بغداد/ محمد العبيدي
تتحوّل التحذيرات الرسمية في العراق من التعامل مع شركات التداول الإلكترونية غير المرخّصة إلى ما يشبه "صافرة إنذار" متكررة، في ظل تنامي شكاوى المواطنين من عمليات نصب واحتيال واسعة، وتزايد نشاط منصات تعمل خارج الإطار القانوني، ما يؤشر فجوة واضحة بين البلاد والاقتصادات الإقليمية التي سبقت في تنظيم أسواق التداول الحديثة والعملات الرقمية والتجارة الإلكترونية.
وعلى مدى الأشهر الماضية، أصدرت هيئة الأوراق المالية والبنك المركزي العراقي سلسلة بيانات تؤكد انتشار شركات وهمية تبيع الوهم للمستثمرين عبر عروض تداول العملات والأسهم والذهب والنفط وحتى العملات المشفرة، مستغلةً ضعف الرقابة وقلة الوعي المالي لدى الجمهور، ومتخذة من وسائل التواصل الاجتماعي منفذاً لبث محتوى تسويقي مضلل يَعِدُ بأرباح يومية وسحب فوري للأموال. وهذه الشركات – وفق التحذيرات الرسمية – تستخدم أسماء وهمية وتزعم حصولها على تراخيص من البنك المركزي أو هيئة الأوراق المالية، رغم أن الجهتين لا تمنحان أي رخصة لمثل هذا النشاط داخل العراق، كما أن المضاربات على العملات المشفرة محظورة قانوناً وتُعدّ مشمولة بأحكام قوانين غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ورغم هذه الخطوات، يرى مختصون أن التحذيرات وحدها لم تعد كافية، وأن العراق يواجه مشكلة بنيوية أعمق تتعلق بتأخر الأُطر التشريعية الخاصة بالاقتصاد الرقمي، وغياب تنظيم فعلي لسوق التداول الإلكتروني، في وقت أصبحت فيه دول المنطقة تمتلك منصات مرخّصة وقوانين تحمي المستثمرين وتوفر منافذ استثمارية منظمة تدرّ مليارات الدولارات سنوياً.
ثغرات تشريعية
ويخلو العراق حتى اليوم من إطار قانوني واضح للتعامل مع مفاهيم اقتصادية حديثة مثل الفوركس، والعملات الرقمية، والتداول بالأسهم العالمية، والمحافظ الرقمية، والتجارة الإلكترونية، وهذا الفراغ التشريعي سمح بظهور مئات الصفحات والمكاتب التي تمارس نشاطات مالية دون سند قانوني، فيما يجد المواطن نفسه بلا حماية قانونية عند التعرض للاحتيال أو خسارة أمواله.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن العراق كان قادراً خلال السنوات الماضية على استثمار موجة التحول الرقمي، خصوصاً مع انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، لكن غياب السياسات الاستباقية سمح للدول المجاورة – مثل الإمارات وتركيا والأردن والسعودية – بتطوير أسواق تداول منظمة وجذب رؤوس الأموال، بينما بقيت السوق العراقية خارج هذا التطور.
فرص اقتصادية ضائعة
يؤكد مختصون أن فتح باب الترخيص لشركات تداول عالمية أو محلية تحت إشراف حكومي صارم كان يمكن أن يوفر للعراق مورداً اقتصادياً جديداً، ويساهم في بناء سوق مالية أكثر تنوعاً، إلا أن السلطات المالية فضّلت سياسة "الإغلاق الكامل" خشية استغلال التداولات في غسل الأموال أو تهريب العملة أو الاحتيال على الجمهور.
ومع أن هذه المخاوف قد تبدو "مبررة" – وفق مختصين - إلا أن استمرار العراق خارج منظومة الاقتصاد المالي الحديث يعني خسارة فرص كبيرة، سواء عبر الضرائب، أو عبر دمج الشباب في سوق عمل رقمية، أو عبر تطوير قطاع الريادة التكنولوجية الذي يعاني أصلاً من ضعف الدعم الحكومي. بدوره، رأى الباحث الاقتصادي عبدالسلام حسن أن "التحذيرات الرسمية تؤشر مشكلة أكبر تتعلق بغياب رؤية اقتصادية واضحة لتنظيم الاقتصاد الرقمي داخل البلاد"، مشيراً إلى أن "العراق ترك فجوة واسعة خلال السنوات الماضية سمحت للشركات الوهمية بالتمدد».
وأضاف لـ(المدى) أن "الاقتصادات الحديثة تعتمد اليوم على أدوات استثمارية جديدة أسهمت في توسيع حركة رؤوس الأموال، لكن العراق ما زال يتعامل معها بتردد وشك، من دون أن يضع إطاراً قانونياً واضحاً ينظمها أو يستفيد منها».
وبرغم تصاعد التحذيرات الرسمية، لا يزال مواطنون يتعرّضون للمخاطر ذاتها بصورة متكررة، إذ تتكرر شكاوى الخسائر والاحتيال من دون أن يرافقها نظام رقابي رادع أو إطار قانوني يحاصر هذه الظواهر.