الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هآرتس: كيف ينظر أردوغان إلى تل أبيب بعد تشكيلها “حلف محور الشر”؟
تغيير حجم الخط     

هآرتس: كيف ينظر أردوغان إلى تل أبيب بعد تشكيلها “حلف محور الشر”؟

مشاركة » الجمعة ديسمبر 26, 2025 3:08 pm

6.jpg
 
“لأولئك الذين يتوهمون بإعادة بناء إمبراطورياتهم وفرض سيطرتهم على بلادنا أقول: انسوا هذا الأمر. هذا لن يحدث. وحتى لا تفكروا في ذلك”، هكذا كان هجوم نتنياهو أثناء القمة هذا الأسبوع مع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس متسوتاكس، ورئيس قبرص نيقوس خريستودولس. ولا يحتاج المرء إلى عناء كبير كي يدرك “أي إمبراطورية” يقصد.

تركيا برئيسها أردوغان، تعتبر هدفاً للتحالف الثلاثي القديم – الجديد الذي أعلن عن نية إنشاء قوة رد سريع تستطيع مواجهة التهديدات في حوض البحر المتوسط، وفي منعطف تاريخي انضمت إسبارطة إلى الإمبراطورية اليونانية، ووجهت من هذه الجزيرة اليونانية الصغيرة كامل قوتها ضد الإمبراطورية العثمانية الصاعدة بقيادة السلطان أردوغان. وقد أطلق أردوغان على هذا “المثلث الاستراتيجي” الجديد اسم “محور الشر”، وحرصت صحفه على تصوير هذا التحالف كتهديد لتركيا. ولكن هذا المشهد غير جديد. ففي العام 2019 ظهر في حوض البحر المتوسط كيان مهم يعرف باسم “منتدى غاز شرق المتوسط”، حيث تضافرت جهود ثماني دول لوضع إطار عمل للتعاون في إنتاج وتسويق الغاز بهدف تجاوز تهديد تركيا. وبعد سنة تم توقيع الميثاق المشترك لتأسيسه، وأصبح هذا المنتدى هيئة رسمية ضمت من بين أعضائها المؤسسين إلى جانب إسرائيل مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، وانضمت إليه لاحقاً فرنسا.

حلم هذا المنتدى ذهب بعيداً وازدادت طموحاته بشكل كبير. وقد أشاد وزير الطاقة في حينه يوفال شتاينيتس، في وصفه للمستقبل الذي ينتظر المنتدى، الذي سيشمل مد أنبوب نفط يربط بين ينبع، المدينة السعودية على ساحل البحر الأحمر، وإيلات؛ وخط أنبوب غاز لنقل الغاز من إسرائيل عبر قبرص إلى إيطاليا؛ وبالطبع التعاون الأمني كما تقتضي الحاجة لحماية هذا المشروع الضخم. وقد خصص الاتحاد الأوروبي الذي انضم للولايات المتحدة والبنك الدولي بصفة مراقب في هذا المنتدى أكثر من 80 مليون دولار لدراسة جدوى المشروع الذي كان من المفروض، حسب شتاينيتس، أن ينتهي في غضون ست – سبع سنوات.

على الرغم من اسم المنتدى لكنه لم يضم دولاً متوسطية مثل لبنان وسوريا، وبالطبع تركيا. كانت تلك فترة مضطربة طالبت فيها تركيا بحقوق التنقيب على طول سواحل قبرص، وكادت تنشب بينها وبين اليونان مواجهة عسكرية عنيفة. وكانت سوريا في عهد الأسد عدوة لتركيا منذ 2012 بسبب رفض الأسد الاستجابة لدعوات اردوغان وقف المذابح ضد الشعب السوري.

بعد سنة أصبحت مصر منافسة، بل وعدوة لتركيا. فمنذ العام 2013، السنة التي استولى فيها السيسي على السلطة بعد عزل وسجن الرئيس المنتخب محمد مرسي، المنتمي لحركة الإخوان المسلمين، لم يعترف اردوغان بشرعية نظام السيسي، ووصف الإطاحة بمرسي بأنها “انقلاب عسكري”، وحصلت قيادة حركة الإخوان المسلمين على ملجأ آمن في تركيا، بينما تحطمت طموحات أردوغان في بناء موطئ قدم في مصر، ومنها إلى إفريقيا عبر مرسي. عندها وجدت مصر مبرراً جديداً لتشكيل تحالف اقتصادي مناهض لتركيا. ففي العام الذي تأسس فيه هذا التحالف، وقعت تركيا على اتفاق مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، ما اعتبرته القاهرة تهديداً مباشراً للممر البحري لنقل الغاز السائل من مصر إلى أوروبا.

منذ ذلك الحين، شهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط تحولات كثيرة، وتغيرت ملامحه بشكل جذري. فالمصالح السياسية والاقتصادية الجديدة أدت إلى عودة تركيا إلى حضن مصر، وفي 2023، بعد فترة صعبة، تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وتحالفت السعودية والإمارات، التي كانت تنظر إلى تركيا بأنها “عدوة أخطر من إيران”، كما وصفها سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، وبدأت الدولتان في استثمار مليارات الدولارات في تركيا. وبعد سنة، أطاح أحمد الشرع، أحد المقربين من تركيا، بنظام الأسد واستولى على الحكم، ما جعل تركيا قوة سياسية وعسكرية محركة في سوريا.

في الوقت نفسه، بعد الاستثمارات الضخمة والإدارة الذكية لاستراتيجية سياسية وعسكرية، أصلحت تركيا العضوة في الناتو، دولة عظمى، إقليمياً وعسكرياً. فهي تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف، وهي جزء لا يتجزأ من الفضاء العربي، ونفوذها في القوقاز في ازدياد، ورئيسها صديق شخصي لترامب، مثلما هي الحال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لم يكن أردوغان بحاجة إلى لافتة انتخابية مكتوب عليها “زعيم من نوع مختلف”.

لم يبق الكثير من الحلم السياسي لمنتدى الغاز. فقد تعثرت عملية التطبيع مع السعودية، التي كانت الشرط الأساسي لمد خط أنبوب النفط البري إلى إسرائيل ومنها إلى أوروبا. وربما تشكل اتفاقية الغاز الضخمة مع مصر مصدر دخل مهماً لإسرائيل، ولكن مصر أوضحت بأن الاتفاقية مجرد “صفقة تجارية” ولن تؤثر على موقفها السياسي من إسرائيل. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم تعيين سفير جديد لمصر في تل أبيب حتى الآن، والحال نفسه باعتماد سفير إسرائيل في القاهرة. وفي الوقت الذي تقيم فيه إسرائيل علاقات وثيقة مع اليونان وتعتبرها شريكة في بناء محور مناهض لتركيا في المنطقة، يجدر التنويه إلى أن مصر واليونان وقعتا على اتفاق تعاون استراتيجي في أيار الماضي، وفي الأسبوع الماضي صرح سفير اليونان في القاهرة، نيقولاس بابا جورجيو، علناً بأن “العلاقات بين مصر واليونان تعتبر من الأقوى في الشرق الأوسط”.

ربما بعد إعادة ترميم قوة الرد السريع مع اليونان وقبرص، ستحظى العلاقات بين إسرائيل واليونان بالتعريف نفسه أيضاً، شريطة الاتفاق في البداية على قيادة هذه القوة، وبالتحديد المعايير التي ستحدد العمل العسكري المشترك. وهناك تساؤل آخر حول كيفية تأثير العلاقات بين اليونان وقبرص وبين مصر، وعلاقات مصر مع تركيا على التعاون العسكري مع إسرائيل، في حالة دعت الحاجة إلى تفعيل قوة الرد السريع. وربما يزور أردوغان مصر في بداية السنة القادمة، حيث سيترأس جلسة للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين الدولتين، ستناقش التقدم الذي تم إحرازه في خطة إعادة إعمار غزة والنسيج الإقليمي للعلاقات، إضافة إلى تهديد “التحالف الثلاثي”.



الأمر الأكثر وضوحاً هو أن هذا التحالف الذي يكتسب أهمية خاصة في ظل عزلة إسرائيل الإقليمية والدولية، لن ينتقص من نفوذ تركيا في سوريا، التي تعتبر فيها عاملاً محورياً في العملية السياسية وعملية صنع القرارات السياسية لدى أحمد الشرع. وتنسق تركيا وسوريا وأمريكا عملية دمج الأكراد السوريين في الجيش السوري بهدف استكمال سيطرة الشرع على المحافظات الشمالية في البلاد. في المقابل، ينظر إلى إسرائيل حتى في واشنطن، كعامل يسعى إلى عرقلة هذه العملية وتقويض سيطرة الشرع وحث الدروز على المطالبة بالحكم الذاتي الذي قد يعرقل أي ملامح لدولة سورية موحدة.

ليست هذه العصبة الوحيدة التي تضعها إسرائيل أمام خطة ترامب؛ فتصميمها على عدم السماح لقوة تركيا بالمشاركة في قوة الاستقرار متعددة الجنسيات المزمع إنشاؤها في غزة كغطاء أمني لإعادة تأسيس الإدارة المدنية هناك، يُنظر إليه كعقبة أخرى أمام تجنيد دول عربية وإسلامية أخرى للانضمام لهذه القوة. وفي مؤتمر عقد في أبو ظبي بداية هذا الشهر، صرح المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا توم باراك، بأنه لو كان مستشاراً لنتنياهو لأبلغه بأن الموافقة على مشاركة تركيا خطوة “أذكى شيء يمكن أن يفعله نتنياهو”. وقد تثار هذه “النصيحة” من جديد، هذه المرة على لسان ترامب، عندما سيلتقي نتنياهو الأسبوع القادم، ويحاول إقناعه بالتراجع عن معارضته، أو وضع شروط وتحفظات تسمح بمشاركة تركيا.

في نيسان الماضي، عرض ترامب خدماته وسيطاً بين إسرائيل وتركيا. وقال للمراسلين بعد اللقاء بينه وبين نتنياهو: “أعتقد أن بوسعنا حل أي مشكلة لكم مع تركيا، ما دمتم تتصرفون بمنطقية. ويجب أن تتصرفوا بمنطقية”. وجاءت هذه التصريحات في إشارة إلى الأزمة التي تعصف بالمحادثات المتعلقة بالترتيبات الأمنية في سوريا. وفي المؤتمر نفسه، في أبو ظبي، صاغ باراك رغبة ترامب بشكل أكثر دقة. في مرحلة معينة، ستوجد تركيا وإسرائيل علاقات بينهما، سواء في إطار اتفاقات إبراهيم أو اتفاقات سليمان أو كليهما. هذا أمر منطقي، لكن المنطق ليس شرطاً دائماً لبناء العلاقات بين الدول. وعندما يصور الخطاب السياسي والعام في تركيا وإسرائيل بأنهما دولتان عدوتان، يصعب تصور عودة نتنياهو واردوغان إلى تطبيع العلاقات كما فعلا في 2016 و2022. ولكن ربما يوافق ترامب الذي يتفاخر بإنهاء ثماني حروب على تولي مهمة إدارة جبهة أخرى وفرض منطقه عليها.

تسفي برئيل

هآرتس 26/12/2025
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى الصحافة اليوم