لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته ماريا أبي حبيب وهويدا سعد، قالتا فيه إن حزب الله يوازن مخاطر رد فعل اللبنانيين في حالة اندلاع حرب مع إسرائيل لو انتقم لقائده العسكري. وقد تعهد الحزب بعملية انتقامية على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، لكن لو أدى الانتقام لحرب شاملة مع إسرائيل، فربما يخسر الدعم في الداخل اللبناني.
وقالت الصحيفة إن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، تعهد بعد يوم على مقتل شكر بالانتقام. وبعد مضي أسبوعين لم يأت الرد، في وقت يحاول الحزب إيجاد توازن دقيق بين الانتقام الذي يريده ومخاطر الرد العنيف في الداخل.
ويعيش لبنان منذ سنوات وسط اضطرابات سياسية واقتصادية، وتعب سكانه من النزاعات الداخلية، فمنذ الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما ما بين 1975- 1990، انزلقت البلاد من أزمة إلى أخرى.
ولو انتهى إلى حزب الله في حرب جديدة مع إسرائيل تضرب البنى التحتية وتعاقب السكان، فإن هؤلاء قد يرتدون ضده. ويتشكل النظام في لبنان من مجموعة فصائل وطوائف، وتديره حكومة تصريف أعمال ضعيفة. ويعتبر حزب الله، الذي تدعمه إيران، جزءا من التحالف الحكومي، وهو أيضا القوة الحقيقية في لبنان.
ويُعرف حزب الله، باعتباره القوة السياسية والعسكرية في لبنان أنه سيخسر كثيرا من الحرب، ولهذا يتحرك بحذر. فعلى مدى 3 عقود، أقام الحزب قوته السياسية وراكم ترسانة من الأسلحة والقدرات العسكرية التي تتفوق على قدرة الجيش الوطني اللبناني. ويسيطر الحزب أو يشرف على البنى التحتية المهمة في لبنان. وعزز من وضع المناطق الشيعية وقوّاها وأثراها ووفّر لها الخدمات. ويستفيد معظم شيعة لبنان من الخدمات الوفيرة التي يديرها الحزب، بما فيها العناية الصحية والتعليم المجاني وبرامج الكشافة للأولاد.
وبالمقارنة، يكافح لبنان المحطم لتقديم الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء لكل المواطنين. ولا يوجد حزب لديه التمويل والتنظيم لتوفير الخدمات لطائفته مثل حزب الله.
وعلى الحزب الموازنة بين ولائه لإيران والقضية الفلسطينية، والتسامح إن لم يكن الدعم للشعب اللبناني. فلو أساء التقدير وقام بعملية انتقامية، فسترد إسرائيل التي تعهدت بتدمير لبنان مرة أخرى.
ونقلت الصحيفة عن ألان عون، النائب عن التيار الوطني الحر في البرلمان اللبناني، قوله إن “حزب الله عالق” و”يجب عليهم الانتقام لاغتيال قائدهم، لكن طعم حرب 2006 لا يزال في أفواههم، ويعرفون أن الشعب اللبناني لا يستطيع تحمل ذلك”، في إشارة للحرب التي خاضها الحزب في ذلك العام وأدت لتدمير مناطق واسعة في جنوب لبنان.
وكان الرد الإسرائيلي القاسي في حينه مدعاة لدعم الفصائل اللبنانية لموقف الحزب. ولكن المخاطر اليوم هي تحميل اللبنانيين الحزبَ مسؤولية دمار جديد وليس الوقوف خلفه.
وضاعفت الولايات المتحدة والوسطاء العرب من جهودهم للتفاوض على وقف لإطلاق النار في غزة كوسيلة لتهدئة التوترات. والخوف هو أن أي تطور في المرحلة المقبلة قد يكبر مثل كرة الجليد إلى حرب شديدة ومستعصية وواسعة بالمنطقة.
وتقول أمل سعد، المحاضرة بجامعة كارديف والمختصة بحزب الله، إن “الحزب يجب أن يرد بطريقة قوية يوسع فيها خطوط إسرائيل الحمر، لكن بدون تجاوز العتبة التي تقود إلى حرب شاملة”. وأي هجوم يُقتل فيه مدنيون إسرائيليون قد يؤدي إلى رد فعل كارثي على لبنان. وقد ألمح الحزب إلى أن لديه قدرات يستطيع من خلالها اختراق المناطق الحساسة في إسرائيل، مثل القواعد العسكرية.
والحزب بالمقارنة مع حماس، لديه قدرات عسكرية ضخمة من الصواريخ والمسيرات. وبعد مقتل شكر، ألقى نصر الله خطابا اتسم بلهجة هادئة. وقال إن الهدف لهذه المعركة ليس محو إسرائيل، ولكن “الهدف هو منع إسرائيل من الانتصار ومحو المقاومة الفلسطينية”.
وأكد أن حزبه قد ينتقم بطريقة مستقلة عن إيران، مؤكدا قدرة جماعته على التصرف بطريقة مستقلة عن راعيته. وقال إن جعل إسرائيل في حالة انتظار للرد الانتقامي هو جزء من الحرب النفسية. ويبدو التردد أو الموازنة في حجم المخاطر نابع من تجربة 2006، فقد قال نصر الله إنه لم يكن ليأمر باختطاف جنديين إسرائيليين لو كان يعرف أن هذا سيقود إلى حرب.
وبعد الحرب، ساهمت دول الخليج بإعادة إعمار لبنان، لكن حربا جديدا قد لا تدفعها للمساهمة في الإعمار مجددا.
ويواجه لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة، فقد انهار اقتصاده عام 2019، وفقدت عملته نسبة 95% من قيمتها، مما قضى على توفير الكثير من اللبنانيين. وأدت الأزمة لانهيار سياسي وتعيين حكومة تصريف أعمال منذ 2020 مفلسة ماليا وغير قادرة على تقديم أبسط الخدمات للبلد. ولهذه الأسباب، فلا شهية لدى الكثير من اللبنانيين لحرب جديدة.