الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الاتحاد الأوروبي يسعى إلى جعل بلدان جنوبية شرطة لحدوده في وجه المهاجرين ويشدد الخناق على الموجودين منهم على أراضيه
تغيير حجم الخط     

الاتحاد الأوروبي يسعى إلى جعل بلدان جنوبية شرطة لحدوده في وجه المهاجرين ويشدد الخناق على الموجودين منهم على أراضيه

مشاركة » الأحد فبراير 11, 2024 5:55 am

7.jpg
 
باريس ـ «القدس العربي»: خلال الزيارة التي قام بها إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط يوم الخميس المُنصرم، كلٌ من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، ورئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ومدير وكالة مراقبة الحدود الأوروبية فرونتكس، وهانز لايتينز، وقع الاتحاد الأوروبي وموريتانيا اتفاقاً من شأنه أن يسهم رسميا في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، لكن مراقبين يرون أن هذا الاتفاق يخفي شيئاً آخر وهو سعي التكتل الأوروبي إلى اتفاق يقضي بمنع المهاجرين من العبور إلى أوروبا مقابل حصول نواكشوط على أموال أوروبية، وهو ما يذكر بالاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي قبل أشهر مع تونس بخصوص الموضوع نفسه، فيما يبدو أنها سياسة جديدة للتكتل الأوروبي لكبح وصول المهاجرين غير النظاميين إلى الأراضي الأوروبية، وذلك بعد نجاح الاتفاق الذي تم إبرامه مع تركيا قبل نحو سبع سنوات في هذه المهمة. غير أن سياسات الهجرة الأوروبية في السنوات الأخيرة تواجه بانتقادات كبيرة من قبل المنظمات الحقوقية.

بعد تركيا… تونس وموريتانيا

تعدّ موريتانيا واحدة من أكثر دول الساحل استقرارا في هذه المنطقة التي تعاني من الهجمات الجهادية، وقد وقعت بالفعل اتفاقية ثنائية مع إسبانيا عام قبل حوالي ثلاثة عشر عاماً لإعادة المهاجرين غير النظاميين/القانونيين/الشرعيين إلى بلدانهم. وهي تستضيف في الوقت الراهن 150 ألف لاجئ فروا من انعدام الأمن السائد في دولة مالي المجاورة. وأصبحت موريتانيا بلد عبور للوصول إلى أوروبا بزيادة في مغادرة المهاجرين من سواحلها إلى إسبانيا، حيث قفز عدد المهاجرين الذين يدخلون إسبانيا بشكل غير نظامي عن طريق البحر بنسبة 300 في المئة تقريبا في شهر كانون الثاني/يناير، ووصلت الغالبية العظمى منهم إلى جزر الكناري. ويقول مسؤولون إسبان إن حوالي ثلاثة وثمانين في المئة من الزوارق التي نجحت في الوصول إلى الجزر أبحرت من موريتانيا. وأتى ذلك بعد رقم قياسي العام الماضي لعدد من حاولوا الوصول إلى أوروبا عبر الأرخبيل الإسباني الواقع قبالة الساحل الأفريقي. بموجب الاتفاق الموقع مع الاتحاد الأوروبي، خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الحكومة الإسبانية ومدير وكالة مراقبة الحدود الأوروبية (فرونتكس) ستحصل الحكومة الموريتانية على حوالي مئتي مليون يورو لتدبير الهجرة. لكن مراقبين ومهتمين بموضوع الهجرة والمهاجرين يتساءلون عن كيف ستكون هذه التدابير؟ فقد أوضح كاميل لوكوز، المدير المساعد في مركز أبحاث معهد سياسات الهجرة، لإذاعة «وَسْتْ فرانس» الفرنسية، أن «السؤال الذي يطرح نفسه هو العواقب بالنسبة للمهاجرين غير الموريتانيين: هل سيتم إعادتهم إلى بلدانهم أم هل سيتمكنون من البقاء هناك إذا تم اعتراض القوارب التي تقلهم؟».
فعلى غرار ما حصل مع النيجر، يقول مراقبون ومنظمات تنشط في المجال إن الاتحاد الأوروبي سيطلب من السلطات الموريتانية تفكيك شبكات المهربين المحلية. وهي مهمة مدنية تم إطلاقها في عام ألفين واثني عشر لمساعدة السلطات النيجيرية على تعزيز قدراتها الأمنية. فالنيجر تواجه تهديدات أمنية مثل الإرهاب وتهريب المخدرات وتهريب الأسلحة والإتجار بالبشر، خاصة في منطقة أغاديز الشمالية. كما أنها تشكل منطقة عبور مهمة للهجرة غير النظامية إلى المنطقة. ووسع الاتحاد الأوروبي عام ألفين وستة عشر من مساعداته للسلطات النيجرية لتشمل تطوير السياسات والتقنيات والإجراءات لتحسين مراقبة ومكافحة الهجرة غير النظامية ومكافحة أشكال الجريمة المرتبطة بها. ويأتي هذا التكيف في أعقاب إنشاء وجود دائم في منطقة أغاديز الصحراوية وسط البلاد. وتم تمديد ولاية البعثة آخر مرة في أيلول/سبتمبر عام ألفين واثنين وعشرين، وستستمر حتى يوم الثلاثين من أيلول/سبتمبر من العام الجاري.
قبل موريتانيا، كان الاتحاد الأوروبي قد وقع في تونس في شهر تموز/يوليو الماضي، وبحضور رئيسي الحكومتين الإيطالية والهولندية، جورجيا ميلوني ومارك روته، اتفاقية «شراكة استراتيجية» مع الحكومة التونسية، وهو المصطلح نفسه المطبق مع موريتانيا. فرسميا تهدف هذه الاتفاقية لتطوير الاقتصاد المحلي، لكنها تخفي وراءها أهدافا أخرى تتعلق باستخدام تونس كدركي لأوروبا فيما يتعلق بالهجرة. وقد قوبل هذا الاتفاق بانتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية وتلك الناشطة في مجال الدفاع عن المهاجرين، بما في ذلك منظمة العفو الدولية التي قالت إن اتفاقية الهجرة «تجعل الاتحاد الأوروبي متواطئا» في الانتهاكات ضد طالبي اللجوء والمهاجرين واللاجئين. وأوضحت المنظمة أنه تم التفاوض على الاتفاق بدون إسهام المجتمع الدولي وفي ظل غياب ضمانات حاسمة بشأن حقوق الإنسان. وفي ضوء ذلك، نفذ الأمن التونسي حملة واسعة النطاق، لاسيما في مدينة صفاقس، ضد مهربي البشر بهدف وقف تدفق موجات الهجرة القادمة من دول أفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا عبر البوابة الإيطالية. لكن الرئيس التونسي قيس سعيد رفض بعد ذلك مبلغ 127 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، لأن الأوروبيين لم يجلبوا في الواقع سوى نصف هذه الأموال، والجزء الآخر كان عبارة عن إعادة تخصيص الاعتمادات المخطط لها بالفعل. لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين كررت في أيلول/سبتمبر الماضي خلال خطابها السنوي أمام البرلمان الأوروبي أنها تعمل «على اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى». وقد وقعت إيطاليا اتفاقا مثيراً للجدل، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر مع ألبانيا للاستعانة بمصادر خارجية لرعاية المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية.

السياسة القمعية المتزايدة
ضد المهاجرين

يبدو أن الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع الحكومة التركية عام ألفين وستة عشر فتح الطريق أمام توقيع الأوروبيين لاتفاقيات مع جيرانهم الجنوبيين على غرار تونس وموريتانيا، وذلك بالتوازي مع السياسة القمعية المتزايدة ضد المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الأوروبية. فالأوروبيون أدركوا، على ما يبدو، منذ عام 2015 وأزمة الهجرة غير المسبوقة، استحالة إغلاق الحدود بشكل كامل أمام المهاجرين واللاجئين، لاسيما وأن بعض قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا يريدون إنفاق الأموال لمساعدة الدول الأوروبية على خط المواجهة في الجنوب أو إنشاء شرطة حدود أوروبية فعليًا وكذلك السماح باستقبال المهاجرين على كامل الأراضي الأوروبية. ويقضي الاتفاق الذي تفاوضت عليه المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بشكل مباشر، بمنع المهاجرين من المغادرة مقابل المال واعادة أولئك غير المؤهلين، مقابل حصول أنقرة على 6 مليارات يورو. وفي عام 2021 حصل الأتراك على تمديد بقيمة 3 مليارات يورو. وإذا كانت هذه الاتفاقية قد حدت إلى حد كبير من عدد اللاجئين الذين يصلون بشكل غير قانوني إلى أوروبا من جنوب شرق أوروبا، فقد تطورت طرق هجرة أخرى، ولا سيما إلى إيطاليا وإسبانيا عبر السواحل التونسية والليبية والمغربية والموريتانية، وسجلت فرونتكس 380 ألف عبور حدودي غير نظامي في عام 2023 وهو أعلى رقم منذ عام 2016.
وكان أعضاء البرلمان الأوروبي وممثلو الدول الــ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد توصلوا في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى اتفاق، وصفوه بـ«التاريخي» بشأن إصلاح نظام الهجرة الأوروبي، عقب عدة سنوات من المناقشات. يعد ميثاق اللجوء والهجرة، الذي قدمته المفوضية الأوروبية في أيلول/سبتمبر عام 2020 محاولة جديدة لإصلاح القواعد الأوروبية، بعد فشل الاقتراح السابق في عام 2016 في أعقاب أزمة اللاجئين. وينص بشكل خاص على تعزيز الرقابة على المهاجرين الوافدين إلى البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإغلاق المراكز القريبة من الحدود لإعادة أولئك الذين لا يحق لهم اللجوء بشكل أسرع، وآلية تضامن إلزامية بين الدول الأعضاء لصالح الدول الواقعة تحت ضغط الهجرة. ويحتفظ الإصلاح بالقاعدة المعمول بها حاليًا والتي بموجبها تكون الدولة الأولى التي يدخلها طالب اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن ملفه، مع بعض التعديلات. ولكن مع مساعدة دول البحر الأبيض المتوسط، حيث يصل العديد من المنفيين، يتم تنظيم نظام تضامن إلزامي في حالة ضغط الهجرة. كما سيتعين، بموجب الإصلاح، على الدول الأعضاء الأخرى المساهمة من خلال رعاية طالبي اللجوء (إعادة التوطين) أو من خلال تقديم الدعم المالي. وينص الإصلاح أيضًا على «تصفية» المهاجرين عند وصولهم و«إجراءات حدودية» لأولئك الذين هم الأقل احتمالًا إحصائيًا للحصول على اللجوء، والذين سيتم احتجازهم في مراكز حتى تتم إعادتهم بسرعة أكبر إلى وطنهم الأصل أو بلد العبور.
وسيظل الاتفاق السياسي بحاجة إلى موافقة رسمية من المجلس (الدول الأعضاء) والبرلمان الأوروبي. والهدف هو الاعتماد النهائي لجميع النصوص قبل الانتخابات الأوروبية في حزيران/يونيو المقبل، في حين تحتكر مسألة الهجرة الجدل السياسي في العديد من الدول الأوروبية، على خلفية صعود اليمين المتطرف والشعبويين. وقد لاقى هذا الإصلاح الشائك لنظام الهجرة الأوروبي تنديداً واسعاً من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث كتبت حوالي خمسين منظمة غير حكومية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وأوكسفام وكاريتاس ومنظمة إنقاذ الطفولة، رسالة مفتوحة إلى المفاوضين لتنبيههم إلى خطر رؤية اتفاق الهجرة هذا يؤدي إلى «نظام سيئ التصميم ومكلف وقاس».

طرد مهاجرين في فرنسا تحت يافطة قانون الهجرة الجديد

ومن قبيل الصدفة، أن هذا «الاختراق» الأوروبي تزامن مع إقرار قانون الهجرة المثير للجدل في فرنسا، والذي تسبب في أزمة في معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب دعمه من اليمين المتطرف. وبعد شهر من إقراره في الـ 19 كانون الأول/ديسمبر، رفض المجلس الدستوري الفرنسي، أعلى سلطة قضائية في البلاد، غالبية التدابير التي أثارت انتقادات واحتجاجات كبيرة، ولا سيما تقليص حصول الأجانب من غير الأوروبيين على إعانات وتحديد حصص هجرة سنوية وتشديد شروط لم شمل العائلات. ويثير هذا القانون أيضاً انتقادات واسعة في البلاد التي شهدت مظاهرات عديدة ومتفرقة لمعارضي القانون، الذي يُشكّل، بحسبهم، انتصاراً أيديولوجياً لـ«اليمين المتطرف». واعتبر مدافعون عن حقوق الإنسان أن هذا القانون يمثل «انحرافا نحو اليمين المتطرف، سياسيا، وفي الجوهر نحو الأفضلية الوطنية، وهذا لا يتوافق مع المبادئ الأساسية والدستورية في فرنسا». وسارع محافظ منطقة «آلب ماريتيم» جنوب فرنسا إلى إصدار مجموعة قرارات تتعلق بإلزامية مغادرة الأراضي الفرنسية ضد بعض الأشخاص الذين كانوا يتمتعون قبل التصويت على قانون الهجرة بنوع من الحماية المطلقة. من بين هؤلاء الذين صدر بحقهم قرار الزامية مغادرة التراب الوطني الفرنسي، مغربي قام بتعنيف ابنه وشخص آخر من الرأس الأخضر وتونسيان خرجا للتو من السجن بعد أن مارسا العنف الجسدي على زوجتيهما. كما صدر القرار نفسه بحق شخص يحمل الجنسية البوسنية، صدرت ضده عدة أحكام قضائية من قبل بسبب مخالفاته المرورية الناتجة عن السرعة المفرطة في السير، ويبدو أنه يعاني من اضطرابات نفسية.
هؤلاء وغيرهم كانوا من المستفيدين من القانون القديم وتمكنوا من البقاء في فرنسا رغم تجاوزاتهم. واعتبر محافظ المنطقة
أن قانون الهجرة الجديد يعد بمثابة «ثورة» ستسمح بالتصرف لإصدار الزامات بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF)بطريقة جيدة وصحيحة ضد الأشخاص الذين كانوا يسببون قلقا أو تهديدا ولا يمكن المساس بهم وترحيلهم قبل صدور القانون. ويبدو، حسب وسائل إعلام فرنسية، أن هناك فجوة بين ما يحدث في باريس بعد الرقابة الجزئية التي وضعها المجلس الدستوري على نص القانون وبين ما يعيشه محافظو الأقاليم الفرنسية الذين كانوا في انتظار مثل هذه القرارات والوسائل التي تسهل عمليات الترحيل. ومن بين العراقيل التي تواجه الحكومة الفرنسية مسألة التصاريح القنصلية التي تعد ضرورية لترحيل أي أجنبي على التراب الوطني الفرنسي، من قبل قنصليات بلدان كالجزائر والصين ومالي، وهي الدول التي لا تمنح هذه التصاريح إلا نادرا رغم أنها من الدول المصدرة للمهاجرين غير النظاميين.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير