الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بعد عشرين عامًا من الغزو والاحتِلال الأمريكيّين.. كيف يبدو “العِراق الجديد”.. وكيف وصل إلى هذا الوضع المُؤلم؟ وما هي السّيناريوهات المُتوقّعة والحُلول المُقترحة؟
تغيير حجم الخط     

بعد عشرين عامًا من الغزو والاحتِلال الأمريكيّين.. كيف يبدو “العِراق الجديد”.. وكيف وصل إلى هذا الوضع المُؤلم؟ وما هي السّيناريوهات المُتوقّعة والحُلول المُقترحة؟

مشاركة » الأحد مارس 12, 2023 4:55 am

8.jpg
 
في مِثل هذه الأيّام من شهر آذار قبل عشرين عامًا بدأ الغزو الأمريكيّ للعِراق العظيم، وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ومن على بُعد عشرة آلاف كيلومتر بدء عمليّات القصف للعاصمة العراقية بغداد لـ”تحرير العِراق” تحت أُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل الكيماويّة والنوويّة.
هذا الغزو الذي مهّد له، وشارك فيه بعض العِراقيين، وأدّى إلى استِشهاد أكثر من مِليون عِراقي، وجاء بعد حصارٍ تجويعيٍّ ظالم حصد أرواح أكثر من مِليون ونِصف المِليون آخرين واستمرّ حواليّ 12 عامًا، هذا الغزو لم يكن من أجل “تحرير” العِراق، ولا الإطاحة بنظام الرئيس العِراقي، وإنّما أيضًا لتدمير العِراق الذي كان يعيش ويُمهّد لمشروع تحويله إلى قوةٍ إقليميّةٍ عُظمى تُعيد للعرب كرامتهم، وتتصدّى للمشروع الصّهيوني الأمريكي، ولولا غزو العِراق واحتِلاله، لما وصلت أُمّتنا إلى هذا الوضع المأساويّ الذي تسوده الفوضة والفساد.
أمريكا حشدت أكثر من 35 دولة، وحواليّ 150 ألف من قوّاتها، إلى جانب 40 ألف جندي بريطاني، بعد التأكّد من خلوّ العِراق من أيّ أسلحةِ دمارٍ شامِل، لاحتِلال هذا البلد العربيّ الأصيل، وإذلال شعبه، ونهب ثرواته، لتعزيز التفوّق العسكري الإسرائيلي، وهيمنته على المِنطقة، وتأمين احتِلاله للأراضي الفِلسطينيّة ومُقدّساتها المسيحيّة والإسلاميّة، وإضعاف الأمّة العربيّة وتمزيقها.
العِراق اليوم، وبعد عشرين عامًا، يعيش أوضاعًا سياسيّةً واقتصاديّةً واجتماعيّةً سيّئةً جدًّا، عِراقٌ يسوده الانقسام والفساد، والفوضى والانهيار على الصّعد كافّة، ويفتقر إلى أبسط معايير السّيادة، وما زالت أمريكا من ناحيةٍ، وإيران من ناحيةٍ أُخرى تتحكّم بإرادته، والأخطر من ذلك استمرار وجود حواليّ ستّة آلاف جندي أمريكي في قواعدٍ عسكريّة على أرضه.
لا يُمكن أن ننسى، وفي هذه العُجالة، المُقاومة العِراقيّة الوطنيّة الباسلة التي تصدّت للاحتِلال، وأجبرته على سحب مُعظم قوّاته بعد أن تعاظمت أعداد قتلاه، ووصلت حسب الأرقام الرسميّة إلى أكثر من 4500 قتيل وحواليّ 30 ألف جريح، لكنّ هُناك تقارير تؤكّد أن الخسائر البشريّة الأمريكيّة وكانت أكبر من ذلك بكثير، وأن تكلفة هذا الغزو والاحتِلال وصلت إلى حواليّ 6 ترليون دولار.
عِراقُ اليوم لا يسرّ عدوّ أو صديق، تُمزّقه الطائفيّة والفساد، وغياب السّيادة، والهُويّة الجامعة، وانعِدام الدّور الإقليمي العربي والإسلامي الذي يستحقّه بحُكم مكانته وإرثه الحضاريّ العريق، عِراقُ اليوم يحتلّ مكانةً مُتقدّمةً على قائمة الدّول الأكثر فسادًا في العالم (رقم 6)، وكشفت هيئة النّزاهة العِراقيّة أن حجم الأموال التي جرى سرقتها من قِبَل مسؤولين كِبار أكثر من 840 مِليار دولار على الأقل.
العِراق العظيم بدأ السّير على طريقِ التّعافي، ولكن ببُطءٍ شديد، وما زال يحتاج إلى قِياداتٍ وطنيّة، غير طائفيّة، تُكرّس التّعايش وتُعزّز الهُويّة الجامعة والقرار السّيادي المُستقل، ومُحاسبة كُل الذين تواطئوا مع الاحتِلال ضدّ بلدهم وسرقوا ثرواته، حوّلها إلى حساباتٍ في الخارج، أمام قضاءٍ عادلٍ ومُستَقلٍّ ونزيه.
أمريكا ارتكبت، وما زالت، جريمةً كُبرى على أرضِ العِراق، ليس فقط عندما غزته واحتلّته، ومارست أبشع أنواع التّعذيب لمُعتقليه الشّرفاء في سجن أبو غريب، وإنّما أيضًا عندما كرّست المُحاصصة الطائفيّة وثبّتتها في دُستورٍ مُزوّرٍ وضعه الحاكم الأمريكي الأوّل الجِنرال بول بريمر، وجعله جوهر العمليّة السياسيّة الحاليّة، واستِعانته بكُلّ الفاسِدين وناهِبي المال العام والمُرتزقة لحُكم العِراق.
عُشرون عامًا كافية، عند الدّول المُتحضّرة، لإنشاء امبراطوريّات، وخوض حُروب عالميّة، وبناء قاعدة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة، ووحدة وطنيّة صلبة، ولكنّ شعب العِراق الأبيّ، وطِوال العقدين الماضيين ما زال يُعاني من غِيابِ مُعظم الخدمات الأساسيّة من دماءٍ وكهرباء، وصحّة، وأمن، وتعليم، ومُواصلات، ويعيش نسبة كبيرة من أبنائه تحت خطّ الفقر رُغم تصديره ما يَقرُب من خمسة ملايين برميل من النفط يوميًّا.
حتّى متى يستمرّ الشّعب العِراقي العظيم في قُبول هذا الوضع المُؤلم، واستِمرار الاحتِلال الأمريكي العسكري على أرضه، وسيطرة الفاسدين على مُؤسّساته، هذا هو السُّؤال الكبير والمُهم الذي يتردّد حاليًّا على ألسنة أكثر من 40 مِليون عِراقي.
“رأي اليوم”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى اراء

cron