في ذكرى مرور 20 عاماً على تصويت العراقيين على الدستور الجديد في عام 2005، وهو اقتراع كان بمثابة أمل وتحد بالنسبة إليهم، قالت صحيفة “ذي ناشيونال” الصادرة بالانكليزية، إنه كان يفترض أن يعزز إرساء العراق الجديد الديمقراطي والمستقر، لكنه تحول إلى مصدر للتوتر السياسي المستمر، ووسيلة للأحزاب للتمسك بالسلطة.
وقالت الصحيفة الصادرة في أبو ظبي، في تقرير، إنه قبل 20 سنة، خرج العراقيون في تحد للتفجيرات، ووقفوا في طوابير أمام مراكز الاقتراع للتصويت على الدستور الجديد، ورفعوا أصابعهم الملونة بالحبر الإرجواني الذي يضمن عدم حدوث تزوير، في علامة على التحدي والأمل.
وأشار التقرير إلى أن وثيقة الدستور الجديد ولدت من رحم الخوف والاحتلال والتسرع، وقد قيل للعراقيين إنها ستعزز أسس عراق جديد ديمقراطي ومستقر بعد الإطاحة بدكتاتورية صدام حسين بفعل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003، إلا أن هذا الدستور الذي أصبح اليوم الأساس القانوني للبلد، تحول إلى مصدر للتوتر السياسي المستمر، بينما يعتبر العديد من العراقيين، إن حقوقهم الموعودة في الدستور هي “حبر على ورق”.
ولفت التقرير إلى أن هناك أسئلة كثيرة ما تزال بدون إجابة فيما يتعلق بتطبيق الدستور، مشيراً إلى أن هناك انتقادات بأن الدستور أصبح “أحد أكبر خطوط التصدع في البلد”، ووسيلة تستخدمها الأحزاب للتشبث بالسلطة.
ونقل التقرير عن عضو مركز “الرشيد” للتنمية، محيي الأنصاري، قوله خلال ندوة اقيمت قبل أيام لمناسبة مرور قرن على أول دستور للعراق، إن “الدستور يستخدم كغطاء (من جانب الأحزاب) لانتزاع المزيد من الامتيازات، ويعدلونه متى أرادوا”.
وأوضح التقرير أن الأنصاري صوّت للمرة الأولى في انتخابات العام 2010، عندما تصدر ائتلاف “العراقية” المتعدد الطوائف، نتائج الانتخابات، لكنه حرم من فرصة تشكيل الحكومة بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي ساهم في تأمين ولاية ثانية لنوري المالكي، حيث اعتبرت المحكمة أن الكتلة الأكبر التي تتشكل في البرلمان، وليس بالضرورة الكتلة الفائزة بالانتخابات، هي التي ستقوم بتشكيل الحكومة.
ونقل التقرير عن الأنصاري قوله إن “هذا الحكم دمر الديموقراطية الناشئة”، مشيراً إلى أنه لا ثقة لديه بالأحزاب الحالية لتعديل الدستور.
وبحسب رئيس مركز بغداد لدراسات الشرق الأوسط حسام الحاج، كما نقل التقرير عنه، فإن الدستور برغم أنه يعزز مبادئ مثل الفيدرالية، والفصل بين السلطات، والتعددية السياسية، ويضمن الحقوق والحريات، إلا أنه ما تزال هناك ثغرات كما أن الأحزاب تتعامل معه بانتقائية، حيث تعمل بجزء منه وتعطل معظمه.
وأوضح أن الأحزاب السياسية “اخترعت دستوراً موازياً” خلال العقدين الماضيين، في إشارة إلى الأعراف السياسية التي أسستها القوى السياسية المختلفة في العراق لإبقاء النخبة في السلطة.
ونقل التقرير عن الحاج قوله خلال حلقة نقاش نظمها مرصد العراق الديموقراطي، إن هذا “الدستور الموازي يتمتع بقوة القانون، والنظام الحالي هو نتاج له، وليس نتاجاً للدستور الذي يسعى إلى إعادة المؤسسة إلى أساسها القانوني”.
ولفت التقرير إلى أن الذكرى الـ20 للاستفتاء الدستوري تحل اليوم الأربعاء، كم أن هذا العام أيضاً يصادف الذكرى المئوية لأول دستور للعراق، الذي رافق تأسيس الدولة، وهي وثيقة معروفة باسم القانون الأساسي، وأسست لنظام ملكي دستوري ببرلمان مؤلف من مجلسين.
وتابع التقرير أنه كان هناك أيضاً الدستور المؤقت لعام 1958 بعد الانقلاب العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف، والذي رفع شعارات السيادة والعدالة الاجتماعية، إلا أنه فشل في نهاية المطاف في التحول إلى إطار مؤسسي مستقر، ويرجع ذلك أساساً إلى سيطرة روح الثورة عليه بدلا من روحية الحقوق الدستورية.
وأشار إلى أنه تبع ذلك صدور دساتير مؤقتة في الأعوام 1964 و1968 و1970، شكلت تحولاً معاكساً للبلد نحو دولة إيديولوجية، حيث جرى تغييب التعددية وأصبحت السلطة فعلياً في قبضة حزب واحد.
ولهذا، قال التقرير إن الدستور الدائم لعام 2005 شكل نقطة تحول، باعتبار انه الأول الذي يوافق عليه الشعب العراقي في استفتاء عام خلال مرحلة انتقالية صعبة، من الاستبداد نحو الديموقراطية التوافقية.
وذكّر التقرير بأن صياغة دستور 2005 كانت مرتبطة بظروف استثنائية، حيث عملت الجمعية الوطنية الانتقالية العراقية في إطار مواعيد نهائية ضيقة حددها قانون إدارة المرحلة الانتقالية الذي صاغته الولايات المتحدة، وفي ظل بيئة أمنية شابها التمرد والتقاتل الطائفي وانعدام الثقة العميق بين السنة والشيعة والكورد.
وبعدما قال التقرير إن المسؤولين الأميركيين، بما في ذلك السفير وقتها زلماي خليل زاده، لعبوا دوراً وسيطاً رئيساً للضغط من أجل التوصل إلى حل وسطي للوفاء بالمواعيد النهائية لواشنطن، نقل عن خليل زاده قوله، إنها “كانت فترة شديدة الصعوبة، حيث قاطع جزء كبير من المجتمع العراقي، وهم العرب السنة، الانتخابات، وكان هناك الكثير من العنف يجري وكانت البلاد منقسمة”.
ونقل التقرير عن خليل زاده إشارته إلى أنه كانت هناك مخاوف من تزايد الطائفية والانقسام في كل انحاء البلد، قائلاً: “كان التقدير هو أن هناك حاجة لإجراء مصالحة وطنية، ويمكن أن يكون الدستور ميثاقاً وطنياً، وهذا كان يمثل تحدياً كبيراً”.
وبحسب خليل زاده فإن دور الولايات المتحدة كان يتمثل في الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق واسع “من حيث المشاركة في الصياغة ومن حيث الدعم له”، مشيراً إلى أنه وجد نفسه أحياناً “يتنقل بين المجتمعات المختلفة للضغط من أجل إشراك الجميع”.
وتابع التقرير أن المتنافسين السياسيين انخرطوا طوال شهور، في مناقشات مكثفة للتوصل إلى حل وسطي، مما قاد إلى وجود نص طموح وغامض في الوقت نفسه، وضم خليطاً من الوعود لاسترضاء الجميع، بينما ظهر المزيد من الخلافات خلال العملية بين الشيعة والسنة والكورد، خصوصاً حول الفيدرالية والنفط والتحكم في الموارد بين بغداد والمناطق، والدين والقانون، والأحوال الشخصية، وحقوق الأقليات والأراضي التي يطالب بها الكورد، والمعروفة بالأراضي المتنازع عليها.
وأشار إلى أنها قضايا ما تزال حتى يومنا هذا تشكل نقطة خلاف تقوض مفهوم الفيدرالية الذي كرسه الدستور.
وأضاف التقرير أنه جرى الاعتراف بالحكم الذاتي الكوردي ضمن إطار دولة عراقية اتحادية، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الـ20 الماضية، ظهرت جذور العديد من النزاعات بين السلطات في بغداد وأربيل، ونسبت إلى الدستور، حيث يتهم كل طرف الآخر بخرق الشروط.
ولفت التقرير إلى أنه خلال العقدين الماضيين، ظهر أن بعض القضايا من الصعب أن تطبق بحسب ما ينص عليه الدستور وظلت معلقة، مثل القانون الاتحادي المتعلق بالنفط والغاز، بينما تمت تسوية قضايا أخرى، ولكن فقط بعد مناقشات مطولة ومن خلال التوافق.
وأضاف أنه خلال السنوات الماضية، فإن عدداً متزايداً من السياسيين العراقيين، بمن فيهم بعض الذين كافحوا من أجله، انتقدوا الدستور بشكل علني، وحملوه مسؤولية العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية في العراق.
وبحسب التقرير، فإن الدستور ينص على ضرورة تشكيل لجنة من قبل مجلس النواب بعد الاستفتاء للنظر في تعديلات على نصه، وهو ما يتطلب لاحقاً موافقة كل من البرلمان وإجراء استفتاء وطني، مشيراً إلى أنه تم بالفعل إنشاء هذه اللجنة، إلا أنه جرى تجميد التوصيات بسبب الخلافات العميقة.
واستعاد التقرير تصريحاً لزعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم قال فيه مؤخراً “نحن مع عقد سياسي واجتماعي جديد، وهو ما يتطلب مراجعة الدستور وضمان أن أحكامه تتوافق مع التطورات التي شهدها العراق على مدى السنوات الـ20 الماضية”.
لكن اقتراحاً كهذا، لم يلق تأييداً من رجل الأعمال البغدادي علي حميد الذي نقل التقرير عنه قوله: “كيف يمكن لمن تسبب في المشكلة واستفاد منها أن يأتي بالحل؟”.