بغداد ـ «القدس العربي»: بالتزامن مع الإعلان عن عودة آلاف النازحين العراقيين من مخيمات النزوح إلى مناطقهم الأصلية وعودة نازحين من مخيم الهول السوري إلى العراق، يستقبل البلد المزيد من النازحين اللبنانيين الهاربين من الحرب في بلادهم. وتشهد بعض المدن العراقية هذه الأيام، حركة نشيطة في عودة نازحين إلى مناطقهم، وذلك ضمن مساعي حكومة بغداد لإنهاء ملف مخيمات النازحين في العراق، فيما يستمر توافد آلاف النازحين اللبنانيين على المدن العراقية.
وقد أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية عودة نحو 10 آلاف نازح من إقليم كردستان إلى منطقة سنجار غرب الموصل هذا العام. وقال المتحدث باسم الوزارة، علي عباس في تصريحات للإعلام، إن نحو 10 آلاف نازح إيزيدي عادوا هذا العام من مخيمات إقليم كردستان إلى مناطقهم الأصلية في قضاء سنجار. ولفت علي عباس إلى أن كل عائلة عائدة تُمنح 4 ملايين دينار عراقي، مع توفير بعض احتياجاتها المنزلية الأساسية.
وكان مجلس الوزراء العراقي، قرر في كانون الثاني/يناير الماضي إغلاق مخيمات النازحين وإعادتهم طوعياً بحلول 30 حزيران/يونيو الماضي، لكن هذا الموعد جرى تمديده لاحقا لأسباب أمنية أو فنية.
وأشار المتحدث باسم الوزارة، إلى بقاء نحو 20 ألف عائلة نازحة في مخيمات إقليم كردستان، معظمها من سنجار، حيث تقيم 17 ألف عائلة منها في مخيمات دهوك ونحو 3 آلاف أخرى في مخيمات أربيل. وما زال هناك 18 مخيماً للنازحين في دهوك و4 في أربيل، فيما أُغلقت جميع المخيمات في السليمانية.
وكانت آخر وجبة عادت إلى سنجار يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وضمت 326 نازحاً كانوا يقطنون مخيم «مام رشان» الواقع في قضاء شيخان بمحافظة دهوك.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق جابرو، الشهر الحالي عن عودة 181 نازحاً من مخيم شيخان في محافظة دهوك بإقليم كردستان إلى مناطق سكناهم الأصلية في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى، بالتعاون مع سلطات الإقليم والحكومة المحلية ومنظمة الهجرة الدولية.
وفي خطوة مماثلة تسارع وزارة الهجرة والمهجرين، في الإعلان عن إعادة المزيد من النازحين إلى مناطقهم الأصلية بعد نحو عشر سنوات من النزوح القسري.
وأكدت الوزارة في بيان «عودة 501 نازح من مخيم ديبكة في محافظة أربيل في إقليم كردستان إلى مناطق سكناهم الأصلية في أقضية ونواحي محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، بالتعاون مع سلطات الإقليم والأمم المتحدة» مع شمول العائدين بالمنح المالية والمساعدات الإغاثية لدعم الاستقرار في مناطق العودة.
وتسعى حكومة بغداد لتنفيذ وعودها بجعل هذا العام، عام غلق مخيمات النازحين المنتشرين في إقليم كردستان منذ نحو عشر سنوات إلى مناطقهم الأصلية، وإغلاق هذا الملف الإنساني المأساوي، إلا أن الآلاف منهم ما زالوا في بعض المخيمات أو منتشرين في مدن الإقليم، لأسباب أمنية أو لتعرض مناطقهم إلى التدمير أثناء المعارك مع تنظيم داعش الإرهابي.
نازحو مخيم الهول
وليس بعيدا عن هذا المسار تسعى حكومة بغداد، لإنهاء مشكلة ملف مخيم الهول السوري القريب من الحدود العراقية، والذي يضم عائلات تنظيم داعش، حيث أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، عن وجود ما يقارب 54 ألف نازح في مخيم الهول بينهم 20 ألف عراقي، فيما أكدت عودة 4 آلاف عراقي من هذا المخيم.
وقال وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، كريم النوري، إن «مخيم الهول، الواقع في شمال شرق سوريا، يبعد نحو 13 كيلومترًا عن العراق في منطقة الحسكة، ويستضيف حاليًا حوالي 54 ألف نازح من جنسيات مختلفة، منهم 20 ألف عراقي نزحوا من مناطق القتال في الباغوز ودير الزور».
وأشار إلى أن «النازحين العراقيين يختلفون عن القادمين من دول أوروبا وأفريقيا وآسيا، حيث جاء هؤلاء من تلك الدول لغرض القتال، وأن النازحين من العراق منهم من أنه بريء ولا يمكن تحميلهم مسؤولية أفعال الآخرين».
وأضاف النوري، أن «الحكومة العراقية بدأت عملية تأهيل النازحين العائدين بعد إجراء تدقيق أمني شامل عليهم» مبيناً أن «جميع الذين عادوا من المخيم لم يسجلوا أي خرق أمني في مناطقهم».
وذكر أن «حوالي 4 آلاف عراقي قد عادوا بالفعل، بينما لا يزال حوالي 15 ألفًا في المخيم» مؤكداً أن «الأفراد الذين لديهم ملفات أمنية ويدهم ملطخة بالدماء لا يمكنهم العودة إلى العراق».
وبدوره قال مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، إن الحكومة العراقية تعمل على «أكبر عملية إدماج مجتمعي لمن قدموا من مخيم الهول السوري».
جاء ذلك خلال مؤتمر عقدته مستشارية الأمن القومي، لتقييم وتحديث الاستراتيجية العراقية لمكافحة الإرهاب للأعوام (2012 – 2025) بالتنسيق مع جهاز مكافحة الإرهاب وبالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق. وأكد الأعرجي خلال المؤتمر «إخضاع جميع القادمين من مخيم الهول للتأهيل النفسي في مخيم الجدعة، بإشراف وزارة الهجرة والمهجرين وكل الأجهزة الأخرى، وتمت إعادة أكثر من 2000 عائلة إلى مناطقها الأصلية حتى الآن، وما تبقى هو 600 عائلة تخضع للتأهيل، تمهيداً لإعادتها واعطائها فرصة للحياة من جديد».
وأضاف الأعرجي، أن العراق اليوم خالٍ من الإرهاب ويعمل على استتباب الأمن ونجاح ديمومته، مشددا على أهمية «مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث التفرقة والسموم بين العراقيين وعدم السماح لأي طرف أو جهة أن تفرق المجتمع العراقي».
وانسجاما مع هذا التوجه، دعا وزير الخارجية فؤاد حسين، بعض الدول الأوروبية إلى التعاون مع بلاده من خلال تسلم رعاياها المحتجزين في مخيم الهول الذي يضم عائلات تنظيم داعش في سوريا.
ويضم مخيم الهول المكتظ الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية، حسب أرقام إدارة المخيم في كانون الثاني/يناير 2024 أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة، ومعظم هؤلاء من أفراد عائلات عناصر في تنظيم داعش اضافة إلى هاربين من مناطق المعارك في سوريا والعراق خلال السنوات الأخيرة.
وكانت الحكومة العراقية أطلقت بالتعاون مع منظمات أممية دولية، برنامجاً يهدف لتسوية أوضاع آلاف العراقيين العائدين من مخيم «الهول» السوري إلى مناطقهم الأصلية في البلاد، ودعم مبادرة لإجراء مصالحة مجتمعية وإعادة دمج هؤلاء المهجّرين في مدنهم التي خضعت لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» بين الأعوام 2014-2017.
وتعتمد هذه المبادرة، حسب بيان للبعثة الأممية العاملة في العراق، على «خطة الأمم المتحدة لدعم عودة المواطنين العراقيين من شمال شرق سوريا منتصف عام 2023 إلى منتصف عام 2024» بالشراكة مع وزارة الهجرة والمهجرين.
النازحون اللبنانيون للعراق
وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة العراقية إلى إنهاء ملف النزوح الداخلي، برز ملف جديد يتمثل في نزوح آلاف اللبنانيين إلى العراق هربا من العدوان الصهيوني على بلادهم.
وفي ضوء إعلان الحكومة العراقية تقديم التسهيلات لاستقبال النازحين اللبنانيين من جنوب لبنان وإيواءهم في عدة مدن، تشهد بعض المدن مثل كربلاء والنجف وبابل وديالى، قدوم آلاف اللبنانيين الذين يستقرون في تلك المدن، نظرا لوجود فنادق ومدن للزائرين هناك تابعة للعتبات الشيعية في النجف وكربلاء.
ويشير المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية مقداد ميري، إلى أن «عدد الوافدين اللبنانيين للعراق وصل إلى 36.867 غادر منهم 11444 الأراضي العراقية» فيما أفادت إحصائيات الأمم المتحدة دخول أكثر من 25 ألف لبناني إلى العراق، وان نحو 62 في المئة منهم نساء وأطفال، وما زالت جموع اللبنانيين تتوافد على العراق.
وقد اثيرت في مواقع التواصل وتصريحات بعض السياسيين وتسجيلات مسربة، قضية توطين اللبنانيين من الشيعة في بعض مدن العراق، ما تسبب في قلق من أن تطول مدة اللجوء أو أن تكون ضمن مخطط لتوطينهم في بعض مدن العراق، نظرا لارتباط بعض النازحين بفصائل وأحزاب شيعية عراقية ولبنانية وخاصة بعد دعوة رئيس مجلس محافظة النجف، البرلمان إلى الاستفادة من الخبرات الموجودة بين صفوف النازحين اللبنانيين، من خلال التعاقد معهم للعمل في المؤسسات الحكومية، وهو ما دعا وزارة الهجرة إلى نفي مزاعم الرغبة في توطين النازحين اللبنانيين في العراق.
ويذكر انه منذ اندلاع حرب غزة ولبنان، تداولت شخصيات سياسية ومواقع التواصل أخبارا عن وجود مخطط إسرائيلي لتوطين النازحين الفلسطينيين في محافظة الأنبار غرب العراق، إضافة إلى أحاديث عن مخطط لتوطين النازحين اللبنانيين والسوريين في مناطق شيعية، حيث اتهمت بعض الشخصيات السُّنية القوى الشيعية بالسعي لتوطين اللبنانيين في العراق.
ويبدو أن ملف النزوح الداخلي والخارجي في العراق لا يريد ان ينتهي لأسباب متنوعة، منها الخلافات الطائفية والأمنية ونقص الخدمات في مناطق النازحين الأصلية، إضافة إلى تطورات الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة وأبرزها العدوان الصهيوني على غزة ولبنان وربما دول أخرى مستقبلا.