الوثيقة | مشاهدة الموضوع - من هُم “الأصدقاء” و”الحُلفاء” الذين “استفزّوا” السيّد نصر الله وأثاروا غضبه وقرّر القطيعة معهم لتطاولهم عليه و”حزب الله” في أزَمة العميل الفاخوري؟ وهل تمّ تهريب الأخير دون “صفقة” فِعلًا؟ وما هي المخاطر القادِمَة التي قد تترتّب عليها؟
تغيير حجم الخط     

من هُم “الأصدقاء” و”الحُلفاء” الذين “استفزّوا” السيّد نصر الله وأثاروا غضبه وقرّر القطيعة معهم لتطاولهم عليه و”حزب الله” في أزَمة العميل الفاخوري؟ وهل تمّ تهريب الأخير دون “صفقة” فِعلًا؟ وما هي المخاطر القادِمَة التي قد تترتّب عليها؟

مشاركة » السبت مارس 21, 2020 5:26 pm

3.jpg
 
لم نرَ السيّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، على هذه الدّرجة من الغضب مُنذ أن تولّى مسؤوليّة القيادة، مِثلَما رأيناه يوم أمس أثناء إلقاء كلمته التي تحدّث فيها عن قضيّة “تهريب” العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري على ظهر مروحيّة أمريكيّة إلى قبرص ومنها إلى الولايات المتحدة بعد قرار محكمة عسكريّة إخلاء سبيله، وهي العمليّة التي هزّت لبنان، وشكّلت انتصارًا لمُعسكر خُصوم المُقاومة، وعُملاء أعدائها.
السيّد نصر الله كان يَقِف في خندق الدّفاع عن النّفس، ولأوّل مرّة تقريبًا، في مُواجهة سيل من الاتّهامات التي جرى توجيهها إلى “حزب الله” وإليه شخصيًّا، وأبرزها عِلمه، ومُشاركته، في صفقة الإطلاق المُريبة عن العميل المذكور، وعدم قِيام الحزب بمنع تهريبه إذا لم تَكُن هُناك صفقة فِعلًا، لان عمليّة التهريب هذه شكَّلت وتُشكِّل إهانةً للبنان، وسيادته، والمُقاومة، وأهالي الضّحايا الذين استشهدوا على يد هذا العميل عندما كان يُشرف على أعمال القتل والتعذيب في سجن الخيام في الجنوب اللبناني، الأمر الذي اضطرّه للظّهور على قناة “المنار” ساعة الذروة، لتوضيح كُل المُلابسات في هذه المسألة.
غضب السيّد نصر الله جاء لعدّة أسباب يُمكن استِخلاصها من بين سُطور خِطابه الذي استمرّ لحواليّ ساعة و40 دقيقة ونحصرها في النّقاط التّالية:

الأولى: اتّهام “حزب الله” بالتورّط في “صفقة ما” جرى التوصّل إليها في الغُرف المُغلقة مع الوسطاء الأمريكيين الذين مارسوا ضغوطًا كبيرةً على السّلطة اللبنانيّة، وهي الضّغوط التي وصلت إلى حد فرض عُقوبات على الدولة وكُل من يُعرقل الإفراج عن العميل وتهريبه إلى خارج لبنان بِما في ذلك رئيس قُضاة المحكمة العسكريّة، وهذا ما نفاه وعارضه السيّد نصر الله كُلِّيًّا.
الثانية: أنّ من بين الذين وجّهوا هذه الاتّهامات شخصيّات وقادة أحزاب، وفصائل محسوبة على محور المُقاومة، وتستظل بمظلّة “حزب الله” في لبنان، وتجنّب السيّد نصر الله كعادته ذكر أسمائهم رغم غضبه الشّديد منهم، وخُروجهم عن التزاماتهم المعنويّة والوطنيّة في دعم محور المُقاومة، وقرّر فك الارتباط معهم.
الثالثة: المُطالبة بإسقاط حُكومة حسان دياب التي أشاد بتعاونها الرئيس دونالد ترامب شخصيًّا، والادّعاء بأنّها حُكومة “حزب الله”، ودافع السيّد نصر الله عن هذه الحُكومة، وأكّد أنّها كانت خارج نطاق الاتّصالات والمُساومات، ولم تعلم بقرار الإفراج أو تفاصيل عمليّة التّهريب، ورفضت أجهزتها الأمنيّة خُروج العميل من مطار بيروت، وأعاد التّأكيد بأنّها لم تكُن حُكومة “حزب الله”.

