الوثيقة | مشاهدة الموضوع - ما هي قصة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعودية ونفاها الحوثيون؟ هل كانت “بالون اختبار” ام مبادرة جدية لإنهاء الحرب قبل وصول بايدن للبيت الأبيض؟ وكيف يمكن ان يغير ترامب كل المعادلات اذا اقدم على هذه المقامرة؟ وأين ايران من هذا الملف؟
تغيير حجم الخط     

ما هي قصة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعودية ونفاها الحوثيون؟ هل كانت “بالون اختبار” ام مبادرة جدية لإنهاء الحرب قبل وصول بايدن للبيت الأبيض؟ وكيف يمكن ان يغير ترامب كل المعادلات اذا اقدم على هذه المقامرة؟ وأين ايران من هذا الملف؟

مشاركة » الخميس نوفمبر 19, 2020 5:51 pm

عبد الباري عطوان
اكثر ما يقلق القيادة السعودية هذه الأيام هو اقدام تحالف حركة “انصار الله” الحوثية اليمنية على اطلاق صواريخ على اهداف في مدينة الرياض اثناء انعقاد قمة العشرين التي تشارك فيها الدول الكبرى الاقوى اقتصاديا في العالم، وخاصة الدول الخمس الأعضاء في مجلس الامن الدولي الى جانب اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا.
فرئاسة المملكة لهذه القمة يعني تعزيز مكانتها كقوة سياسية واقتصادية كبرى، ولكن لسوء حظ قيادتها، ان هناك عدة عوامل تفسد على المملكة توظيف هذه الفرصة النادرة لتعزيز هذه المكانة، وابرزها سقوط حليفها الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، وتصاعد الحرب في اليمن، وظهور مطالبات عديدة بمقاطعة هذه القمة بين تدهور حقوق الانسان في الدولة المضيفة، علاوة على انتشار فيروس كورونا الذي حولها الى قمة “افتراضية” عبر المشاركة عن طريق الاتصال عن بعد.
القصف الصاروخي اليمني يظل غير مستبعد بالنظر الى تصعيد الحركة الحوثية لهجماتها العسكرية على اهداف في العمق السعودي، خاصة في مدينة جازان الحدودية، حيث جرى قبل أسبوع ارسال العديد من الطائرات المسيرة والزوارق الملغومة، تم اسقاط بعضها عبر صواريخ “الباتريوت”، بينما نجح البعض الآخر في الوصول الى أهدافه واشعال حرائق ضخمة في منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو.
***
ما يقلق القيادة السعودية هذه الأيام ليس انخفاض العوائد النفطية، ولجوئها الى الاقتراض وطرح سندات لسد العجز في ميزانيتها، وانما ايضا حرب الاستنزاف في اليمن التي باتت كفتها ترجح لصالح الحوثيين في الفترة الأخيرة، واحتمال تنفيذ الرئيس الامريكي الجديد بايدن لتعهداته اثناء حملته الانتخابية بوقف جميع صفقات الأسلحة الامريكية المتطورة للسعودية حتى تتوقف حربها في اليمن.
العلاقات السعودية مع معظم، ان لم يكن كل الإدارات الديمقراطية الامريكية، كانت تتسم بالتوتر، ولا نعتقد ان هذا الوضع قد يتغير مع فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واستمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، وربما تزداد هذه العلاقات توترا اذا قرر الرئيس بايدن العودة الى الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن ايران، الامر الذي سيسمح لها بتصدير النفط مجددا واستعادة عشرات المليارات المجمدة، وبما يمكنها من دعم حلفائها في لبنان (حزب الله)، والعراق (الحشد الشعبي)، واليمن (انصار الله)، وغزة (حركتا حماس والجهاد الإسلامي).
كان لافتا ما ذكرته وكالة انباء “رويترز” العالمية حول عرض سعودي بإقامة شريط حدودي عازل على طول الحدود اليمنية السعودية على وفد حوثي بقيادة السيد محمد عبد السلام، كبير المفاوضين، مقابل تشكيل حكومة انتقالية ووقف اطلاق النار، اثناء مفاوضات على مستوى عال بين الجانبين.
الجانب السعودي يقول ان هذه المبادرة انهارت بعد الهجوم الذي شنته الحركة الحوثية للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالغاز وإخراج قوات “الشرعية” منها قبل شهرين، لكن هناك تسريبات تقول ان الجانب اليمني المفاوض تقدم بحزمة من المطالب ابرزها عمق هذه المنطقة العازلة، واقتصارها على الجانب السعودي من الحدود، والاعتراف بالحركة الحقوقية وحلفائها كمنتصرين في الحرب اليمنية، حسب ما اكد لنا مصدر يمني موثوق.
مصدر يمني كبير لم يستبعد في اتصال هاتفي معه ان تكون السلطات السعودية سربت هذه المبادرة الى الوكالة العالمية “رويترز” كبالون اختبار ومن اجل جس النبض واكد انه ليس من مصلحة الحوثيين انتهاء الحرب الا بشروطهم، ولا يمكن ان يقبلوا بمنطقة عازلة تشمل مدنهم وقراهم، لان هذا يعتبر خيانة لمبادئهم، والتضحية بدماء الشهداء وكل انجازات الصمود، حسب رأيه.
واكد هذا المصدر ان منطقة عازلة في زمن الصواريخ والمسيرات تعتبر “نكتة” غير مضحكة على الاطلاق، وأشار الى ان التيار المتشدد في أوساط الحوثيين وهو الغالب، ويؤمن بأن تركيع السعوديين بوسائل الضغط الفاعلة مثل الصواريخ، ومحاولة السيطرة على مأرب، هو الطريق الأقصر لإجبار السعوديين على التفاوض من موقع قوة وفرض الشروط، وهذا ما يفسر صدور نفي سريع لهذه المبادرة من جانب الحوثيين وامتناع السعوديين عن التعليق.
النقطة الاخرى التي لا تقل أهمية، ان حركة “انصار الله” الحوثية باتت كتلة رئيسية في محور المقاومة الذي تتزعمه ايران، ومن المستغرب ان تشجع ايران حليفها الحوثي في الدخول في أي مفاوضات في الوقت الراهن مع السعودية في ظل فوز بايدن وهزيمة ترامب، فالايرانيون مشهورون بالنفس الطويل، وعدم التسرع، خاصة في المراحل الضبابية مثل المرحلة الانتقالية الامريكية الحالية.


***
ما يمكن استخلاصه من ثنايا هذا العرض، سواء كان جديا او بالون اختبار، ان القيادة السعودية تعطي أولوية قصوى لوقف الحرب بأقل قدر ممكن من التنازلات، ودون أي اعتبار لمطالبها السابقة التي استخدمتها كمبرر لإشعال فتيلها قبل ما يقرب من الست سنوات، مثل عودة الحكومة “الشرعية” بقيادة الرئيس عبد به منصور هادي، وتوارد انباء عن وجود خلافات مع حليفها الاماراتي، وغرق اليمن في حالة من الفوضى والانقسامات.
من الصعب علينا التنبؤ بتطورات الأيام والاشهر المقبلة المتعلقة بالحرب اليمنية، ولكن اذا حاول الرئيس ترامب مجددا تنفيذ تهديداته بوضع حركة “انصار الله” على قائمة الارهاب، فإنه بذاك يقضي على فرص الحلول السلمية، وتوسيع دائرة الحرب، ووصول ألسنة لهبها الى منطقة الخليج، وربما فلسطين المحتلة أيضا.. والله اعلم.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron