عمان – “رأي اليوم” – خالد الجيوسي:
تتسابق فيما يبدو الدول الإقليمية لتقديم الحماية لدول الخليج، في ظل تعاظم التطاول الإسرائيلي الذي تمثّل في العدوان على قطر في مُحاولةٍ لاغتيال قادة حماس على أراضيها، حيث لجأت العربية السعودية لنووي باكستان، ولا تزال بقية الدول تأخذ وعود الحماية الأمريكية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يأخذ المخاوف الخليجية في سياق المصالح التركية، وفي هذا التوقيت الحسّاس الذي قد تذهب فيه إسرائيل للعدوان على إيران، ولهذا تأتي زيارته السريعة لثلاث دول خليجية، تبدأ من الكويت خلال الفترة الممتدة من 21 إلى 23 أكتوبر الجاري.
وتشمل الجولة قطر، وعُمان أيضًا، تحت شعار الوضع الإنساني في غزة وعملية وقف إطلاق النار، ولكن من المؤكد أن في جُعبة الرئيس التركي طُروحات تتعلّق بتقديم الحماية للدول الخليجية الأضعف، من خلال بيع السلاح التركي.
وبحسب صُحف محلية تركية، تهدف جولة الرئيس أردوغان الخليجية أيضًا إلى اتخاذ خطوات جديدة من شأنها تعميق أواصر التعاون في مجالات حيوية كالصناعات الدفاعية والطاقة والاستثمار.
وعزفت السفيرة التركية طوبى نور سونمز على أنغام الزيارة التي تبدأ بالكويت، فقالت في تصريحات لجريدة “الأنباء” الكويتية إن “أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن تركيا القومي”، وإن أنقرة تُولي أهمية استراتيجية بالغة لشراكتها مع الكويت.
ويبدو أن أمن الخليج الذي استباحته إسرائيل في قطر، بات جُزء لا يتجزّأ من الأمن القومي لكل الدول التي تطمح للاستثمار بأموال دول الخليج، تحت عنوان الحماية.
ويطمح الرئيس أردوغان لدعم اقتصاده المُتهالك، حيث أكّدت سفيرته في الكويت سيتم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ستوفر إطارًا قانونيًّا أوسع للشراكة في مُختلف القطاعات، بما في ذلك الاستثمار والطاقة والدفاع والتجارة والنقل.
ورغم تراجع الدولار الأميركي عالميًّا، هوت الليرة التركية إلى مستوى قياسي منخفض، مواصلة تراجعها البطيء، حيث انخفضت الليرة التركية بنسبة 0.2 في المئة لتصل إلى 41.9500 مقابل الدولار الأميركي، قبل أن تقلص خسائرها ليجري تداول الورقة الخضراء عند 41.9477 ليرة، إذ تتجه العملة التي تراجعت بنسبة 16 في المئة هذا العام نحو تسجيل خسائر للأسبوع الـ15.
ولافت أن جولة الرئيس أردوغان السريعة التي تشمل ثلاث دول في ثلاثة أيام فقط، لم تشمل كُل من السعودية، والإمارات، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول سبب غياب هذه الدول عن جولة أردوغان، وإذا كانت هذه القيادات غير راغبة في استقباله بهذا التوقيت الأمني الحسّاس، حيث الرياض وجدت ضالّتها الأمنية في باكستان.
وسادت العلاقات بين تركيا والسعودية لسنوات طويلة حالة من الجمود، وذلك خلال السنوات الست التي تلت مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية بإسطنبول، لم تكن العلاقات التجارية – كما السياسية – في أفضل حالاتها.
وعلى مدى هذه السنوات، قاطعت السعودية بشكل غير رسمي المنتجات التركية، ودعت الحكومة السعودية المواطنين إلى الامتناع عن السفر إلى تركيا أو شراء عقارات فيها.
اليوم، ووفقًا لـ”مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا” (DEIK)، تنشط اليوم حوالي 200 شركة تركية في السعودية، خاصة في مجالات مثل البناء، والطاقة، والصحة، والغذاء، والأثاث، والسياحة.
وبعد المصالحة بين قيادتي الدولتين، حصلت الشركات التركية في السعودية على عقود بنية تحتية متنوعة بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 10 مليارات دولار، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، حصلت شركات البناء التركية على أكبر عدد من العقود عالمياً من السعودية، بقيمة تصل نحو 2.3 مليار دولار.
غياب السعودية والإمارات عن جولة أردوغان الحالية، يبدو أن مرّده الأساسي يعود إلى أن علاقة تركيا وقطر، مع حركة حماس، أفضل مما هي عليه مع السعودية، والإمارات، حيث سلاح المُقاومة وتسليمه أمر أساسي لكل من الرياض، وأبوظبي، وتسليم القطاع لحُكم مدني، كما غابت الوساطة السعودية والإماراتية عن مشهد الحرب في غزة، ونظرة الإمارات السلبية لحركات الإخوان المسلمين ورفضها المُطلق لحكمها، وكذلك السعودية.
وكان ترأس الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، الاجتماع الأول للجنة الإستراتيجية العليا بين البلدين، قبل أكثر من ثلاثة أشهر.
وبحث الجانبان خلال الاجتماع، الذي عقد في القصر الرئاسي في أنقرة، تطور مسارات التعاون في مختلف المجالات التي تخدم أولويات التنمية في البلدين وتسهم في تحقيق مصالحهما المشتركة، وذلك في إطار الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمع الإمارات وتركيا.
ولافت أن الرئيس أردوغان سيختتم زيارته لسلطنة عُمان، حيث تلعب السلطنة دورًا مُحايدًا في ملفات المنطقة، ولها وزنها الإقليمي، واهتمام أردوغان بها أبعد من سياق تقديم الحماية الأمنية، والذي لا تحتاجه عُمان من تركيا.
ويرد أردوغان زيارة تُوّجت بالتوقيع على عددٍ من الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم، وهي زيارة “دولةٍ” قام بها السلطان العُماني هيثم بن طارق في نوفمبر الماضي لتركيا.
ولا تزال تحتفظ قطر أساسًا بقاعدة عسكرية تركية على أراضيها، وسط تساؤلات حول دورها في حماية الدوحة، حيث هجوم إسرائيلي وقع، واستهدف قادة حماس، دون أن يُحرّك الأتراك ساكنًا، أو فشلوا في ذلك.
ونما التحالف التركي- القطري على وجه الخُصوص بقوّة خلال العقد الماضي، وبلغ ذروته في توقيع اتفاق للدفاع عام 2014، ونشر القوات التركية في الدوحة خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي عام 2017، وافتتاح مقر القيادة المشتركة في قاعدة خالد بن الوليد العسكرية، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.