يرتبط إطلاق الباحثة الإسرائيلية-الروسية اليزابيث تسوركوف بسلسة من الأحداث والتحولات المتعلقة بالعراق وإيران ولبنان وغزة، وسياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تعكس محنتها التي استمرت أكثر من عامين، التصدعات الجيوسياسية وحسابات الحكومة العراقية و”فصائل المقاومة”، وذلك بحسب خلاصة تقرير لموقع “أمواج”.
ولفت التقرير البريطاني إلى وجود تكهنات عما إذا كانت هناك صفقة قادت إلى إطلاق سراح تسوركوف، وحقيقة علاقتها بالاستخبارات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن بيان ترامب حول إطلاق سراحها تضمن أيضاً دعوة حركة حماس الفلسطينية إلى إطلاق سراح الإسرائيليين الذين تم أسرهم في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ومع أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قال في تدوينة له إن إطلاق سراح تسوركوف جاء نتيجة أمر تنفيذي رئاسي صدر مؤخراً في أمريكا، يحدد عقوبات شديدة على الدول الراعية “للاحتجاز غير القانوني”، إلا أن العديد من وسائل الإعلام الإقليمية المقربة من إيران، وصفت إطلاق سراح تسوركوف على أنه انتصار استراتيجي لـ”المقاومة” في العراق.
حيث اعتبرت قناة الميادين، ومقرها بيروت، أن إطلاق سراحها مرتبط بشروط رئيسية، أبرزها “تمهيد الطريق لانسحاب أمريكي كامل من العراق دون قتال”.
أما وكالة “تسنيم” للأنباء، وهي وسيلة إعلامية تابعة للحرس الثوري الإيراني، فقد نقلت عن “مصدر مطلع” قوله إنه تم إطلاق سراح شخصيتين من “المقاومة” في صفقة تبادل، هما القبطان اللبناني عمدا أمهز الذي خطفه الإسرائيليون في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بوصفه قائد بحري في حزب الله الذي ينفي ذلك، بالإضافة إلى شخص آخر لم تحدده “تسنيم”، لكن تقارير سابقة كانت تناول قضية الإيراني محمد رضا نوري المسجون في العراق بتهمة قتل الأستاذ الأمريكي ستيفن ترويل.
ونقل التقرير إشادة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بـ”الجهود الكبيرة التي بذلتها أجهزتنا الأمنية” لتأمين تحرير تسوركوف، في حين لفت إلى موقف النائب فائق الشيخ علي الذي ربط بين إطلاق تسوركوف والهجوم الإسرائيلي الذي لا سابق له، على مفاوضي حماس في قطر باليوم نفسه، مشيراً إلى أن إطلاق سراحها نابع من مخاوف من أن “يأتي دورنا” بعد الضربة في قطر.
لكن التقرير، اعتبر أن إطلاق سراح تسوركوف هو بمثابة نهاية ملحمة استمرت عامين ووصلت إلى أعلى مستويات التأثير الجيوسياسي، وساهمت في تعقيد العلاقات العراقية-الأمريكية وسط صراع دبلوماسي متزايد حول النفوذ الإقليمي لإيران.
وفي حين لفت التقرير، إلى اعتقاد الخاطفين بأن تسوركوف عميلة إسرائيلية تحاول فتح علاقات مع الصدريين، وهم خصوم الجماعات المدعومة من إيران، أشار إلى أفكار “جنون العظمة” داخل الفصائل الشيعية، تفيد بأن تسوركوف خطفت بعد المنافسة الشرسة بين حلفاء طهران العراقيين وبين التيار الصدري على المشهد السياسي.
وتابع التقرير البريطاني، أن قضية تسوركوف اتخذت بعداً إقليمياً أوسع بعدما جرى ربط قضية خطفها بحرب غزة والإسرائيليين الذين أسرتهم حركة حماس حيث حثت تسوركوف في شريط فيديو وزع لها، العائلات الإسرائيلية على إنهاء حرب غزة لإنقاذ الأرواح وتأمين إطلاق سراحها.
وبحسب التقرير، فإن جهود الوساطة التي شاركت فيها دول الخليج وصلت إلى طريق مسدود جزئياً بسبب ما يعتقد أن مطالبات الفدية مبالغ بها، وهو ما يشير إلى أن خاطفي تسوركوف اعتبروها مكسباً استراتيجياً، وليست مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب مالية سريعة.
وأشار التقرير البريطاني، إلى أنه برغم التكهنات المتزايدة، فإن أي جهة معنية لم تؤكد حتى الآن تفاصيل ما قاد في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح تسوركوف.
إلا أن التقرير رأى أن التوقيت في ظل التصعيد الإقليمي والضغط الأمريكي الحاد على إدارة السوداني، يعني أن مجموعة من العوامل قد أثرت على القضية، موضحاً أن دور السوداني المفترض في تأمين تحريرها، يعني أن رئيس الوزراء العراقي الذي يسعى لنيل ولاية ثانية، يواصل جهوده المكثفة لتجنب إمكانية فرض عقوبات أمريكية على العراق في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
كما لفت التقرير إلى أن الإطار التنسيقي تحرك مؤخراً لإيقاف مشروع قانون الحشد الشعبي المثير للجدل، وهي خطوة اتخذت على ما يبدو تحت تهديد بفرض عقوبات أمريكية قوية.
واستنتج التقرير أن إطلاق سراح تسوركوف ربما يكون مؤشراً على ديناميكية متطورة في الصراعات بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، مذكراً بأن الخطوة جاءت بعد إعلان الأمر التنفيذي الأخير لترامب لمواجهة ما يسمى “دبلوماسية الرهائن”، مما يشير إلى أن واشنطن ستعمد إلى اعتماد نهج أكثر مباشرة في مفاوضات الأسرى.
ورأى التقرير أنه في ظل نقل الولايات المتحدة قواتها في العراق إلى إقليم كوردستان، فإن ربط وسائل الإعلام الموالية لإيران لإطلاق تسوركوف بجداول انسحاب القوات، لا يقول الكثير على الأرجح عن الديناميكيات الأساسية الجارية.
إلا أنه أضاف أن التركيز على تجنب المواجهة مع تأمين فك الارتباط الأمريكي، ربما يكون إشارة إلى أن الجماعات الشيعية المسلحة التي ربما تعبر عن تحول إقليمي أوسع، تفضل بشكل متزايد المسار الدبلوماسي والسياسي على التصعيد العسكري.
وخلص التقرير إلى القول إنه فيما يتعلق بالحكومة العراقية، والسوداني شخصياً، فإن نجاح التسهيلات لإطلاق سراح تسوركوف مع الحفاظ على علاقات عمل مع الفصائل المدعومة من إيران، قد يظهر براعة سياسية في التعامل مع حلفاء هو في أمس الحاجة إليهم.