لندن – الزمان
في خطوة غير مسبوقة في رصد نزاهة البحث العلمي على مستوى العالم، أصدرت قاعدة بيانات RI² (Research Integrity Risk Index تصنيفًا يقيس مستوى المخاطر التي تواجهها الجامعات في مجال النزاهة الأكاديمية.
و كشفت المفارقة المؤلمة عن ورود ثماني جامعات عراقية ضمن هذا التصنيف بدرجات متفاوتة، من “الخطر العالي” وصولًا إلى الفئة الحمراء “Red Flag” – وهي أعلى مستويات الخطورة التي تشير إلى وجود خلل ممنهج في بيئة البحث العلمي داخل المؤسسة.
ويُعد هذا التصنيف مؤشراً صارخاً لا يُقيس جودة البحث أو الإنتاج العلمي، بل يُقوّم مدى التزام الجامعة بمبادئ النزاهة، اعتمادًا على مؤشرين رئيسيين:
الأول، معدل سحب البحوث (Retraction Rate)، أي نسبة الأوراق العلمية التي تم سحبها بعد النشر بسبب انتحال أو تزوير أو تضارب مصالح أو أخطاء جسيمة، يشكّل أحد أركان المؤشر.
والثاني معدل النشر في مجلات محذوفة (Delisted Journals Rate)، وهي المجلات التي تم استبعادها من قواعد بيانات Scopus أو Web of Science نتيجة عدم مطابقتها للمعايير الأكاديمية الدولية.
وكلما ارتفعت نسبة السحب أو النشر في مجلات ضعيفة أو مشبوهة، ارتفع مؤشر RI²، ما يضع الجامعة في موقع مقلق أمام العالم.
وبحسب التصنيف الصادر في شهر حزيران 2025، تضمنت القائمة ثماني جامعات عراقية، كان على رأسها جامعة المستقبل العراقية، التي وقعت ضمن فئة “Red Flag” (الراية الحمراء)، ما يعني وجود انتهاكات منهجية ومنتظمة لنزاهة البحث، وهو التصنيف الأخطر على الإطلاق.
وجامعات بغداد، بابل، البصرة، الموصل، والكوفة جاءت جميعها ضمن فئة “High Risk” (الخطر العالي)، وهي الفئة التي تعني وجود مخاطر ملموسة وجدية في بيئة البحث العلمي، رغم أنها أقل شدة من الفئة الحمراء.
ويُترجم وجود جامعات عراقية في هذا التصنيف إلى تداعيات خطيرة على عدة مستويات علمية وأخلاقية وتمويلية.
وتواجه الأبحاث الصادرة من تلك الجامعات شكوكًا متزايدة، وتُراجع بدقة مضاعفة عند محاولة النشر أو الاستشهاد بها في المجلات العلمية الرصينة.
و تحجم المؤسسات والمنح الدولية عن تمويل باحثين أو مشاريع من جامعات مصنّفة كمصدر خطر في النزاهة الأكاديمية، وهو ما قد يُقصي الباحث العراقي عن المنافسة الدولية.
ويفتح الاعتماد على النشر في مجلات وهمية أو محذوفة ضمن ملفات الترقية الأكاديمية الباب أمام مراجعة جذرية لآليات التقييم والترقي داخل الجامعات العراقية.
وقال اكاديميون متمرسون انه يجب أن يدرك صناع القرار في العراق أن مواجهة تحديات نزاهة البحث العلمي ليست مجرد مهمة أكاديمية داخل جدران الجامعة، بل هي ضرورة وطنية تستوجب تكاتف جميع الجهات المعنية، من وزارة التعليم العالي، والجامعات، والباحثين، والمجتمع العلمي ككل.
وعلى العراق أن يبدأ بوضع إطار قانوني مؤسسي صارم يضمن احترام معايير النزاهة العلمية، ويعاقب كل من يخالفها، مع تأسيس هيئات رقابية مستقلة وشفافة قادرة على التحقيق والمحاسبة، والاستثمار في أدوات التكنولوجيا الحديثة التي تكشف وتمنع التزوير والانتحال العلمي.
ويتطلب هذا المسار إرادة سياسية واضحة، واستثمارًا مستدامًا في الثقافة الأكاديمية وأخلاقياتها، لأنه السبيل الوحيد لاستعادة سمعة البحث العلمي العراقي وبناء مستقبل أكاديمي يليق بتاريخ العراق العريق وعطائه الحضاري.