رام الله-غزة ـ «القدس العربي»: على مدى أشهر طويلة بقيت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم في قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر عام 2023 غير مرئية وغير مكتوبة، فإجراءات الاحتلال كانت حالة من الاخفاء القسري لهؤلاء الأسرى الذين بلغت أعدادهم بالآلاف.
وحتى اليوم، وبعد أشهر من سماح سلطات الاحتلال بزيارة المحامين الفلسطينيين ومؤسسات الأسرى لبعضهم، يمكن القول إن جانبا بسيطا من جبل جليد الممارسات الوحشية التي مورست بحقهم هو ما ظهر إلى النور.
ولا يبدو أن السؤال الإشكالي الذي يدور حول مدى ضرورة إدراك قضية أسرى غزة بشكل كامل كي نقوم بعملية توصيف دقيق وصحيح لها، مسألة تشغل بال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، في ظل أن أسرى غزة بقوا لأشهر طويلة موضوعا طي الكتمان، في ظل قطع كافة طرق التواصل وتداول أخبار ومجريات ما حدث معهم.
وحسب فارس فإن «البعض يتحدث عن انتهاكات بينما هي في الواقع سلسلة متصلة من الجرائم التي تنفذ بحق الأسرى، إنها ليست انتهاكات هي جرائم تنفذ بشكل ممنهج وتحظى برعاية من أعلى المستويات في دولة الاحتلال».
ويتابع: «الاحتلال كلما تورط في الجريمة أمعن في تنفيذها، والنتائج تتحدث عن نفسها، فلدينا نحو 41 شهيدا خلال نحو عام، وهو ما يعني اننا أمام رقم قياسي، أكثر من 4 شهداء في الشهر، وهذا غير مسبوق إضافة إلى أن هناك شهداء لم نتحقق من استشهادهم ويعدون بالعشرات من غزة».
ويلخص ما يحدث مع أسرى غزة أسوة بأسرى الضفة إننا أمام «حرب انتقامية تشن على الأسرى ومستمرة، فالقرار بحقهم جزء من قرار الحرب، ولا يتوقف إلا بتوقف الحرب على القطاع».
ويصف فارس: «إسرائيل العمياء تضرب في كل مكان وبدون أي تمييز، وكل ما يتعرض له الأسرى هو شروع في القتل، فمعظم من استشهد ووفق وثائق التشريح سقطوا بفعل الضرب والاعتداء بطريقة وحشية، وبالتالي كل أسير يتعرض لأعمال القمع يمكن ان يقود ذلك للاستشهاد».
وكانت سلطات الاحتلال قد سمحت بتاريخ 30 نيسان/ابريل الماضي بزيارة السجناء من غزة، ومنذ هذا التاريخ بدأت المعلومات تخرج من السجون الإسرائيلية عبر مجموعة من الشهادات التي أدلى بها السجناء.
تحدثت «القدس العربي» مع مجموعة من المحامين والحقوقيين الذين تمكنوا من زيارة أسرى غزة، وجانب منهم رفض الحديث باسمه مخافة أن يمنع لاحقا من الزيارة، وجلهم أكدوا أن ما سمعوه من شهادات لم يتخيلوا سماعه في حياتهم، وخلال تجارب عملهم الطويلة مع الأسرى لم يحدث أن حصل هذا النوع من الممارسات.
شهادة واحدة لا تكفي
في شهادة المحامي الغزي فادي بكر (25 عامًا) وهو أب لطفلة صغيرة عمرها شهر، من سكّان حيّ تل الهوى في مدينة غزّة، ما يضع المهتمين بطبيعة الإجراءات الاحتلالية وسياسات سلطات السجون بحق الأسرى الغزيين.
يقول الأسير الغزي بكر، المفرج عنه: «في أحد الأيام خرجت برفقة شبان للبحث عن طحين قرب ميدان الكويت، شرق حيّ تل الهوى. فجأةً، سمعتُ صوت إطلاق نار، وإذ بأحد الشبّان يُصاب في رأسه ويسقط على الأرض، لقد قُتِل. أنا والشابّان الآخران بدأنا بالفرار من هناك، لكن عندها ظهرت دبّابة وسيّارة جيب عسكريّة في الشارع وأطلقتا النار علينا. أصبتُ برصاصة في رِجلي تحت الركبة وبأخرى في أسفل البطن. قُتِل شابّ آخر على الفور. فبقينا اثنان وتمكّنّا من الدخول إلى أنقاض مبنى كان قد تعرض للقصف والاختباء هناك. اختبأتُ أنا خلف عمود خرسانيّ، لأنّني لم أستطع المشي، وصعد الشابّ الآخر إلى الطابق الثاني. أخذ الجنود الذين في الدبّابة يطلقون النار علينا، ثمّ نزلوا منها وصعدوا إلى الطابق الثاني وأمسكوا بالشابّ. سمعتُهم يسألونه عن مكان وجودي، ثمّ أخذوه من هناك، لا أعرف إلى أين. بقيتُ هناك وحدي، أنزف، لمدّة أربع ساعات تقريبًا ثم اعتقلت».
يتابع المحامي بكر في شهادته التي أدلى بها إلى منظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية: «غطّى الجنود عينَيّ بملابسي، وقيّدوا يدَيّ إلى الشاحنة، وعلّقوني عليها حرفيًّا، ثمّ سارت بضع دقائق بينما كان رأسي يصطدم بها. توقّفنا في مكان لا أعرفه. حلّ أحد الجنود الأصفاد البلاستيكيّة وسقطت على الأرض، وأزال العصابة عن عينَيّ، ثمّ أخذوني إلى خيمة التقيت فيها بضابط من الشاباك. أمسك ببطاقة هويّتي وهاتفي. ثمّ رنّ هاتفي وكانت تلك أختي. طلبتُ منه أن يسمح لي بالتحدّث معها لتهدئتها وإخبارها بأنّني عند الجيش، لكنّه رفض. سألني من أيّ نفق خرجت، فقلتُ له أنا مدنيّ. شرع الجنود يضربونني بشدّة، وبدأتُ أنزف من جروح الرصاص. ثمّ جاء جنديّ آخر وضمّد جراحي».
أدخلوني بعد ذلك في دبّابة وأخذوني إلى مكان آخر. عندما وصلتُ إلى هناك أخرجوني ومدّدوني على شيء رائحته كريهة جدًّا لمدّة ثلاث دقائق تقريبًا. نزع الجنديّ العصابة عن عينَيّ، فرأيتُ أنّها جثّة متعفّنة. ثمّ أخذوني إلى ضابط آخر، وسألني هو أيضًا من أيّ نفق خرجت. فقلتُ له هو أيضًا بأنّني مدنيّ. صوّب الجنود أسلحتهم نحوي واعتقدت أنّهم سيطلقون النار عليّ، فتَلوتُ الشهادتين، ثمّ أطلق أحدهم النار على الأرض أمامي. غطّوا عينَيّ وتُركتُ مطروحًا في الخارج على أرض مرصوفة بالحصى، في البرد، حتّى منتصف الليل».
ويتابع: «ألبسوني بعد ذلك ملابس شفّافة وبيضاء، كتلك التي كانت أثناء جائحة فيروس كورونا، ثمّ أصعدوني إلى سيّارة جيب وسافرنا نحو نصف ساعة. أحضروني إلى مركز اعتقال في مكان لم أكن أعرفه، وعلمت فيما بعد أنّ اسمه (سديه تيمان). كان هناك جنديّ وجندّية، وكانوا يرتدون ثوب الأطبّاء فوق الزيّ العسكريّ. مدّدوني على سرير وكووا الجروح في رِجليّ وبطني بدون تخدير، وكان ذلك مؤلمًا جدًّا، ثمّ ضمّدوها. بعد ذلك أخذوني إلى غرفة أخرى، حيث صوّروا جسمي ووجهي، وأخذوا منّي الأمانات ثمّ وضعوا لي سوارًا عليه رقم معتقل. أحضروا لي ألبسة داخليّة وملابس، وغطّوا عينَيّ بقطعة من القماش البرتقاليّ، وكتبوا شيئًا على ظهر قميصي ـ لا أعرف ما هو. أدخلوني إلى مبنى يشبه الحظيرة. طلبتُ أن أشرب ماء، فأعطوني.
نمتُ، لكن بعد نحو ساعة ونصف الساعة أيقظوني وأخبروني بأنّه ممنوع أن أنام الآن».
ويضيف «في الحظيرة كانوا يوقظوننا كلّ يوم في الساعة 4:00 فجرًا، ويرغموننا على الركوع وأعيننا معصوبة وأيدينا مكبّلة حتّى الساعة 11:00. بعد ذلك كان كما لو أنّه يُسمح لنا بالنوم، لكن كلّما نمنا كانوا يوقظوننا. بعد خمسة أيّام أخذوني إلى غرفة شديدة البرودة شغّلوا فيها موسيقى ديسكو بصوت عالٍ جدًّا. جرّدوني من ملابسي وتركوني هناك لمدّة أربعة أيّام، لم يقدّموا لي خلالها سوى القليل من الماء للشرب وقطعة خبز كلّ يوم، وبعد أربعة أيّام أخذوني للتحقيق الذي كان أساسه الضرب والتعذيب: أطفأوا سجائر في فمي وعلى جسمي، وربطوا بالمناطق الحساسة لاقطات كانت موصولة بشيء ثقيل. استمرّ الأمر على هذا النحو يومًا كاملًا. تورّمت المناطق الحساسة من جسمي وكنت أنزف من أذني اليسرى. سُئلت عن قادة حماس وعن أشخاص لا أعرفهم ولم أقابلهم. سألوني أين كنت في يوم 7 اكتوبر، وأجبت أنّني كنت في البيت ولم أخرج منه إلّا لإحضار الطعام لزوجتي. ضربوني. بعد ذلك أعادوني ثانيةً إلى الغرفة المجمّدة بالبرد ذات موسيقى الديسكو الصاخبة، وتركوني هناك عاريًا مرّة أخرى لمدّة يومين، ولم يقدّموا لي سوى القليل جدًّا من الخبز والماء.
أخذوني من هناك إلى حظيرة أخرى أبقوني عاريًا فيها نحو 4-5 أيّام، وهناك أيضًا لم أحصل سوى على القليل من الطعام والشراب، وأجبروني على ارتداء حفّاض. بعد ذلك أخذوني للتحقيق مرّة أخرى. سألوني عن عملي وعن تجّار سيّارات تربطني بهم علاقات عمل. خلال التحقيق عرضوا أمامي فيديو وأخبروني بأنّ هؤلاء الأشخاص أعضاء في الجهاد الإسلاميّ. قلتُ لهم إنّني لا أعرفهم. خلال التحقيق صعقوني بالكهرباء وضربوني بشدّة لدرجة أنّني فقدت الوعي. تورّمت كفّة قدمي من الصدمات الكهربائيّة. عندما استعدت وعيي طلبتُ منهم أن يضمّدوها، ففعلوا. استمرّ التحقيق ثمّ أخذوني ثانيةً إلى غرفة الديسكو وتركوني هناك لمدّة ثلاثة أيّام. عندما طلبتُ من الجنديّ الذي كان يراقبني أن أذهب إلى المرحاض أحضر لي وعاء وطلب منّي أن أتبوّل فيه. تفاقمت في جسمي جروح ونزيف وآلام، وخاصّة في رِجلي اليسرى التي عانيتُ فيها من نزيف وجروح قيحيّة سبّبتْ لي آلامًا شديدة. ازرقّت رِجلي وكادت تصاب بالنخر.
تركوني في الحظيرة لمدّة خمسة أيّام، ثمّ أجروا لي عمليّة جراحيّة في رِجلي اليسرى المتورّمة، من دون تخدير. طلبتُ أن يعطوني موادّ مخدّرة، فأجابوني بأنّني لستُ في وضع يَسمح لي بطلب أيّ شيء، وأمروني بالصمت. عندما صرختُ من الأوجاع، ضربوني على بطني بعصا بلاستيكيّة حتّى التزمتُ الصمت. أخرجوا القيح من رِجلي.
نقلوني بعد ذلك إلى الحظيرة ثانيةً، وفيها أجبروني على الركوع كلّ يوم لمدّة أسبوعين وأنا مقيّد اليدين ومعصوب العينين. كنّا نتلقّى الطعام ثلاث مرّات في اليوم: جبنة، مربّى وتونة وأربع شرائح من الخبز. بدّلوا لي الضمادة التي كانت على رِجلي مرّة واحدة فقط. كنّا نستحمّ مرّة واحدة في الأسبوع، وحصلنا على ألبسة داخليّة نظيفة مرّة واحدة فقط خلال هذه الفترة.
عرضوا عليّ أن أعمل مع الجيش فرفضت. قال لي أحد الضبّاط أو الجنود إنّه يعزّيني بوفاة أبي وأمّي وعائلتي وزوجتي، فأصبتُ حينها بانهيار عصبيّ وفقدتُ الوعي».
نهاية شهر شباط/فبراير من العام الجاري خرج المحامي بكر من السجن حيث يقول: «اتّصلتُ بعائلتي في شمال غزّة وصدموا عندما سمعوا صوتي. كانوا على يقين بأنّني قُتلت. تأثّر أبي وأمّي كثيرًا، لدرجة أنّهما خاطرا بحياتهما من أجل القدوم إلى رفح ليكونا معي. وصلا إلى الحاجز بعربة، وقطعوا المسافة من هناك مشيًا على الأقدام. أخبراني بأنّ زوجتي أنجبت طفلتنا عندما كنتُ في السجن، وبأنّها عانت من سوء التغذية بسبب المجاعة في شمال قطاع، وبأنّ طفلتنا عندما ولدت كان وزنها 2 كيلوغرام».
تحديث يستثني أسرى غزة
وفي آخر تحديث قامت به مؤسسة «الضمير» لرعاية الأسير وحقوق الإنسان قدمت أرقاما موثقة حول مجموعة كبيرة من الفئات التي تتعلق بالأسرى في سجون الاحتلال في الضفة وغزة، في القائمة الطويلة نسبيا هناك خانتان من دون أي أرقام، وهي أسرى غزة، والمقاتل غير الشرعي.
لا يعكس ذلك الأمر تجاهل مؤسسة «الضمير» العريقة لهذا الملف، إنما يشير إلى غياب الأرقام والمعطيات الدقيقة حول الملف الأكبر المتعلق بأسرى غزة. وحسب جهات فلسطينية فإن معتقلي غزة ينقسمون إلى ثلاث فئات وهم: المقاومون، والمدنيون الذين جرى اعتقالهم في السابع من أكتوبر، إلى جانب من تبقى من آلاف العمال الذين جرى اعتقالهم من عدة مناطق، بالإضافة إلى المدنيين الذين اُعتقلوا من غزة خلال الاجتياح البري الذي ما زال مستمرا.
وحسب رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري فإن الأرقام التي تقدمها الجهات الرسمية الفلسطينية لا تشمل آلاف المعتقلين من قطاع غزة، حيث تعرضوا لأسوأ وأبشع جرائم التعذيب الممنهجة، وأدى ذلك إلى استشهاد المئات منهم، وإعدام آخرين.
وقال زغاري في تصريحات صحافية: «لا يزال هؤلاء الأسرى يواجهون الإخفاء القسري والمصير المجهول، ولا يفصح الاحتلال عن أي معلومات تتعلق بهم، بالرغم من كسر محامين جزءا يسيرا من القيود الإسرائيلية حولهم، حيث تمكنوا من زيارة عدد قليل منهم في معتقلي النقب وعوفر، وكل الشهادات حولهم صادمة ومروعة، وتؤكد أن أوضاعهم صعبة وخطيرة، ويتركون لأيام وأسابيع طويلة مقيدي الأيدي والأرجل».
وحسب زغاري فقد لجأ الاحتلال إلى ما يسمى «المقاتل غير الشرعي» حيث يحتجز المئات من معتقلي غزة تحت هذا البند، ويحرمهم من كافة حقوقهم بما فيها التمثيل القانوني وزيارة المحامين، متنكراً بذلك لكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية ومنها اتفاقية جنيف الرابعة.
ويشدد زغاري أن معتقل «سدي تيمان» أنشئ بعد حرب الإبادة على غزة، ويعتبر إحدى المحطات الكبرى لعمليات التعذيب الوحشية والجنسية والتجويع والجرائم الطبية، وهو نموذج صارخ لسياسات الاحتلال بحق الأسرى، إلا أن بقية السجون لا تقل خطورة عنه، وكلها تعمل حسب تعليمات المنظومة العنصرية الإسرائيلية، وبتعليمات مباشرة من الوزير المتطرف ايتمار بن غفير.
ويعيش أسرى قطاع غزة تحديدًا ظروفًا في غاية القساوة والصعوبة، ويستخدم الاحتلال بحق الأسرى أشكالًا مختلفة من التعذيب، منها تعريتهم بشكل متكرر ومقصود في محاولة لإذلالهم، وإبقاؤهم مكبلي الأيدي والأعين طوال الوقت، واستخدام أساليب الشبح المختلفة بحقهم، وحرمانهم من العلاج، وتصويرهم بشكل مهين، وحرمانهم من النوم وإطلاق الكلاب البوليسية عليهم لتنهش لحمهم، عدى عن الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأسرى، وتقدم لهم وجبات طعام بنوعيات رديئة للغاية وبكميات قليلة جدًا، ويحرم المعتقلين من أدنى حقوقهم الإنسانية كتوفير الملابس، ويمنعون من الاستحمام لفترات طويلة جدًا، ويتعرضون لدرجات الحرارة العالية، ويتم سحب الفراشات منهم في ساعات الفجر الأولى ويتم إرجاعها لهم بعد منتصف الليل.
ويتعرض الأسرى «لحفلات» من الضرب الجماعي والتعنيف من قبل الجنود، واستخدام ألفاظ نابية عجز الأسرى عن تكرارها. ويجبرون أيضًا على الركوع على الأرض البحصية أو على الإسفلت، ويقضي الأسرى أيامهم وهم مقيدو اليدين ومعصوبو الأعين طوال النهار، ولا يسمح لهم بالحديث مع بعض، ويقوم الجنود بسحب الفرشات الرقيقة منذ ساعات الصباح الباكر حوالي الخامسة صباحا وحتى ساعات الليل التاسعة أو العاشرة.
جريمة الإخفاء القسري
وحسب مؤسسات الأسرى الفلسطينية (هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) فإنّ سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، نفّذت جريمة الاخفاء القسري بحقّ الآلاف من معتقلي غزة منذ بدء حرب الإبادة المستمرة.
وأضافت المؤسسات، لقد ساهمت المنظومة القضائية للاحتلال الإسرائيليّ، في ترسيخ جريمة الإخفاء القسريّ التي ساهمت باستخدام جرائم التّعذيب بحقّ معتقلي غزة، وذلك من خلال احتجاز الآلاف من معتقلي غزة استنادا لقانون (المقاتل غير الشرعي) الذي أصدره الكنيست عام 2002 والذي يُشكّل في جوهره انتهاكا واضحا وصريحا لسلامة إجراءات التقاضي.
ومع بداية حرب الإبادة، أدخل الاحتلال تعديلات قانونية على قانون «المقاتل غير الشرعي» وهو أشبه بالاعتقال الإداريّ، ومن أبرز هذه التعديلات، تمديد توقيف المعتقل لمدة (45) يوماً، وإتمام مراجعة القضائية بعد (75) يوما، ومنع المعتقل من لقاء المحامي لمدة (180) يوما، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال رفض السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقلين والأسرى في السّجون والمعسكرات.
ولاحقاً وفي ضوء بعض التعديلات القانونية، التي أتاحت للطواقم القانونية بالكشف عن أماكن احتجاز المعتقلين، وتنفيذ زيارات محدودة لبعض معتقلي غزة، بدأت الشهادات الصادمة تتصاعد، بشكل –غير مسبوق- بكثافتها ومستواها، وقد وثقت العديد من المؤسسات الحقوقية عشرات الشهادات لمعتقلين غزة عن جرائم التّعذيب الممنهجة التي استخدمت بحقّهم، عبر العديد من الأدوات والأساليب، وفي مختلف أماكن الاحتجاز بما فيها السّجون المركزية إلى جانب المعسكرات، والتي أدت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزة، الذين يواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم، إلى جانب عمليات الإعدام الميداني.
عيب المؤسسات الدولية
يشدد قدورة فارس على أن الجهود التي تبذلها الجهات الفلسطينية ما زالت متضافرة ومتواصلة من أجل إيصال صوت الأسرى من على كل منبر متاح.
ويتابع: «كل الوفود التي تأتي والقناصل والسفراء يعلمون ويضعون في صورة المستجدات وكل المؤسسات الحقوقية المختلفة. جهود حتى الآن لم تؤد إلى إجراءات بعينها لكن هذا ليس عيبا في حجم الجهود المبذولة وإنما عيب في مؤسسات المجتمع الدولي فهي في اختبار كبير في الحرب على الأسرى كما الحرب. هناك تلكؤ في محكمة الجنايات الدولية ومحاولات الصاق تهمة التحرش بكريم خان، كله يدل على أن المؤسسات الدولية التي يفترض أن يكون لها الحصانة ولديها التفويض الكامل توضع أمامها العراقيل حتى لا تتمكن من ممارسة حياديتها في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي».
وحسب مؤسسة «الضمير» فإن مقاطعة المحاكم الإسرائيلية وحدها لا تكفي، «لن تنجح بدون خطوات قانونية وسياسية دوليا، فمن دون وجود حل يفضي إلى إطلاق سراح الأسرى وتخليصهم من العذاب لن تنجح».
وتكمل المؤسسة: «نحن بحاجة للقانون الدولي، حتى تلزم إسرائيل باحترام هذا القانون، وبناء على ذلك كل الاحتلال غير قانوني حسب قرار محكمة العدل الدولية، وبالتالي إنهاء الاحتلال بشكل كامل وتفكيك محاكم العسكرية».
وتسأل: «كيف نفهم اعتقال 11 ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، كل هؤلاء من أجل أن يتم استخدامهم كأوراق ضغط في وقت لاحق، والاحتلال يتلاعب بهذا الملف الكبير».
وتخلص إلى نظرة شاملة على ما يمارسه الاحتلال بحق الأسرى يجعلنا نتساءل: «أي نظام فاشي يعيش معه الفلسطينيون؟».
وتجدر الإشارة إلى أنّه وحتى اليوم لا توجد معلومات واضحة ودقيقة عن كافة أعداد معتقلي غزة، علماً أنّ الاحتلال كان قد كشف عبر وسائل إعلامه بأنه اعتقل أكثر من 4500 مواطن من غزة منذ بدء الحرب.