السيّد نصر الله قال في الخِطاب نفسه إنّه يُرحِّب بالنّقد، وأشار في خطابات سابقة بأنّه يتحمّل الهُجوم الشخصي عليه، ولا يُمانع فيه، وأنّ صدره يتّسع للكثير في هذا المِضمار، ولكن غضبه الأكبر، وغير المسبوق يعود إلى أنّ الهُجوم هذه المرّة جاء شَرِسًا، ومن دائرة الأصدقاء والحُلفاء، ووصل إلى درجة التّخوين والشّتم والإهانة وهذا خطٌّ أحمر غير مسموح تجاوزه من قبل هؤلاء، لأنّهم في هذه الحالة يَقِفون في خندق الأعداء دون نِقاش.
نتّفق مع السيّد نصر الله في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” في مدى حساسيّة هذه المسألة، أيّ الإفراج عن العميل الفاخوري بالطّريقة المُهينة التي تابعنا فُصولها، وفي مِثل هذا التّوقيت حيث الأزمة الاقتصاديّة ووباء كورونا، مثلما نتّفق معه في أنّ إقدام “حزب الله” على إجهاضها سواء بخطف العميل قبل وصوله إلى السّفارة الأمريكيّة أو إسقاط طائرته المروحيّة التي استقلّها هاربًا من لبنان إلى قبرص في انتهاكٍ للسّيادة وأحكام القضاء اللبناني الذي منعه من السفر، ربّما يُشعِل حربًا كبيرةً، ويؤدّي إلى حربٍ أهليّة، ولكن لا بُد من الاعتِراف بأنّ إدارة الأزمة من قبل الحزب مُنذ بدايتها لم تَكُن على المُستوى المطلوب، وكان من الأجدر منع وصولها إلى هذه النّهايات الأخيرة المُحرِجة والمُهينة، فقد كان واضحًا أنّ أمريكا لن تسمح باستِمرار سجنه، وتسعى لإحراج السّلطات اللبنانيّة وحركة المُقاومة تحديدًا، فالحزب معروفٌ بدقّة تقديرات مؤسّساته وبُنوك عُقوله، وخبرة رجاله، وضرباته الاستباقيّة.
العميل فاخوري أصغر وأتفه من أن يتعرّض لبنان لحرب أهليّة، أو غزو خارجي بسببه، ولكنّ عمليّة تهريبه جاءت إهانةً للبنان وإنقاصًا من كرامته، وانتهاكً لسيادته، ولبنان يملك إرثًا ضخمًا في الدفاع عن هذه القيم، بل وخوض حُروب دفاعًا عنها، وتقديم آلاف الشهداء، وهذه العمليّة، التي تُسجّل سابقة في هذا الصّدد، قد تُشجِّع لتنفيذ عمليّات أخرى مُشابهة في المُستقبل وضِد “حزب الله”، وهنا مَكمَنُ الخُطورة، علاوةً على كونها تُقدِّم الذّخيرة لأعدائه.
“حزب الله” ومثلما ثَبُت من خلال تطوّرات هذه العمليّة، لا يَحكُم لبنان، مِثلما تقول الدعايات الإسرائيليّة المُغرِضة، ولكنّه صاحب كلمة مُهمّة في البِلاد، وبات من المُستحيل تجاوزه في المفاصل والقضايا بسبب قوّته وشعبيّته وتحالفاته وهياكله المؤسّساتيّة، والسيّد نصر الله لم يُنكِر مُشاورات جرت معه شخصيًّا، ومثلما مارست أمريكا ضُغوطًا مُكثّفةً على أعوانها في البِلاد لتسهيل عمليّة تهريب العميل، من حقّ البعض أن يُطالبه باستِخدام كُل نُفوذه وقُدراته وأدواته لمنع هذه الإهانة التي لَحِقَت بلبنان خاصّةً إذا كانوا من خندق الحُلفاء والأصدقاء.
إذا صحّت تأكيدات السيّد نصر الله بأنّه لم تَكُن هُناك أيّ صفقة وراء الإفراج عن هذا العميل وتهريبه، ونحن نعتقد أنّها صحيحة، لأنّنا نَثِق بالسيّد نصر الله، فإنّ هذا الإفراج المجّاني “مُعيب”، ويكشف عن إدارة فاشلة وقاصرة للأزمة من قبل من وقفوا خلف عمليّة التّهريب هذه، فإذا كان لا بُد من الرّضوخ للضّغوط، فإنّه يجب إعلاء سقف الثّمن اللّبناني المُقابل اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، أمّا التّهريب المجّاني المُهين فهو قمّة الغباء، بالإضافة إلى اعتِبارات انتهاك الكرامة والسّيادة الأُخرى التي لن تَغسِلها كُل دولارات أمريكا.
نُدرك جيّدًا أنّ “حزب الله” الذي هزم إسرائيل مرّتين، وحرّر الجنوب اللبناني، وقدّم آلاف الشّهداء نُصرةً لقضايا لبنان والأمّة العادلة، مُستهدفٌ من أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مثلما هو مُستهدفٌ من قِوى داخل لبنان تُصنّف في خانة العمالة لهما، ولكن ما نتمنّاه على الحزب، وقِيادته، هو سِعَة الصّدر، وكتْم الغيظ، وتحمّل الرأي الآخر، فهذا لا يُعيبه وإنّما يُعزِّز مكانته على المدّيين البعيد والقريب، لأنُ معارك الحزب المُقبلة وحُروبه أكبر بكثير من معركة تهريب الفاخوري التي سيطويها النّسيان بعد أسابيع أو أشهر على أكثر تقدير، فالحرب كَرٌّ وفرّ.
تألمنا ونحنُ نسمع السيّد نصر الله يقول “إنّ من نكَد الدّهر على المرء أن يأتي يوم يُدافع فيه شخصيًّا عن “حزب الله” والمُقاومة، في موضوعِ عميلٍ إسرائيليّ هزمه الحزب والمُقاومة، وأذلّه والدولة التي جنّدته، وحرّر جميع الأراضي اللبنانيّة، وحطّم أُسطورة الجيش الذي لا يُقهَر، نعم كان مُحِقًّا في كُلّ كلمةٍ قالها، ونحنُ نُقدِّر ألمه.
المُعادلة الأصعب التي يُحاول “حزب الله” المُحافظة عليها تتمثّل في وضعه قدم في الدّولة وأخرى في المُقاومة، ومُحاولة التّوفيق بين مطالب الشقّين، والحِفاظ على الدولة والمُقاومة معًا في الوقتِ نفسه.
أزمة العميل الفاخوري كانت أحد الاخِتبارات أو التحدّيات الصّعبة للحزب، وقد يكون تجاوزها بأقل الخسائر، وربّما يُواجِه اخِتبارات أصعب في المُستقبل القريب إذا لم يُطوّق ذُيولها بسُرعةٍ وبخَطواتٍ عمليّةٍ.
خِتامًا نقول “إنّ المُؤمن مُبتَلى” وهذا هو حال كُل المُؤمنين في هذا الظّرف الحَرِج الذي تَمُر فيه الأمّة، والسيّد نصر الله كأحَد أبنائها البرَرة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى اراء

cron