الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بيئة العراق: تسارع نحو الكارثة : متابعات
تغيير حجم الخط     

بيئة العراق: تسارع نحو الكارثة : متابعات

مشاركة » الأحد فبراير 04, 2024 9:40 am

قلق ومخاوف جدية بدأت تنتاب العراقيين، وهم يتابعون التدهور الخطير في البيئة والتداعيات والأضرار الفادحة التي أخذت تفتك بالإنسان والحيوان والنبات في العراق، وسط إهمال الحكومة وعجزها عن اتخاذ الإجراءات المتناسبة مع حجم الكارثة التي حلت على البلد وأهله، على الرغم من التحذيرات المحلية والدولية.

وقبل اشهر، تحذير أطلقه وزير الموارد المائية العراقي، عوني ذياب، يقول إن «الوزارة بعد شهر أيار/مايو ستكون أمام تحديات كبيرة، تتمثل بارتفاع درجات الحرارة وما ينتج عنها من تبخير للمياه، بالإضافة إلى حاجة المواطنين للاستهلاك» محذراً من أن «هذا العام سيكون صعباً، وهناك تحديات أهمها كيفية توزيع هذه الكمية القليلة من المياه بشكل عادل». وذكر الوزير أن وزارته اتخذت إجراءات لمواجهة الأزمة تضمنت إزالة التجاوزات على أحواض الأنهر والبحيرات غير المجازة.

فيما حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» مؤخرا من أن منطقة الأهوار في جنوبي العراق تشهد أشدّ موجة حرارة منذ 40 عاما.

وتناسقا مع هذا السياق تشهد المدن العراقية تنظيم العديد من التظاهرات والاعتصامات وقطع الطرق للتعبير عن الغضب لقطع مياه الشرب عن العديد من المدن واضطرار الكثير من سكانها إلى شراء مياه الشرب من الأسواق.

نفوق الأسماك

وفي ظاهرة مقلقة بدأت تتكرر في العراق، شهدت بعض الأنهار نفوق الآلاف من الأسماك وتغطيتها لسطح المياه في بعض مدن جنوبي العراق من دون معرفة الأسباب. وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمياه الأنهار في محافظات ميسان والديوانية الجنوبية، وهي مغطاة بآلاف الأسماك النافقة الطافية على سطح الأنهار، ما دفع السلطات العراقية للإعلان عن فتح التحقيق لتحديد أسباب نفوق مئات الأطنان من الأسماك في الأنهار جنوبي البلاد.

ومن جهتها، أعلنت مديرية بيئة الديوانية جنوب العراق، القيام بإجراءات سريعة للوقوف على سبب نفوق كميات كبيرة من الأسماك في مياه المصب العام. موضحة أنها ترجّح أن تكون الأسباب عائدة إلى عوامل طبيعية كزيادة نسب الأملاح بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض مستوى مياه الأنهار، ما عرّض الأحياء المائية إلى الخطر لاسيما إصبعيات الأسماك.

أما مدير شعبة الأهوار والتراث العالمي في مديرية بيئة ميسان خضر عباس سلمان، فقد كشف أنه «تبيّن من خلال الاختبارات الحقلية التي أجريناها أن نسبة الأوكسجين تساوي صفر في المياه بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة».

وشهد العراق عام 2018 حادثة مماثلة وقعت في محافظة بابل عندما تفاجأ مربّو الأسماك بنفوق آلاف من أسماك «الكارب» بدون أن تحدد السلطات السبب وراء ذلك.

تحذيرات من عواقب الجفاف

وفي تحليل لكارثة تلوث البيئة رأى رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، أن أزمة المناخ في العالم بشكل عام وفي العراق بشكل خاص تهدد البشرية جمعاء.

وقال الغراوي في بيان، إن «ظاهرة الاحتباس الحراري بدأت تظهر في العراق بشكل واضح مع ارتفاع معدلات الغازات الدفيئة بسبب حرق الغاز المصاحب لحقول النفط وعدم الالتزام بالمحددات البيئية في تقليل الانبعاثات من المصانع وارتفاع معدلات التلوث البيئي».

وأضاف أن «التغييرات البيئية أثرت على موارد المياه وأدت إلى جفاف العديد من مناطق الأهوار وهلاك آلاف الدونمات المزروعة بأنواع المحاصيل إضافة إلى هلاك الثروة الحيوانية والسمكية واضطرار مئات الأُسر إلى النزوح، كما ان التغييرات المناخية وأزمة الجفاف في العراق أدت إلى تفاقم مشكلة السكن والصحة والتعليم والتنمية في هذه المناطق بل بات حق الحياة مهددا وخصوصا بالنسبة للأطفال». وحذر الغراوي من ان «تفاقم مشكلة المياه وارتفاع معدلات الجفاف والتصحر وارتفاع معدلات درجات الحرارة ومؤشرات الاحتباس الحراري في العراق قد تسبب صراعات على هذه الموارد».

ودعا الحكومة إلى «إصدار وثيقة التضامن المناخي والمساهمة في تقليل الانبعاثات بكافة أنواعها التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري في العراق» كما دعا الحكومة إلى تعويض المواطنين الذين تضرروا من جراء التغيرات المناخية وأزمة المياه والجفاف في العراق، مع تكثيف الجهد الدبلوماسي لإيجاد حلول مع دول المصب والدول المتشاطئة مع العراق لحل مشكلة المياه ودعوة الأمم المتحدة إلى صياغة اتفاقية جديدة بإشرافها تضم العراق وإيران وتركيا لحل كافة مشاكل المياه العالقة. وفي ايار/مايو الماضي قال متحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية إن العراق لا يحصل سوى على 30 في المئة من «استحقاقه الطبيعي» من مياه الأنهار (دجلة والفرات) بسبب السدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسبّبت بنقص ملحوظ في مناسيب المياه في أنهار العراق، إضافة إلى قلّة هطول الأمطار في السنوات الأخيرة وارتفاع درجات الحرارة، ما جعل الأمم المتّحدة تصنف العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي في العالم، فيما فشلت كل محاولات حكومة بغداد، في الحصول على إطلاقات مائية أكبر من الأنهار التي تنبع من إيران وتركيا.

نداءات أممية لإنقاذ العراق

ولم تقتصر التحذيرات من تداعيات الجفاف في العراق على الجهات المحلية بل رافقها إطلاق تحذيرات أممية.

فقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» مؤخرا من العواقب الخطرة لتغير المناخ وندرة المياه على الأهوار ومربي الجاموس في جنوب العراق، مؤكدة أن «التقارير الميدانية المقلقة لفرقها العاملة في الأهوار إلى جانب وزارة الزراعة العراقية، تشير إلى أن الأهوار تشهد أشد موجة حرارة منذ 40 عاماً، مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات».

ونشرت «الفاو» أرقاما مخيفة عن أوضاع المياه حيث ذكرت أن «منسوب المياه في نهر الفرات بلغ 56 سم فقط، وفي أهوار الجبايش بلغ من صفر إلى 30 سم». وأضافت المنظمة في بيانها أن «مستويات الملوحة العالية والتي تجاوزت 6000 جزء في المليون أدت إلى إثارة مخاوف المزارعين، وخاصة عند مربي الجاموس وصيادي الأسماك» مشيرةً إلى أن «ما يقارب 70 في المئة من الأهوار خالية من المياه».

وكانت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، أشارت في آخر إحاطة لمجلس الأمن الدولي عن أوضاع العراق أن «المياه تمثل أهم أزمة مناخية في العراق».

وأضافت «بحلول عام 2035 تشير التقديرات إلى أن العراق سيكون لديه القدرة على تلبية 15في المئة فقط من احتياجاته من المياه» مؤكدة أن نسبة التلوث في أنهار العراق تبلغ 90 في المئة، كما «يعاني 7 ملايين شخص حاليا من انخفاض إمكانية الحصول على المياه». كما حثت بلاسخارت، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها.

وفي نهاية عام 2021 سجّلت المنظمة الدولية للهجرة نزوح ما يقرب من 20 ألف شخص بسبب ندرة المياه وارتفاع الملوحة وتدني جودة المياه في جميع أنحاء العراق. وتُشير المنظمة إلى أن سكان الأهوار الذين اعتادوا التنقل دائماً داخل الأراضي الرطبة، ينظرون إلى نزوحهم الحالي على أنه قسري ودائم، حيث لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الأراضي الرطبة للحفاظ على سبل العيش.

وما عمق المشكلة أن تراجع تدفقات المياه العذبة ضمن الأهوار، تسبب في تسلل مياه الخليج المالحة إلى عمق الأراضي الرطبة بمسافة تصل إلى نحو 190 كيلومتراً. ونتيجة ذلك أصبح 24 ألف هكتار من الأراضي غير صالح للزراعة، كما ماتت أكثر من 30 ألف شجرة. ومع قلّة المياه العذبة، ارتفعت تراكيز الملوّثات من المنصرفات الزراعية ومخلّفات النفط والغاز ومياه الصرف الصحي.

ويؤكد الخبراء ان القطاع الحيواني ليس وحده المتضرر بالجفاف، بل البشر والنباتات في العراق مهددون أيضا. وما زاد في الطين بلة، أن نقص المياه، ترافق مع عدم سيطرة السلطات على استمرار تلويث الأنهار بالفضلات البشرية والصناعية، مثل التلوث النفطي الناجم عن آبار النفط الذي يتسرب إلى المياه، ما أدى إلى وصول مياه سامة ملوثة بالمعادن الثقيلة إلى النباتات والحيوانات والبشر، الذين يشربون تلك المياه.

ويؤكد تزايد المؤشرات على انهيار البيئة العراقية أن أزمة الجفاف ونقص المياه وتلوثها في العراق أصبحت حقيقة واقعة وصلت إلى مرحلة الكارثة التي بدأت عواقبها في البروز بشكل واضح في المجتمع، مقابل سكوت الحكومة وفشل إجراءاتها ومجاملاتها لدول الجوار وعجزها عن المطالبة بحقوق العراق في الأنهار المشتركة، ما يعزز القناعة بان مستقبل البلد لا يبشر بالخير بالتأكيد.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات