الوثيقة | مشاهدة الموضوع - تفجير أجهزة الاتصال.. ضربة تكتيكية معنوية لـ”حزب الله” لا إستراتيجية تخلّص إسرائيل من حالة الاستنزاف
تغيير حجم الخط     

تفجير أجهزة الاتصال.. ضربة تكتيكية معنوية لـ”حزب الله” لا إستراتيجية تخلّص إسرائيل من حالة الاستنزاف

مشاركة » الأربعاء سبتمبر 18, 2024 8:55 am

1.jpg
 
الناصرة- “القدس العربي”: شكّلت عملية تفجير أجهزة الاتصال، المفاجأة الأكبر في هذه الحرب، ضربة تكتيكية ومعنوية لـ “حزب الله”، لكنها ليست إستراتيجية كونها لن تغيّر واقع حال إسرائيل في الجبهة الشمالية من ناحية استعادة الحياة في المستوطنات الحدودية الفارغة، مثلما لا يبدو أنها ستخلّصها من حرب استنزاف، خاصة أن المقاومة الجهادية العقائدية لن ترتدع وتتراجع، وهذا ما أكدته أمس.

منذ الكشف عن العملية، ونقل مشاهد آلاف الانفجارات في الأسواق والشوارع والمكاتب في لبنان، وسوريا أيضاً، مشاهد “يوم القيامة”، احتفل معظمُ وسائل الإعلام العبرية بها.

رئيس سابق للاستخبارات العسكرية: من الصعب التصّور أن “حزب الله” لن يرد

من تجليات ذلك عناوين صارخة، كعنوانٍ رئيسٍ أحمر كبير لصحيفة “يديعوت أحرونوت”: “4000 تفجير في لحظة واحدة”.

وكذلك رسم كاريكاتير نشرته، وفيه يبدو الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله متفاجئاً خائفاً وهو يحمل في يده جهاز اتصال من طراز “بيفر” في شاشته كتب بالعبرية “بومو”، في تلميح لكلمة انفجار بالإنكليزية.

لكن إسرائيل رسمياً تلتزم الصمت حيال هذه الخديعة الدامية، ولم تغير تعليمات الجبهة الداخلية برفع مستوى الجهوزية. وتسود مناطقها الشمالية حالة توتر وانتظار رد قوي من “حزب الله”، كما قال رئيس سابق للاستخبارات العسكرية الجنرال في الاحتياط تامير هايمان: “من الصعب التصّور أن حزب الله لن يرد”.

إسرائيل تحافظ على صمتها رسمياً لأكثر من سبب، منها الاعتقاد بأن الصمت أبلغ وأكثر نجاعة في بناء وترميم قوة الردع في مثل هذه الحالة، كما فعلت في اغتيال القيادي فؤاد شكر في قلب الضاحية. كذلك فإن إسرائيل، بصمتها، تتحاشى تحمّل المسؤولية عن جريمة حرب كونها اعتداء على لبنان، سيادته، أمنه، ومواطنيه، مع كل تبعات ذلك من ناحية صورتها في العالم، ومن ناحية التبعات القضائية، مثلما أن صمتها يدلّل على رغبتها بالمساس بـ “حزب الله”، قدراته، وهيبته، لكن دون إحراجه وإهانته لحد دفعه لردّ منفلت.

مثل هذا الصمت يستبطن إشارة على وجهة إسرائيل، فهي ربما تكون معنية بحملة عسكرية وتغيير قواعد الاشتباك فيها، لكنها غير راغبة لعدة عوامل بحرب شاملة الآن. وهذا يقود للسؤال؛ ما الذي أرادته إسرائيل من هذه العملية، ولماذا الآن؟

ذهب بعض التحليلات للزعم أن إسرائيل ترغب باستدراج ردّ قوي من قبل “حزب الله” كي تمتلك فرصة لشنّ حرب سريعة حاسمة شاملة عليه وعلى لبنان توقف حالة الاستنزاف، تستعيد النازحين، ترمم فيها هيبتها، وتستعيد قوة ردعها. هذا يعني أن العملية بدايةُ عملية أكبر وإستراتيجية أكثر مما يفسّر تصعيد قادة إسرائيل تهديداتهم ولهجتهم، بمن فيهم غالانت، المتهم من قبل نتنياهو برفض الحملة العسكرية على “حزب الله” في هذه المرحلة، وقبل إنهاء الحرب في غزة، وإتمام صفقة، مثلما يفسّر إضافة “استعادة النازحين في الشمال” لأهداف الحرب، أول أمس، وتوالي الاجتماعات الأمنية في اليومين الأخيرين بمشاركة نتنياهو.

هذا الخيار لا يستوي مع موانع ومحاذير كثيرة تدفع باتجاه تحاشي الحرب الشاملة، أولها حالة الإرهاق في صفوف الجيش بعد حرب طويلة ما زالت تستنزفه، كما تجلّى في عملية رفح، أمس.

كذلك لا تملك إسرائيل الآن غطاء من الشرعية الدولية، خاصة أن لبنان مختلفٌ عن غزة في حسابات الدول الغربية، لا سيما أن الولايات المتحدة تخشى تبعات وانعكاسات التصعيد على حظوظ كاميلا هاريس في الانتخابات، علاوة على أن الجبهة الداخلية في إسرائيل غير جاهزة الآن لامتصاص ضربات موجعة، بعد حرب طالت، وتسبّبت باستنزافهم، وبتكريس انقساماتهم. وهناك من يشير أيضاً لمسألة الذخائر والسلاح؛ هل تكفيها الآن لحرب ربما تتّسع لعدة جبهات ونتنياهو، السياسي المجّرب، رغم مزاوداته وتأكيداته بأن “الوضع لن يستمر في الشمال”، يدرك خطورة الحرب الشاملة والمغامرة العسكرية مقابل “حزب الله” في هذه المرحلة. نتنياهو يرغب برفع درجة الاشتباك لتخفيف وطأة الانتقادات الداخلية، في ظل فشله في استعادة النازحين، لكنه لن يسارع لإطفاء النار بالبنزين وإشعال حرب كبرى تحقق لـ “حماس” حلمها بـ “وحدة الساحات”.

إسرائيل، بصمتها، تتحاشى تحمّل المسؤولية عن جريمة حرب، مع تبعات ذلك من ناحية صورتها في العالم، ومن ناحية التبعات القضائية

الكشف المبكّر

ولذا يبدو أن الخيار الثاني أكثر واقعية ومنطقية، والمتمثّل بأن عناصر من “حزب الله” تنبّهوا لأمر غير طبيعي في جهاز الاتصال فألقوه جانباً، بعدما استشعروا بارتفاع حرارته وشكّوا بكونه مفخخاً. ويبدو أن إسرائيل علمت بذلك، فسارعت لتفعيل الخطة التي احتفظت بها لحال نشوب حرب شاملة، قبل انكشافها و”احتراقها”، ضمن مساعيها لتوجيه ضربة حاسمة تؤمّن لها الانتصار، وهذا ما تتحدث عنه بعض وسائل الإعلام الأجنبية اليوم. على غرار محاولاتها الناجحة والفاشلة في حروب سابقة، أبرزها ضرب الطيران المصري وهو جاثم في المطارات، في بداية حرب 1967، أو محاولتها حسم قوة “حماس” بضرب قوات شرطة “حماس” في مطلع “الرصاص المصبوب”، نهاية 2008، أو عملية “براك” في 2021، عندما قصفت أنفاق “حماس” بعدما تيقّنت أن كل عناصر “حماس” اختبأت فيها، ولاحقاً تبيّن أن نتائج عمليتها المخادعة المباغتة محدودة.
استغلال ثغرة في منظومة أمن المعلومات

وتدلل عملية تفجير أجهزة الاتصال على ثغرة أمنية جديدة في صفوف “حزب الله”، سبقتها عملية اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر في عقر داره في الضاحية، استغلتها إسرائيل، وقامت باستثمارها ضمن الحرب عليه.

لم يكن بالإمكان القيام بهذه العملية، غير المسبوقة ربما في تاريخ الصراع، دون حيازة قدرات عملياتية: استخبارات، وسيطرة على الأجهزة في واحدة من محطات سلسلة التزويد، وربما في المصنع التايواني، وضع 20 غراما من المادة شديدة الانفجار في كل جهاز، على غرار عملية اغتيال القيادي الفلسطيني “المهندس” الشهيد يحيى عياش في غزة، عام 1996، بعد تفخيخ هاتفه المحمول.

وسارعت وزارة الاقتصاد التايوانية للنأي بالنفس عن العملية، الخديعة، بقولها إن :”الشركة المصنعة للأجهزة ترجّح إدخال تعديل على الأجهزة بعد تصديرها”.

كذلك، تحتاج مثل هذه العملية لقدرات تكنولوجية، سيبرانية، أي السيطرة على جهاز الإرسال الخاص بأجهزة الاتصال (بواسطة موجات راديو)، والقدرة على إرسال رسائل مكثفة تتسبّب بسخونة البطارية حتى الانفجار بلحظة واحدة.
الخسائر والنتائج

نجحت إسرائيل في هذه العملية بإلحاق خسائر عسكرية لعدوها، و”حزب الله” من جهته يعترف بمقتل 11 من عناصره، وإصابة آلاف، يفترض أن قسماً منهم ضباط وقادة، بإصابات متفاوتة. ولذا فهي خسارة عملياتية تتمثّل بزعزعة منظومة التحكّم والسيطرة، وإن كان الضرر غير واضح المعالم بعد، بيد أن الواضح أن العملية تنطوي على مسّ بصورة وهيبة “حزب الله”، صفعة مربكة لا تخلو من الإهانة، وضربة معنوية.

لكن العملية، التي تبدو فكرة سينمائية مفاعيلها النفسية كبيرة، لا تعتبر نجاحاً إستراتيجياً، بل هو نجاح تكتيكي فحسب، ترمّم لحدّ بعيد ومؤقت قوة الردع الإسرائيلي، غير أنها لا تجبر “حزب الله” على وقف القتال، ولا تعيد النازحين للمستوطنات الشمالية الخالية، وهي الأخرى صورة تنال من هيبة وقوة ردع إسرائيل.

“حزب الله”، ورغم الضربة، ما زال يحتفظ بقدراته الأساسية، وأكد عزمه على مواصلة إسناد المقاومة الفلسطينية، ففي تصريح له قال: “سيبقى موقفنا هذا، بالنصرة والدعم والتأييد ‏للمقاومة الفلسطينية الباسلة، محلَّ اعتزازنا وافتخارنا ‏في الدنيا والآخرة”.

فيما قال النائب اللبناني والقيادي في “حزب الله” علي عمّار في نعي نجله مهدي: “الحرب سجال، يوم لنا من عدونا، ويوم لعدونا منّا”. لعدة أسباب لا تترك العملية هذه لـ “حزب الله” فرصة لعدم الرد بشكل مختلف ومقنع أكثر عن ثأره لاغتيال شكر، دون الذهاب لحرب شاملة، حيث لا توجد بوليصة تأمين تكفل عدم تورّط غير الراغبين بها.
نجاح تكتيكي لا إستراتيجي

تنعكس هذه الرؤية في تعليقات خبراء ومسؤولين سابقين في إسرائيل يحاولون رش بعض الماء البارد على احتفالية إعلامية فيها بعملية تفجير أجهزة الاتصال، فهناك من يتساءل؛ ما الذي يستفيد منه سكان الشمال والنازحون إن بقيت العملية يتيمة وليست جزءاً من خطة أكبر تحقق حلمهم بالعودة لمستوطناتهم؟

يشير الجنرال في الاحتياط نوعم تيبون إلى أن العملية إبداعية ومهمة، لكنها ليست من رؤية متبصّرة، وهي تخدم الردع، لكنها لا تخدم الحسم.

في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، قال تيبون اليوم: “لا ننسى أننا في حرب استنزاف، وهذ العملية لا توقفها، ولن تؤثّر على عقيدة وموقف “حزب الله”. لا بد من عملية سياسية لترتيب الأوراق مع “حزب الله” من خلال خطوة إستراتيجية، وهذا يعني وقف الحرب في غزة، وإتمام صفقة، والتركّز في جبهة الشمال، وحل المشكلة بالدبلوماسية، أو بحرب قصيرة. التغيير الإستراتيجي فعل مطلوب من المستوى السياسي”.

صمت إسرائيل (بعد عملية تفجير أجهزة الاتصال) يدلّل على رغبتها بالمساس بـ “حزب الله”، قدراته، وهيبته، لكن دون إحراجه وإهانته لحدّ دفعه لردّ منفلت

وتبعه، في حديث للقناة 12 العبرية، رئيس حزب “الديموقراطيين”، نائب قائد جيش الاحتلال سابقاً الجنرال في الاحتياط ياير غولان، الذي اعتبر العملية “ذكية ومشرقة”، لكنه وجّه انتقادات لإسرائيل لأنها “لا تبادر للعمل ضمن خطة، وتكتفي بخطوات”.

ومضى في انتقادات مباشرة: “كان من المفترض القيام بدفاع أمامي في جنوب لبنان، يتيح الحفاظ على المستوطنات في الجليل من خلال حملة عسكرية محدودة، تحتل فيها إسرائيل شريطاً حدودياً بعرض نصف كيلومتر”.

ويعلّل رؤيته هذه بالقول إن “خطر اندلاع حرب شاملة كان، وما زال، احتمالاً منخفضاً”، معتبراً عدم قيام إسرائيل بحملة “الدفاع الأمامي”، والتورّط بحرب استنزاف فضيحة.

ويضيف: “إدارة إسرائيل للمواجهة مع “حزب الله” فاشلة، وما يجري يلقي بظلاله على قدرتنا القيام بحملة أوسع في لبنان بعدما بدّدنا وقتاً ثميناً في العام الأخير. أنا أتحدث عن دفاع متقدم، ولكن هذا لم نفعله، مثلما لم نتمم صفقة مع “حماس” تنهي الحرب في غزة وتدفع لوقف النار في الشمال، وتتيح للجيش تركيز قواته مقابل لبنان، وبناء تحالف إقليمي دولي ضد إيران العدو الأساس. فوّتنا خياراً إستراتيجياً واخترنا خياراً عسكرياً هو الأسوأ، لأن نتنياهو غارق في حسابات غير موضوعية”.
استنزاف في غزة أيضاً

وفي محاولته التدقيق في رسم ملامح العملية وقيمتها الحقيقية، قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، في مقال بعنوان “بعيداً عن الحسم”، إنها نجاح تكتيكي مدهش، تذكّر بعملية عينتيبي في أوغندا، وبعملية الكوماندوس في العمق السوري قبل أسبوع.

في المقابل تساءلَ هارئيل أيضاً: “مع أهمية العملية تكتيكياً ومعنوياً، فإن السؤال: ما الغاية منها ضمن الصورة الكبرى؟”.

ويقول إنها ألحقت ضرراً جدياً بـ “حزب الله”، والحديث عن إصابة آلاف العناصر من “حزب الله”.

ويتساءل مجدداً؛ هل، وكيف تؤثّر على أهداف الحرب في الجبهتين؟ هل هي جزء من عملية إستراتيحية أوسع؟ ماذا عن الصفقة؟ وماذا عن المخطوفين الذين يدفعهم هذا التصعيد للهامش؟ وماذا عن مستقبل حرب الاستنزاف في غزة، التي ستواصل جباية الثمن من جنودنا لشهور إضافية، رغم تعرّض “حماس” لضربات موجعة فكّكت هيكلتها العسكرية دفعتها للقتال الآن لحرب عصابات.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير