الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الابتزاز العراقي للكويت: حقيقة أم افتراء؟ نظير الكندوري
تغيير حجم الخط     

الابتزاز العراقي للكويت: حقيقة أم افتراء؟ نظير الكندوري

مشاركة » الأربعاء أغسطس 05, 2020 9:15 am

5.jpg
 
غريبٌ هو التوقيت الذي أخرجت فيه صحيفة «القبس» الكويتية تقريرها الذي تحدث عن أدلة تثبت أن العراق قد مارس ابتزازًا سياسيًا على الكويت لغرض الحصول على مساعدات مالية أو استثمارات كويتية داخل العراق. ذلك لأنه لا يتوافق مع التوجهات الخليجية العلنية، بالانفتاح على حكومة الكاظمي، والتي يُنظر إليها على أنها مختلفة عن سابقاتها من الوزارات في توجهاتها نحو إيران أو العرب. حيث يأمل العرب من الكاظمي وحكومته، أن يقوم بخطوات جدية في الابتعاد عن إيران والاقتراب من المنظومة العربية بقيادة السعودية.
هل يا ترى نشر مثل هذا التقرير، يمثل إيذانًا بتغييرٍ في توجهات دول الخليج من حكومة الكاظمي؟ وهل يمثل التقرير، رسالة كويتية وخليجية للعراق، يبدون فيه عدم ارتياحهم من سياسات الكاظمي الأخيرة؟ بالأخص بعد زيارة الكاظمي لطهران.

ماذا جاء في التقرير؟

ملخص ما جاء في تقرير صحيفة «القبس» الكويتية، أنها قد حصلت على «مراسلات ومحاضر رسمية» تُظهر تعرض الكويت لما وصفته بـ «الابتزاز السياسي» من قبل العراق، بغية الحصول على مساعدات مالية أو استثمارات لمساعدة حكومة بغداد في أزمتها الاقتصادية. ونقلت الصحيفة عن مصادر أسمتهم بالرفيعة، أن العراق طلب قبل نحو شهرين المشاركة في المفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية بين الكويت والسعودية وإيران، ما اقتضى أن ترد الكويت على الرسالة العراقية برد حاسم -حسب تعبير الصحيفة- رافضة فيه مشاركة العراق.
ولفتت أن الحكومة العراقية تحاول استغلال الملفات العالقة مع الكويت، منها ترسيم الحدود البحرية وتعميق خور عبدالله، للضغط على الكويت، بغية تحقيق مكاسب اقتصادية.
وتابعت أن العراق يضغط على الكويت بسبب فشل وزير المالية العراقي علي علاوي بالحصول على مساعدات كويتية خلال زيارته الأخيرة للكويت أواخر شهر أيار-مايو الماضي، وكان رد الكويت للعراق، أنها تعهّدت بتقديم ملياري دولار خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق عام 2018 لتمويل مشاريع تنموية، لكن الجانب العراقي لم يحدد تلك المشاريع. واستنتجت الصحيفة، إن محاولات العراق للحصول على مساعدات كويتية، تأتي استغلالًا لضغوط واشنطن على دول الخليج، من أجل مساعدة العراق وسحبه من تأثير النفوذ الإيراني، وإعادته للمنظومة العربية، كمحاولة من واشنطن، لزيادة حصار إيران الاقتصادي.

