الأمريكية، وتبنيها فكرة معاقبة مصر؛ على ما قامت به في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ووضعت خططا لإثيوبيا لبناء سدود تحرم مصر من المياه، وكان يتصدى لها عبد الناصر، وتمكن من احتواء الامبراطور «هيلا سيلاسي» واختار أديس أبابا، مقرا لمنظمة الوحدة الإفريقية، ودعاه لافتتاح الكاتدرائية المرقسية الجديدة بالقاهر
وعرابو الحركة الصهيونية جاهزون؛ يمنحون المناصرين والأتباع جوائز ذات صيت وبريق؛ كجائزة «نوبل» وتمنح لساسة وحكام وشخصيات عامة، وحصل عليها أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا مقابل الدور الذي يلعبه ضد السودان ومصر، وقبله حصل على نصفها مناحيم بيغن، الذي فور وصوله لفلسطين عام 1942، أختير في العام التالي (194) رئيسا لمنظمة أرغون الصهيونية المسلحة، فنكلت بالفلسطينيين ورَوَّعتهم ولاحقتهم. وحصل أنور السادات على نصف الجائزة الآخر، مكافأة له على زيارة القدس المحتلة، ومعاهدة «كامب ديفيد» وما تلاها من «اتفاقات سلام»!! وأضحت وصمة لسلب الحقوق، ورخصة للعدوان، وتصريح بالحروب وتقسيم الأوطان.
وتفوق «المشير» على السادات ومبارك في مجالي التطبيع والصهينة، وكانا حسب الوصف الصهيوني من الكنوز الاستراتيجية للحركة الصهيونية، وتفسير ذلك واضح في عدم سحب توقيعه من «اتفاق المبادئ»؛ رغم استمرار المراوغات لعشر سنوات واستمر معها النفخ في «قربة» المفاوضات المقطوعه، ولم تكن إثيوبيا بحاجة للكهرباء لإنارة البلاد رغم فقرها في ذلك المجال، وكل ما سعت إليه هو إحياء مخططات فشلت في السابق، والاستيلاء على روافد وأنهار وبحيرات في أراضيها، وإثيوبيا ترفض الاعتراف بأي حقوق؛ استقرت من قرون، وتعمل على حبس نهر يجري حرا، وعلى منع جريانه نحو الشمال؛ حيث السودان ومصر.
والنيل الأزرق مجرى دولي؛ ينبع من الهضبة الإثيوبية، ويمتد لدول المصب. وهو ما لا تريد إثيوبيا الاعتراف به، وتعمل على فرض خيار الموت على الملايين، وحرمانهم من حق الحياة، وإثيوبيا ليست مضطرة لذلك، ففوائض المياه لديها ضخمة، وتزيد عن حاجتها عدة مرات، وأضعاف حصص السودان ومصر، ومياه إثيوبيا لا تنضب، لكثرة روافدها وأنهارها وبحيراتها، ومياهها الجوفية المتجددة وأمطارها الغزيرة.
وفي ندوة موجهة للدارسين المصريين في الخارج شارك فيها وزير الري والموارد المائية المصري؛ ذكر أن حجم «المياه الخضراء» ويعني مياه الأمطار؛ يصل إلى أكثر من 935 مليار متر مكعب سنويا، و94٪ من أراضي إثيوبيا خضراء، ونسبة الاراضي الخضراء في مصر في حدود 6 ٪ وبدأ يتكشف للرأي العام المصري ما وراء التعنت الإثيوبي؛ من أهداف غير معلنة، وهي شن حرب من نوع مختلف؛ سلاحها المياه، وهي أخطر من أسلحة الدمار الشامل!!.
وبدأ أغلب المصريين يتهيأون لحرب طويلة؛ كشيء شبه مؤكد، وذلك وضع «المشير» في حرج لم يكن في حسبانه، وذكرني بموقف السادات نهاية عام 1971 وبداية عام 1972، وخروج المظاهرات المطالبة بالحرب، ولولا ذلك ما دخل السادات الحرب، وكان قد أعلن مبادرته بتأجيلها، وتأجلت بالفعل لمدة سنتين، واتخذ قرار الحرب تحت الضغط الشعبي، لكنه حولها من حرب «تحرير» لحرب «تحريك» مكنته من مفاوضة الصهاينة، وهو ما ندفع ثمنه للآن؛ رغم الانتصار العسكري العظيم!!.
ويبدو «المشير» غير مؤهل لحرب، ولم يخض حربا قط، ويفضل التنازل والتراجع عن خوض المعارك، أو التلويح بها على سبيل الضغط، وهذه نقطة ضعف كبرى؛ تزيد من الفجوة بينه وبين الشعب، ولو أصبحت الحرب خيارا لا بديل عنه. فلا يعلم أحد ما هو السبيل

كاتب من مصر
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron