كان من المقرر أن يحضر “نور زهير” وهو المتهم الأول بسرقة الأمانات الضريبية في العراق إلى المحكمة الجنائية المركزية في بغداد لمحاكمته، اليوم الثلاثاء إلا أنه لم يحضر، مما دفع محكمة جنايات مكافحة الفساد إلى إصدار مذكرة إلقاء قبض بحقه، وبعدها بدقائق قليلة أصدرت مذكرى قبض أخرى بحق “هيثم الجبوري” المتهم الثاني بسرقة الأمانات الضريبية والتي عُرفت اعلامياً بـ”سرقة القرن”.
وازداد الغموض في قضية المتهم الرئيسي بـ«سرقة القرن»، بعد أنباء عن إصابته في حادث مروري “مزعوم”»” ببيروت، فيما كشفت مصادر لبنانية معلومات عن دخوله وخروجه من البلاد في غضون 3 أيام، دون إشارة قضائية بحقه في «مطار رفيق الحريري».
وذكرت وسائل إعلام لبنانية فجر السبت أن «رجل الأعمال العراقي نور زهير المظفر نجا بالكاد من حادث مروري في منطقة الحدث»، إحدى ضواحي بيروت.
وزهير هو المتهم الأبرز في قضية الاستيلاء على 2.5 مليار دولار من أموال «الأمانات الضريبية»، في واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في البلاد.
وسحبت الأموال بين أيلول 2021، وآب2022 من خلال 247 صكاً تم صرفها من قبل 5 شركات، ثم سحبت نقداً من حسابات هذه الشركات، وفر معظم مالكيها خارج البلاد، وفقاً لتحقيقات عراقية بدأت عام 2022، ولا تزال مستمرة.
وأثارت أنباء الحادثة جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف صحافيون وناشطون إصابة زهير بـ«المزورة». وقالت النائب سروة عبد الواحد، في منشور على «إكس»، إن «الحادث مسرحية فاشلة».
ولاحقاً خلال صباح السبت، حذفت وسائل إعلام لبنانية ما نشرته عن الحادث المروري في «الحدث».
زهير في “سانت تيريز”
وقالت مصادر لبنانية متقاطعة إن «عراقياً باسم نور زهير المظفر وصل بالفعل إلى مستشفى سانت تيريز على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية، وكان مصاباً برضوض طفيفة».
ويلزم القانون اللبناني المستشفيات بإبلاغ الجهات الأمنية عند وصول أي مصاب بحوادث السير، إلا أن مستشفى «سانت تيريز» لم يقم بذلك، لأن «حالة المريض (العراقي) لم تستوجب»، وفقاً للمصادر.
بدوره، أكد مسؤول بارز في قوى الأمن الداخلي اللبناني أن «المخافر في بيروت والضواحي القريبة لم تُبلغ بأي حادث سير لمواطن عراقي يحمل اسم نور زهير».
وأكد المسؤول اللبناني أن «قوى الأمن سألت مستشفى سانت تيريز عن سبب عدم التبليغ وأفاد بأن المذكور حضر بالفعل، لكن إصابته طفيفة جداً لم تكن تستوجب إبلاغ الأمن اللبناني، أو منحه تقريراً طبياً عن حادث مروري».
مع ذلك، قالت النائب سروة عبد الواحد إن تحقيقاً فُتح مع طبيب في المستشفى منح زهير تقريراً طبيباً مزوراً.
كيف دخل زهير بيروت؟
قبل الحادثة المزعومة، ظهر زهير في حوار تلفزيوني للحديث عن قضيته، وادعى أنه «بريء من سرقة أموال الأمانات الضريبة».
وخلال المقابلة، أكد زهير أنه «سيحضر جلسة محاكمته في العاصمة العراقية بغداد يوم 27 آب»، وهدد «بفضح أسماء وتفاصيل بقضايا فساد».
ورغم أن البث التلفزيوني لم يبين مكان إجراء الحوار، لكن مزاعم متداولة بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي كانت تفيد بأنه يقيم خارج العراق.
ومع تداول صور زهير مصاباً في حادث مروري ببيروت، تساءل ناشطون عن «قدرته على التحرك بين عواصم مختلفة رغم أنه المتهم الرئيسي في قضية سرقة القرن».
وحسب مصادر في الأمن العام اللبناني، فإن زهير «وصل بيروت يوم 21 أغسطس (آب) الحالي (الأربعاء) عبر طائرة خاصة، وغادرها من مطار رفيق الحريري الدولي يوم الجمعة الماضي متوجهاً إلى تركيا».
لا إشارة قضائية في المطارات
وأكدت وسائل إعلام لبنانية، «عدم وجود إشارة قضائية استدعت توقيفه في مطار رفيق الحريري»، وهو أمر فسره مسؤول قضائي عراقي بأنه «يتمتع بكفالة من القضاء العراقي».
وأفادت مصادر الأمن اللبناني بأن «زهير يحمل جواز سفر أردنياً وآخر دبلوماسياً عراقياً، وهو يزور لبنان باستمرار».
الحبس 7-10 سنوات
من جهته، قال الباحث القانوني علي التميمي العراقي أنه في حال استمر غياب المتهم بما يعرف بـ”صفقة القرن” نور زهير، دون عذر مقنع للمحكمة، فيتوجب رفع الكفالة عنه وإصدار أمر بإلقاء القبض بحقه، مبيناً أن جريمة زهير (سرقة أموال الدولة) وعقوبتها وفق القانون العراقي تنص على السجن 7 سنوات ومن الممكن تشديدها إلى السجن 10 سنوات.
وقال التميمي في رأي قانوني عنونه بجملة “ماذا بعد تأجيل محاكمة نور زهير؟”، إن “المادة 162 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي اجازت تأجيل المرافعات لأسباب وظروف معينة ولمدة مناسبة وإعادة تبليغ كل الأطراف”.
وتابع التميمي: “اذا لم يتم إحضار المتهم في الجلسات القادمة ولم تقتنع المحكمة بالأعذار المقدمة يتوجب على الكفيل دفع مبلغ الكفالة كاملة أو مقسطة وفي حالة عدم إحضار المتهم المكفّل وعدم دفع مبلغ الكفالة يمكن لمحكمة الجنايات إبطال الكفالة وحبس الكفيل لمدة لا تتجاوز 6 أشهر، وتصدر أمر القبض على المتهم الهارب كما قالت المادة 119/ب من قانون الأصول الجزائية”.
وأضاف أنه “إذا وصلنا إلى هذه المرحلة تتحول المحاكمة الوجاهية الى محاكمة غيابية، كما تقول المادة 143 و243 من قانون الأصول الجزائية، وتصدر المحكمة قرارها غيابيا، وإذا لم يسلم المتهم نفسه خلال 6 أشهر تتحول المحاكمة الغيابية الى وجاهزية، اما اذا سلم نفسه خلال هذه المدة الـ6 أشهر تعاد المحاكمة من جديد وجاهيا”.
وبين التميمي، أن “مادة الاتهام للمتهم نور زهير هي الـ444 /11 من قانون العقوبات سرقة أموال الدولة وعقوبتها السجن 7 سنوات ومن الممكن تشديدها إلى السجن 10 سنوات”، مؤكداً “كان من الممكن ابتداء منع سفر المتهم وحجز أمواله وفق المادة 121 من قانون الأصول الجزائية، لضمان عدم هروبه الى خارج البلد”.
لغز “سرقة القرن”
وتعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بجعل القضاء على الفساد على رأس أولوياته عند استلامه مهام منصبه في أواخر تشرين الأول، لكن كثيرين يعتقدون أن الحكومة تواجه أعقد ملف فساد، بسبب تشعب أطرافه، ومحاولات لاستغلاله سياسياً.
وأصدرت هيئة النزاهة مذكرات توقيف، وأجرت على مدار عامين تحقيقات مع عشرات الأشخاص والجهات المعنية بأموال الضريبة، غير أن مسار التحقيق، والتصريحات التي تصدر عن جهات رقابية، ترجّح مضاعفة مبلغ السرقة المعلَن عنه سابقاً، وربما وصوله إلى نحو 11 تريليون دينار (نحو 8 مليارات دولار).
وفي مؤشر على عدم معرفة هيئة النزاهة بإجمالي المبلغ المسروق، طالب رئيسها حيدر حنون، مطلع آب الحالي، هيئة الضرائب، بـ«إعلان كمية الأموال المسروقة، خلال مدة 15 يوماً»، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.