هل من الممكن أن يُحدث هذا؟

من يراقب السياسة العراقية لفترة ما بعد الاحتلال عام 2003 فأن التهم التي وجهتها الصحيفة للعراق، من الممكن أن تكون صحيحة، ذلك لأن جميع الحكومات التي حكمت العراق خلال فترة الـ17 سنة الماضية، كانت تعاني من انتشار واسع للفساد بين أعضائها، بالإضافة إلى الفساد المنتشر بشكل مخيف في جهاز الدولة العراقية بشكل عام. وسعي حكومات عراقية للحصول على مساعدات مالية واقتصادية، أمر نستطيع أن نفهمه، بسبب عدم قدرة النظام السياسي الحالي في العراق من إصلاح الاقتصاد العراقي وتخليصه من اعتماده على تصدير النفط، ما جعل العراق في فاقة اقتصادية عظمى مع انخفاض أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة.
وجميعًا نعلم القضية التي أثيرت حول بعض السياسيين العراقيين لقبولهم رشاوى من الجانب الكويتي لإعطاء شرعية لميناء مبارك الذي من شأنه تضييق الممرات البحرية المتجهة إلى العراق، وكذلك الوقوف أمام محاولات تخصيص أموال لإنجاز ميناء الفاو الكبير، هذا الحادثة وغيرها من الحوادث، لا تجعل المجتمع الدولي يثق بالمسؤولين العراقيين، حينما يفكرون بتقديم المساعدات للعراق، لأنهم يعرفون أنها لا تذهب إلى الأهداف التي رُصدت لها تلك الأموال، إنما تجد طريقها لجيوب أولئك المسؤولين الفاسدين.
من المستغرب أن يأتي هذا التصرف الكويتي، عبر السماح لصحفه بنشر مثل هذه الأمور، رغم علمهم بالفساد الذي يلف المنظومة السياسية العراقية منذ سنين طويلة، فهل يا ترى، أن هذا التقرير هو محاولة لتبرير تنصلها من عهودها التي قطعتها هي ودول الخليج للولايات المتحدة بمساعدة العراق اقتصاديًا في ظل حكومة الكاظمي؟
هذا الأمر وارد جدًا إذا ما لاحظنا التصرف الكويتي مع العراق طيلة فترة ما بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991 والذي لم تدخر جهدًا في التضييق على النظام السابق، والنظام الحالي بعد 2003. ولم تتساهل في أعفاء أو تخفيض التعويضات التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة لصالح الكويت حتى في أشد حالات العراق فقرًا. فهي ليست لديها رغبة حقيقية لإبداء المساعدة للعراق، وتعتقد أن عراقًا ضعيفًا كما هو عليه الحال اليوم، أكثر أمنًا للكويت. وأكثر ضمانًا أن لا يفكر القادة العراقيون كما فكر صدام حسين من قبل حينما غزا الكويت.
من ناحيتها فإن الكويت لا تريد تقديم مساعدات مجانية دون مقابل، هذا ما كان واضحًا خلال المقترحات التي حملها وزير الخارجية الكويتي، حينما زار بغداد في شهر حزيران/ يونيو من هذه السنة، وتقضي بربط ميناء مبارك الكبير بالقناة العراقية الجافة ليتم القضاء نهائياً على ميناء الفاو مقابل أموال تحصل عليها الحكومة العراقية من مؤتمر المانحين، وهو يعني باختصار بيع ميناء الفاو استغلالا من الكويت لظروف العراق الاقتصادية الصعبة.

مفاوضات الحدود البحرية

إن الرفض الكويتي لمشاركة العراق في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الدول المطلة على الخليج، ناجمة عن عدم رغبتها بالتنازل عن المكاسب التي حصلت عليها بعد أحداث التسعينيات والقرارات الأممية المجحفة التي صدرت بحق العراق لصالحها. لذلك تجدها حريصة على عدم شراكته في هذه المفاوضات حتى لو كانت لضمان حقه بأن تكون له ممرات بحرية كافية عبر الخليج العربي، وتحاول الكويت أن تكون البديل للموانئ العراقية عبر الخليج لتمر تجارته من خلالها، وهذا ما أبدته سابقًا من أنها على استعداد لتلبية الحاجات التجارية العراقية عبر ميناء مبارك ومن ثم ارسالها برًا للعراق.
حتى العروض التي جاءت من السعودية من توسيع المنفذ الحدودي «عرعر» بينها وبين العراق، والعمل على فتح معبر بري جديد مع محافظة المثنى، ليكونا بديلين عن موانئ العراق المطلة على الخليج، وعرضت السعودية تقديم تسهيلات على الترانزيت الوارد عبر أراضيها تجاه العراق.
أن ما جاء في صحيفة «القبس» الكويتية لم يكن عفويًا، أو سبقًا صحافيًا، إنما هو تعبير عن توجهات الحكومة الكويتية، ويمكننا القول أنه توجه خليجي عام إزاء العراق، وهذا ما يفسر لنا لماذا تم إلغاء زيارة الكاظمي للسعودية بحجة مرض الملك سلمان، ذلك لأن زيارة الكاظمي لم تكن هناك حاجة للملك، لأن القرار السعودي هو بيد بن سلمان حصرًا، وكان من الممكن اتمام هذه الزيارة، لكن على ما يبدو أن هذه الزيارة ستتأخر، وربما تتأخر كثيرًا.
يأتي عدم ارتياح الخليجيين للكاظمي، لأن أداءه حسب رأيهم، خلال فترة رئاسته لمجلس الوزراء والتي لم تكمل الثلاثة أشهر، لم يعجب السعودية وباقي دول الخليج، لأن مستوى تحديه للأطراف الموالية لإيران لم يعجب تلك الدول، وزيارته لطهران والرسائل التي بعثت بها إيران لدول الخليج وللسعودية بالأخص، لم تعجبها بشدة، ووجدت أنه ليس من السهل على الكاظمي التخلص من ربقة النظام الإيراني، وهذا الذي لا يفهمه الخليجيون بشدة ويريدون منه ضرب الأطراف الإيرانية في العراق بسرعة وبقوة دون مراعاة لتوازن الرعب الموجود في العراق.
إن ما نراه من تصرفات القيادات الخليجية تجاه العراق، مازال في السياق الخاطئ نفسه الذي كانت تنتهجه طيلة تلك السنين الماضية حينما تركته لقمة سائغة لإيران، وتراها اليوم تُريد من الكاظمي أن يقود انقلابًا ثوريًا على المنظومة الإيرانية في العراق، بشكل يمكن أن يحرق البلد، ناسية أن إيران قد استثمرت في تلك الأحزاب والميليشيات سنوات طويلة، فماذا فعلتم أنتم؟

كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron