تتمتع تركيا بمكانة فريدة لمساعدة العراق على الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وأن تكون شريكة له، خصوصاً في ظل النمو السكاني السريع، وعملية التحضر، وتداعيات التغيير المناخي، وهو ما جعل التحول إلى الطاقة المتجددة ليس خياراً، وإنما ضرورة إستراتيجية لبغداد، بحسب ما خلصت إليه صحيفة “ديلي صباح” التركية.
وذكرت الصحيفة التركية في تقرير أن أنقرة ومع بدء العراق في التحول إلى الطاقة المتجددة، فأنها تحظى بمكانة جيدة لتصبح شريكاً رئيسياً للعراق الذي طالما اعتمد في تطوير قطاع الطاقة على إنتاج النفط والغاز الطبيعي، وهو ما خلق مخاطر على الاستدامة البيئية.
وأشار التقرير التركي إلى أنه فيما يعاني العراق من انقطاع التيار الكهربائي، والذي يمثل مشكلة متواصلة للحكومات المتعاقبة، إلا أنه بات ينظر إلى الطاقة المتجددة الآن بشكل متزايد على أنها حل رئيسي، خصوصاً وأنها توفر فرصاً كبيرة، ليس فقط في مجال توليد الكهرباء، وإنما أيضاً من حيث التنويع الاقتصادي والاستدامة البيئية.
وبحسب التقرير، فإن بمقدور مشاريع الطاقة الشمسية والرياح أن تؤمن بدائل لاقتصاد هذا البلد الذي يعتمد بشكل كبير على عوائد النفط، وأن تخلق فرص عمل في المناطق الريفية، وتساهم في مكافحة التغيير المناخي من خلال الحد من مستويات انبعاثات الكربون.
وبرغم ذلك، قال التقرير إن هناك العديد من العوائق، تتضمن الافتقار إلى البنية التحتية، والخبرة التكنولوجية المحدودة، ومشكلات التمويل، وعدم الاستقرار السياسي، وهو ما يساهم في عرقلة التطور السريع للاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة.
ورأى التقرير أن العراق بإمكانه أن يكتسب هذه الإمكانات، وذلك من خلال تعزيز الإرادة السياسية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ونقل التقنيات الحديثة، محذراً أنه من دون القيام بذلك، فإن الموارد الطبيعية للعراق ستبقى غير مستغلة، وسيجعله معرضاً لخطر التخلف عن مسيرة التحول العالمي في مجال الطاقة.
وبعدما أشار التقرير إلى أن العراق برغم احتياطياته الغنية من النفط والغاز الطبيعي، فأنه يواجه مشاكل خطيرة في إمدادات الطاقة حيث أصبح انقطاع التيار الكهربائي أمراً روتينياً في أجزاء كثيرة من البلد، لفت إلى أن اختلال التوازن بين العرض والطلب يتسبب في كثير من الأحيان بانقطاع التيار الكهربائي، في حين أن الاستخدام الكبير للوقود الأحفوري يؤدي إلى تلوث البيئة ويقيد قطاع الطاقة.
وقال التقرير إن إمكانات الطاقة المتجددة في العراق، توفر بديلاً حاسماً، حيث أن الطاقة الشمسية، تتميز بمستويات عالية على مدار العام تقريباً، وهي يمكنها أن توفر مورداً قادراً على سد الثغرة الكهربائية في البلد.
وتابع قائلاً إن بغداد والمناطق الجنوبية تحصل على فترات سطوع شمسي أطول بكثير مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية، ولهذا يعتبر العراق من بين الدول ذات أعلى الإمكانات فيما يتعلق بالطاقة الشمسية في المنطقة، موضحاً أن العاصمة بغداد تحصل على أكثر من ثلاثة آلاف ساعة من أشعة الشمس سنوياً، ما يعني أن العراق يتمتع بالقدرة على جعل توليد الطاقة الشمسية إستراتيجية وطنية.
وحول مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، قال التقرير إنه في العراق، تبلغ طاقة الرياح ذروتها خلال شهور الصيف، وتتداخل مع ذروة الطلب على استهلاك الكهرباء، وهو توافق يجعل التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة أكثر جاذبية للعراق في الحد من انقطاعات التيار الكهربائي.
وبرغم ذلك، لفت التقرير إلى أن حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية ظلت بنسبة 0.3% في العام 2023، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 13%.
وبين أنه في الوقت الحالي، تعتبر الطاقة الكهرومائية (0.9%) أكبر مصدر للكهرباء النظيفة في العراق، وهو أقل بكثير من الإمكانات التي توفرها جغرافية العراق، مشيراً إلى أنه جرى توليد أكثر من 98% من كهرباء العراق من الوقود الأحفوري خلال العام 2023.
وبعدما استعرض التقرير خطط الحكومة العراقية للحد من هيمنة الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، ومكافحة التغيير المناخي، وتعزيز أمن إمدادات الطاقة، أشار التقرير إلى أن الطاقة المتجددة تحتل مكانة محورية في رؤية العراق 2030، إلا أنه نوه إلى أن معظم هذه الأهداف ما تزال مجرد خطابات سياسية وإعلانات نوايا، بدلاً من دمجها في إستراتيجية وطنية شاملة موحدة.
لكن التقرير اعتبر أن التعاون الطويل في مجال الطاقة بين تركيا والعراق، يكتسب أهمية خاصة حالياً، مضيفاً أن دبلوماسية الطاقة التاريخية بين البلدين تمحورت حول تدفقات النفط الخام عبر خط أنابيب كركوك – جيهان، إلا أن التحول في مشهد الطاقة اليوم، يوسع العلاقات الثنائية إلى ما هو أبعد من النفط.
وأشار إلى أن منتدى بغداد الدولي للطاقة الذي عقد في بغداد مؤخراً، عسكس هذا المنظور الجديد بوضوح.
ونقل التقرير تصريحات لنائب وزير الطاقة التركي، أحمد بيرات تشونكار، قال فيها إن علاقات الطاقة قد اتسعت لتتجاوز الموارد الأحفورية بكثير، وبينما أكد على الجهود الحالية لإعادة تفعيل خط أنابيب كركوك – جيهان، فأنه شدد على أن إمكانات التعاون بين أنقرة وبغداد اليوم أكبر من أي وقت مضى.
وتابع التقرير أن النقطة الحاسمة تكمن في أن هذا التعاون يتطور الآن ليس فقط في مجال النفط وخطوط الأنابيب، وأنما أيضاً من خلال مشاريع الغاز الطبيعي وتكامل الكهرباء والطاقة المتجددة.
وأضاف أن أهداف العراق لتعزيز الطاقة المتجددة بحلول العام 2030 تتوافق مع رؤية تركيا في أن تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
واعتبر التقرير أن تعاون تركيا مع العراق في مجال الطاقة المتجددة، يقدم فوائد تقنية وإستراتيجية، موضحاً أن العراق يظهر من خلال الأشعة الشمسية العالية، كوجهة استقطاب طبيعية لاستثمارات الطاقة الشمسية.
وفي المقابل، قال التقرير إن بإمكان تركيا من خلال خبرتها الهندسية وقدرتها على تصنيع المعدات وتطوير المشاريع، أن تقوم بدور الشريك القوي في تحول الطاقة في العراق، لا في مجال تجارة النفط فقط، وأنما أيضاً من خلال تكامل شبكات الكهرباء، والتعاون في مجال الغاز الطبيعي، واستثمارات الطاقة المتجددة.
وختم التقرير بالإشارة إلى مشروع “طريق التنمية” الذي أدرج على جدول أعمال البلدين، وأصبح يشكل عنصراً مهماً في دبلوماسية الطاقة، حيث أنه صمم ليس فقط كممر لوجستي وتجاري، وأنما أيضاً كطريق طاقة متكامل يشمل البنية التحتية للطاقة المتجددة.
وخلص التقرير التركي إلى القول أنه من خلال هذه الطريقة، فإن علاقات الطاقة بين تركيا والعراق، تتحول إلى محور إستراتيجي لاستقرار المنطقة وازدهارها.