الوثيقة | مشاهدة الموضوع - إيران تعيد تشكيل نفوذها في سوريا
تغيير حجم الخط     

إيران تعيد تشكيل نفوذها في سوريا

مشاركة » الأحد مارس 23, 2025 5:45 am

تناول تقرير نشرته صحيفة “العرب” السعودية، ملف النفوذ الإيراني في سوريا، الذي لم يعد له وجود مع سقوط نظام بشار الأسد، وذكرت أنه في المرحلة المبكرة من الحرب الأهلية السورية أنكرت إيران وجود قواتها على الأراضي السورية رغم وجود أدلة على عكس ذلك. ولاحقًا اضطرت طهران إلى تأكيد تورطها، مبررةً ذلك بـ”مدافعي الحرم”، ومدّعية حماية مرقد السيدة زينب المقدس لدى الشيعة في دمشق.

إلا أن ترسيخ إيران وجودها في سوريا تجاوز الرمزية الدينية بكثير، بل كان موطئ قدم إستراتيجيًا دافعت عنه طهران بكلفة باهظة، وضحّت بالآلاف من قواتها في هذه العملية. بحسب التقرير.

وكان سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024 حدثًا زلزاليًا، وجّه ضربة للنفوذين الإيراني والروسي في سوريا. وبينما لا تزال موسكو، رغم حربها في أوكرانيا والعقوبات الغربية المتزايدة، ملتزمة بقواعدها العسكرية، فإن موقف إيران أكثر تعقيدًا بكثير.

وعلى عكس روسيا، التي تُعدّ مصالحها الأساسية جيوسياسية وعسكرية، ترى إيران سوريا ساحة معركة أيديولوجية وإستراتيجية محورية لطموحاتها الإقليمية.

وتُسلّط الاضطرابات الأخيرة، التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص بينهم مدنيون، في اللاذقية ومدن ساحلية أخرى -معاقل علوية تاريخية- الضوء على هشاشة قبضة الحكومة على السلطة.

من المتوقع أن يتشكل مستقبل سوريا من خلال المصالح المتنافسة للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، كل واحدة منها تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة

ويقول الباحث لقمان رادبي، الزميل في منتدى الشرق الأوسط، إنه لا يُمكن إخضاع هذه الاضطرابات، التي تُغذّيها بقايا حكم الأسد، من خلال عمليات أمنية معزولة أو حظر تجول فحسب، إذ أنها تكشف عن استياء أعمق لا تستطيع دمشق ولا داعمتها الخارجية، تركيا، قمعه بسهولة.

وعلى الرغم من معارضتها لنظام إسلامي سني في دمشق إلا أن إيران، كدولة شيعية، تحتفظ بنفوذها على الطائفة العلوية.

وقد رسّخت طهران تحالفاتٍ دينية وسياسية مع العلويين، ما ضمن استمرار بصمتها الأيديولوجية في سوريا، حتى مع تحوّل المشهد السياسي. ويحتدم الوضع أكثر بسبب الدستور الانتقالي، الذي يُحافظ على هوية سوريا من حيث هي “الجمهورية العربية السورية”، ناكرًا وجود قوميات غير عربية، وفارِضًا رئيسًا مسلمًا يتمتع بسلطة شبه مطلقة، ومُعتبرًا الشريعة الإسلامية “مصدرًا رئيسيًا” للتشريع.

وفي جنوب سوريا يُهيئ الدروز، الذين طالما كانوا حذرين من الفصائل الإسلامية السنية والهيمنة الإيرانية، أنفسهم لتعزيز استقلالهم المحلي. ومن غير المرجح أن يتحالف الدروز مع أي فصيل، بل يستغلون موقعهم لتحقيق حكم ذاتي أوسع.

ومن وجهة نظر تل أبيب يُمثل نظام سني متطرف في دمشق تهديدًا أمنيًا أكبر بكثير من حكومة يهيمن عليها الشيعة، ما يجعل حسابات إسرائيل في سوريا أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

وبالنسبة إلى تركيا يُمثل الوضع المتطور فرصًا وتحديات. فبينما قد تجد أنقرة قواسم مشتركة مع الفصائل السنية الساعية إلى فرض هيمنتها على سوريا، إلا أنها ستظل مقيدة بمصالح إيران.

ورسخت إيران نفسها بعمق في الهياكل العسكرية والاقتصادية والسياسية السورية، حيث لعب الحرس الثوري الإسلامي دورًا محوريًا في تشكيل سياسات النظام السابق.

وتبدو التضحيات، بما في ذلك الآلاف من فيلق القدس والقوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ومليارات الدولارات، التي قدمتها إيران لإبقاء الأسد في السلطة كبيرة، ولا يمكن لأحد أن يتخيل أن طهران ستتخلى ببساطة عن استثماراتها.

واتبع النظام الإيراني هذه الإستراتيجية من قبل؛ فبعد ثماني سنوات من الحرب مع العراق وخسائر فادحة، وسّع نفوذه بثبات على القطاع الشيعي في العراق.

ومن المتوقع أن يتشكل مستقبل سوريا من خلال المصالح المتنافسة للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، كل واحدة منها تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة. وسيظل الجزء الغربي من البلاد، حيث يكافح النظام الجديد لترسيخ سلطته، بؤرةً للاضطرابات.

وفي غضون ذلك من المرجح أن تحافظ المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد والدروز على استقرار نسبي، حيث عززت القوات الكردية، بهياكلها العسكرية والسياسية المنظمة جيدًا، سلطتها بفاعلية وأنشأت آليات حكم مستقلة عن دمشق.

وليس لدى إسرائيل حافز يُذكر لدعم أي تحول جذري من شأنه تمكين الفصائل المعادية. ومع ذلك يبقى ما لا يمكن إنكاره هو أن النظام الجديد في دمشق يفتقر إلى القدرة على كبح نفوذ إيران المتجذر. واستثمرت طهران الكثير من الدماء والموارد إلى درجة أنها لم تتخل عن موطئ قدم لها.

وكانت تقارير صحفية تحدثت عن دور لإيران ومجموعات حليفة لها، في أعمال العنف التي اندلعت مؤخرا في الساحل السوري.

ويجد البحث عن دور إيران وراء هذه الهجمات التي شنها مقاتلون علويون في مناطق الساحل السوري، تزامنا مع بدء المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد فلول النظام السابق، ما يبرره؛ فقد أشارت الإدارة السورية الجديدة إلى أن الاشتباكات التي استهدفت قواتها كانت معدة مسبقا و”منسقة”.

على عكس روسيا، التي تُعدّ مصالحها الأساسية جيوسياسية وعسكرية، إيران ترى في سوريا ساحة معركة أيديولوجية وإستراتيجية محورية لطموحاتها الإقليمية

ولمّح الرئيس السوري أحمد الشرع إلى ضلوع “جهات خارجية” في العنف، دون تسميتها. وقال في خطاب متلفز “نجد أنفسنا أمام خطر جديد يتمثل في محاولات فلول النظام الساقط ومن وراءهم من الجهات الخارجية خلق فتنة جديدة وجر بلادنا إلى حرب أهلية بهدف تقسيمها وتدمير وحدتها واستقرارها.”

وأكد أن “سوريا ستظل صامدة ولن نسمح لأي قوى خارجية أو أطراف محلية بأن تجرها إلى الفوضى أو الحرب الأهلية.”

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد أدلى بتصريحات احتج فيها على الدور الإيراني، ما يكشف أن الاستخبارات التركية كانت على علم مسبق بوجود مثل هذا التحرك.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في حسابه على منصة إكس إن العملية كانت منظمة بشكل كبير، “ما يدل على وقوف جهة ما خلفها، قد يكون حزب الله عمل على تسهيل مرور السلاح، وربما طرف آخر، لكن هناك من يساند هذه المجموعات.”

ويرى متابعون للشأن السوري أن الهجمات تأتي ضمن مناخ من التحريض السياسي والإعلامي في إيران ضد التغيير الذي حدث في سوريا، وفي ظل تصريحات رسمية تتحدث عن ردّ فعل من “شرفاء سوريا”، كما جاء في كلمة للمرشد الأعلى علي خامنئي في ديسمبر الماضي حين قال “أتوقع أن يشهد المستقبل ظهور مجموعة شريفة وقوية في سوريا أيضًا.”

ووصفت أغلب وسائل الإعلام الإيرانية، خاصة المرتبطة بالحرس الثوري، القوات الحكومية السورية بـ”عناصر الجولاني”، وفلول الأسد بـ”قوات المقاومة”، ضمن تغطية تبشر بتغيير الوضع لصالح حلفاء إيران.

وفي ظل تقلبات السياسة السورية المستمرة، لا تزال إيران قوة لا ينبغي لتركيا ولا لحكام دمشق الجدد تجاهلها، إذ يمتلك “محور المقاومة” التابع لها القدرة على إعادة تشكيل نفسه، كما يتضح من الصراع بين هيئة تحرير الشام في دمشق وحزب الله في لبنان
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron