يبدو أن الهدنة وضغوط الحكومة والخشية من الرد القاتل دفع فصائل “المقاومة” العراقية، إلى البحث عن يد أخرى في صراعها مع الوجود الأمريكي، ففي الهجوم الأخير الذي استهدف قاعدة عين الأسد، ساعد مسلحون من عشيرة الجغايفة ذات النفوذ الأكبر في قضاء حديثة، الفصائل في تنفيذ القصف على أكبر قاعدة أمريكية في العراق.
وأكد مراقبون للشأن السياسي أن البحث عن التعيينات والنفوذ والحماية من مذكرات القبض هي أبرز الضمانات التي تقدمها الفصائل للعشائر السنية في الأنبار لقاء مشاركتهم في حربها ضد القوات الأمريكية، فيما حذروا من مغبة جر المحافظة التي بدأت تتعافى إلى الصراع مرة أخرى مع هذه القوات.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي خالد الفهداوي، خلال حديث إن “الفصائل المسلحة تسعى من خلال سلسلة أحداث سابقة توريط عشائر الأنبار، والمحافظة بشكل عام بالصراع مع الولايات المتحدة”.
ويضيف الفهداوي أن “الفصائل تدرك أن عددا من شيوخ العشائر والمتنفذين في مدن الأنبار يمكن أن يسيل لعابهم على التعيينات والسلاح والنفوذ والوجاهة والمال، وبالتالي فإن الشيخ الذي سيكون مدعوما من الفصائل سيكون مدعوما من إيران، لهذا، وجدنا عددا من شيوخ العشائر يدعمون ويساندون الفصائل ويسهلون عملية نقل الأسلحة وتحركات الفصائل في الأنبار، ووجودهم في صحراء المحافظة، وعلى الشريط الحدودي مع سوريا”.
ويتابع أن “بعض شيوخ العشائر أدركوا مدى قوة إيران ونفوذها داخل العراق، الذي يفوق نفوذ الولايات المتحدة، فمن ترضى عليه، يحظى بالدعم والحماية، وهذا ما حصل لعدد من السياسيين والشيوخ الذين دعمتهم إيران”.
ولكل تلك الأسباب، يرى الفهداوي أن “بعض العشائر ذهبت باتجاه دعم الفصائل، طمعا بالحصول على النفوذ، والحماية الشخصية من الملاحقة القضائية، خاصة وأن عددا من الشيوخ والسياسيين والضباط في الأنبار، الذين يتعاونون مع الفصائل عليهم شكاوى وملفات وقد يتعرضون للملاحقة في أي وقت”، لافتا إلى أن “هناك أمثلة عديدة لمذكرات قبض بحق شخصيات، لكنها لم تنفذ بسبب علاقتهم بالفصائل، وتحديدا مع كتائب حزب الله”.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة، الخميس الماضي، إلقاء القبض على خمسة من المتورطين بالاعتداء على قاعدة عين الأسد الجوية، وذلك بعدما أصيب سبعة أميركيين بقصف صاروخي استهدف، الاثنين الماضي قاعدة “عين الأسد” غربي العراق، في هجوم نسبه البنتاغون إلى قوات موالية لإيران ويأتي على وقع تزايد المخاوف من تصعيد إقليمي.
وكانت قيادة العمليات أفادت قبل ذلك بالتوصل الى معلومات وصفتها بـ”المهمة” بشأن هوية منفذي الهجوم على قاعدة “عين الأسد”.
من جهته يحذر عضو مجلس شيوخ عشائر غرب الأنبار ثامر الدليمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، من “محاولة جر المحافظة إلى الصراع العسكري مع الولايات المتحدة، فالأنبار تعرضت للظلم والدمار، وهي للتو بدأت تتعافى من ألم السنوات الماضية، ولا يمكنها الاشتراك بأي صراع أو معركة أو قتال، ويجب على شيوخها توحيد الكلمة في رفض أي جهة تحاول جر المحافظة لساحة الصراع”.
ويضيف الدليمي، أن “القوات الأميركية الموجودة في قاعدة عين الأسد هي قوة استشارية موجودة وفقاً لاتفاقية مبرمة بين الحكومة العراقية والحكومة الأميركية، ويمكن إخراجها من خلال التفاوض الدبلوماسي، وليس من خلال التصعيد العسكري الذي لا يخدم العراق، ولا الأنبار”.
ويتابع أن “حماية الشروط الحدودي بين العراق من جهة وبين سوريا أو الأردن من جهة أخرى، يجب أن يكون من اختصاص القوات الأمنية الاتحادية، من الجيش وشرطة الحدود، وعدم أي خروج أي قوة خارج العراق، إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة، في إشارة لتنقلات الفصائل بين العراق وسوريا”.
ومنذ شباط فبراير الماضي، توقفت عمليات الفصائل المسلحة ضد القوات الأمريكية، ضمن هدنة أعلنتها بعض الفصائل، ثم كسرت هذه الهدنة مع تصاعد احتدام الصراع اللبناني الإسرائيلي، إذ تعرضت مواقع عدة للحشد الشعبي في جرف الصخر بمحافظة بابل، إلى قصف أمريكي، نهاية الشهر الماضي، وهو هجوم قابله الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد.
وكانت وزارة الخارجية أعلنت يوم الخميس الماضي، عن تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بسبب “تطورات”، لم تحددها، لكن مستشار رئيس الوزراء، ضياء الناصري أكد أن الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد وما سبقه من استهداف لفصائل الحشد الشعبي في جرف الصخر هو الذي أدى إلى تأجيل إعلان انتهاء مهمة قوات التحالف، مؤكدا أن المفاوضات مع التحالف لإنهاء مهمته تأجلت لتقييم الوضع ولحين معرفة الجهات التي استهدفت قاعدة عين الأسد.
إلى ذلك، يذكر الباحث السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ “العالم الجديد” أن “الفصائل ومن خلال الحادثة الأخيرة، وبعد قصف عين الأسد، كانت تسعى لتوريط عشائر الأنبار بالصراع مع القوات الأميركية، والتعرف على هوية الأشخاص الذين تسببوا بالهجوم على القاعدة، وهم من عناصر الحشد العشائري في الأنبار، فضح مخططات الفصائل المسلحة”.
ويلفت حيدر إلى أن “الفصائل أرادت إغراء قادة الحشود العشائرية في الأنبار من خلال وعودهم بالنفوذ والتسليح والمناصب، مقابل الاشتراك مع الفصائل بصراعهم مع الولايات المتحدة، لكن المخطط انكشف بعد القبض على العناصر والتحقيق معهم”، لافتا إلى أن “الحادثة نبهت أهالي الأنبار على مخططات الفصائل، ولن يسمحوا بمحاولة زج محافظتهم بصراع، لا دخل لهم فيه”.