الأنبار
منذ الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا، تم العثور على كميات كبيرة من أقراص “الكبتاغون” المخدرة في مناطق مختلفة، وهي مكدّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، لتؤكد صحة التقارير السابقة حول دور النظام السوري السابق في صناعتها وتصديرها إلى العالم، بالإضافة إلى الكشف عن بعض المعامل فيها.
ويشتهر الكبتاغون بأنه عقار تم إنتاجه في ألمانيا خلال فترة الستينيات لعلاج الخدر والاكتئاب واضطراب نقص الانتباه، بيد أنه تم حظره في معظم دول العالم خلال عام 1986.
وسيطرت السلطات السورية الجديدة على كميات كبيرة من تلك المادة المحظورة دوليا في قواعد عسكرية ومراكز خاصة، كانت قد غمرت السوق السوداء في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويعد العراق أحد أكبر المتضررين من تجارة المخدرات والكبتاغون، فقد كانت حدوده مفتوحة أمام دخول كميات كبيرة من الحبوب المخدرة من سوريا، لكن على ما يبدو أنها تراجعت بعد سقوط نظام بشار الأسد، وخاصة المنافذ “الوهمية”، التي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلحة، بحسب مسؤولين في الأنبار ومصادر، وهو ما نفته الفصائل، في وقت تم الكشف عن تفاصيل الأسعار الجديدة في العراق، بعد توقف إدخال هذه المواد.
وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في 23 أيلول سبتمبر 2023 في تقرير سابق عن شحنة رمان وصلت إلى العراق قادمة من لبنان عبر سوريا تحتوي على كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون، كجزء من سداد قيمة مستحقّات النفط العراقي المخصّص لبيروت، حيث تحفّظت السلطات العراقية، على الشحنة التي وصلت برا عبر الأراضي السورية، من خلال التنسيق مع قوات النظام هناك.
ويكشف مصدر مطلع، عن تفاصيل عملية تهريب المخدرات قبل سقوط الأسد، حيث كانت العملية تتم عبر معبر وهمي (غير رسمي) يقع في قضاء القائم بمحافظة الأنبار، يربط العراق مع سوريا.
ويقول المصدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المعبر كان يعرف بالمنفذ الأسود، ويقع بمنطقة سكك الحديد بقضاء القائم، وقريب من قضاء البو كمال في سوريا، وتسيطر عليه فصائل مسلحة مقربة من إيران”.
ويضيف “من خلال هذا المعبر كانت تدخل كميات كبيرة من المخدرات من المصانع السورية، وبحمايات خاصة من عناصر مسلحة، وتتوزع على التجار الذين يتواجد قسم منهم في القائم، والقسم الأكبر من الحبوب المخدرة يتم نقلها مع مواد أخرى وبضائع للتمويه، إلى محافظات العراق الأخرى”.
ويشير إلى أنه “منذ سقوط نظام بشار الأسد فإن عملية تهريب المخدرات قد توقفت، بسبب توقف مصانع الإنتاج في سوريا، وغلق الحدود، بعد سيطرة الجماعات المسلحة السورية التي هي على خلافات مع الفصائل العراقية، على الحدود”.
ويلفت إلى أن “أسعار المخدرات، وخاصة الكبتاغون، تشهد ارتفاعا في العراق، وصل إلى الضعفين أو أكثر، وهناك ندرة في هذا المنتوج، عكس ما كان متوفرا في الأسواق المحلية سابقا، وهنالك اعتماد كلي على المواد التي تدخل من إيران، عبر المعابر الحدودية في إقليم كردستان”.
وتشهد العديد من المنافذ الحدودية في العراق، عمليات تهريب تسيطر عليها جهات نافذة، كما تتحكم بدخول وخروج البضائع، وتفرض الأتاوات على التجار، فضلا عن استحواذ بعض تلك الجهات على إيرادات من المنافذ، التي تذهب في الغالب أحزاب متنفذة في الدولة، بحسب تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، فيما تعتبر أبرز المواد التي يتم تهريبها هي الأدوية والسيارات.
وكانت “العالم الجديد”، كشفت في تقرير في آذار مارس 2024، عن منفذ حدودي غير رسمي على الحدود السورية، يخضع لسيطرة جهات مسلحة لم تحددها، يطلق عليه “المنفذ الأسود”، ويجري استخدامه لإدخال البضائع والسلع وحتى المخدرات والممنوعات، ما يتسبب بخسائر كبيرة للعراق.
يذكر أن السلطات السورية الجديدة، أعلنت أكثر من مرة عن إتلاف ملايين حبوب الكبتاغون، عبر حرقها، وقد نشرت العديد من الصفحات السورية الرسمية وغير الرسمية، مشاهد الإتلاف.
وتعليقا على الأمر، يؤكد المستشار الأمني في مجلس محافظة الأنبار عبد الله الجغيفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بلا شك فالجميع يعلمون أن سوريا كانت بؤرة للمخدرات وبشكل علني، سواءً عن طريق الزراعة أو التصنيع”.
ويوضح الجغيفي، أن “سوريا هي المنبع الرئيس للمخدرات، وليست مجرد ترانزيت لمرور المخدرات إلى العراق، فكانت تضخ بكثافة وكميات كبيرة، وبعد الأحداث الأخيرة وسقوط نظام بشار الأسد، وقطع خطوط التواصل من داخل سوريا، تم تحجيم دخول المخدرات، وهناك تراجع في عمليات التجارة داخل الانبار”.
ويردف أن “طرق إدخال المخدرات سابقا كانت عديدة، فمرة عن طريق السائحين، أو عن طريق الشاحنات التجارية، أو عن طريق التهريب والمنافذ الوهمية التي تسيطر عليها فصائل مسلحة، واليوم عملية تجارة المخدرات عبر سوريا متوقفة بشكل تام، وهذا أمر إيجابي يجب استثماره، ومنع إيجاد طرق أخرى لتهريب المخدرات وإدخالها إلى المحافظة، وعموم العراق”.
وفي العام 2019 تمت إعادة افتتاح منفذ الوليد الحدودي بين العراق وسوريا في قضاء القائم بمحافظة الأنبار، وذلك بعد سنوات من خضوعه لسيطرة تنظيم داعش منذ العام 2014، إلا أن تحسن الأوضاع الأمنية في البلدين اللذين خضعت أجزاء كبيرة منهما لسيطرة التنظيم، أسهم بإعادة التبادل التجاري.
وشكلت الحدود العراقية السورية طوال السنوات الماضية وما زالت، مشكلة أمنية خطيرة، حيث يجري عبرها بين وقت وآخر عمليات تسلل إلى الأراضي العراقية من قبل مجموعات تنتمي لتنظيمات إرهابية، وكذلك محاولات من قبل مواطنين سوريين عربا وكردا، بحثا عن فرص عمل في إقليم كردستان أو المحافظات الأخرى، إلى جانب عمليات تهريب المواد المخدرة وأبرزها حبوب الكبتاغون.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول ديسمبر الماضي، تم إغلاق كافة المنافذ الحدودية مع سوريا، وانتشرت القطعات الأمنية على طول الحدود، لتأمينها من أي خرق قد يحدث، لاسيما وأن القوات التي فرضت سيطرتها على سوريا وتولت الحكم، كانت مرتبطة سابقة بتنظيم داعش وقبله تنظيم القاعدة.
في الأثناء، ينفي المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء، كاظم الفرطوسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أي “صلة للفصائل المسلحة والحشد الشعبي بعملية تجارة المخدرات عبر سوريا”.
ويلفت الفرطوسي، إلى أن “التقارير التي خرجت بشأن تجارة المخدرات ووجود المصانع في سوريا في عهد بشار الأسد مبالغ فيها، وحتى إن كانت حقيقية، فنحن لم تكن لنا علاقة بهذه الآفة الخطيرة”.
ويتابع أن “من يقدم التضحيات والأرواح فلا علاقة له بتجارة المخدرات إطلاقا، ولكن هذه التهم هي لتشويه صورة الفصائل، وهي جزء من المؤامرة الدولية، والتي يجب أن يتصدى لها الإعلام، لأن وجودنا على الشريط الحدودي، هو لتأمين هذه المنطقة الصحراوية من تنظيم داعش، وإبعاد الخطر عن المدن العراقية”.
ويستطرد أن “منفذ القائم الحدودي كان يدار من مؤسسات الحكومة العراقية، ومن هيئة المنافذ ومن الموظفين المدنيين، والحشد والفصائل المسلحة، لم يكن لها وجود داخل المعبر إطلاقاً، وإنما وجودنا على الشريط الحدودي فقط”.
وكانت “العالم الجديد”، كشفت عن نسب تعاطي المخدرات بين الشباب “ذكورا وإناثا” في العديد من المحافظات وآخرها كركوك، حيث بلغت نسبة التعاطي فيها 5 بالمئة، فيما كشفت أيضا عن طريق وصول المخدرات إلى كركوك، ومن ثم الطريق نحو بغداد.
وورد ضمن ملف المخدرات الذي أعدته “العالم الجديد” وشمل محافظات عديدة، أن نسبة تعاطي المخدرات في محافظة كربلاء، ذات الطابع الديني، تراوحت بين الشباب بين 3-5 بالمئة خُمسهم نساء، فيما كشف الملف عن تفاصيل وأرقام صادمة بشأن تعاطي المخدرات في واسط وذي قار والأنبار، حيث بلغت نسبة التعاطي بين شباب ذي قار 20 بالمئة، بينهم 5 بالمئة إناث، فيما استفحل التعاطي بين الإناث والذكور أيضا في واسط، وبنسبة مرتفعة بحسب المتخصصين، من دون تحديد الأرقام لافتقار المحافظة إلى مراكز متخصصة، وفي الأنبار بلغت 10-15 بالمئة، بحسب مسؤولين فيها.
من جهته، يوضح قائممقام قضاء القائم في محافظة الأنبار تركي المحلاوي، وهو القضاء الحدودي مع سوريا، أن “الأوضاع في الشريط الحدودي ما تزال على وضعها منذ الثامن من شهر كانون الأول ديسمبر الماضي”.
ويذكر المحلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “معبر القائم الحدودي مع سوريا مغلق بالكامل، وهناك قوة كبيرة من جنوب المدينة إلى نهر الفرات منتشرة بشكل كبير، ومن مختلف القطعات الأمنية، منها مغاوير الداخلية، وحرس الحدود، والفرقة السابعة في الجيش العراقي، واستخبارات الداخلية، والأمن الوطني، ولا يوجد دخول أو خروج من سوريا، إلا في حالات استثنائية”.
ويستطرد أن “الحالات الاستثنائية والخاصة لمواطنين أو شاحنات يتم دخولها من سوريا أو خروجها، يتم عبر تصريح وتخويل من قيادة العمليات المشتركة حصرا، لكن في العموم المعبر مازال مغلقا، وهناك انتشار مكثف على طول الشريط الحدودي، مع وجود الكاميرات والرادارات، ولا يسمح بالتهريب إطلاقا”.
يشار إلى أن بيانات ضبط مواد مخدرة من قبل وزارة الداخلية، أصبحت شبه يومية وغالبا ما يتم ضبط ملايين الحبوب المخدرات وكميات كبيرة من المواد المخدرة الأخرى، فيما باتت بيانات القبض على المتهمين بتجارتها أو حيازتها كثيرة أيضا وشملت كافة مناطق البلد.
إلى ذلك، يؤكد عضو مجلس محافظة الأنبار، عدنان الكبيسي، وجود “تراجع كبير بنسبة دخول حبوب الكبتاغون المخدرة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا”.
ويلفت الكبيسي، إلى أن “محافظة الانبار شهدت تراجعا بنسبة تتعدى الـ95 بالمئة بقضية تهريب ودخول حبوب الكبتاغون بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وضبط الحدود بشكل محكم”، مضيفا، أن “هذه الحبوب المخدرة كانت تدخل للعراق عبر سوريا وكانت تنتشر بشكل مخيف في المجتمع العراقي”.
وخلال العام الماضي، أعلن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، عن تخصيص مبلغ مليار دينار يصرف شهريا لمكافحة المخدرات، وبالإضافة إلى تخويل وزارة الداخلية بالتصرف بمعسكرات تابعة لوزارة الدفاع لغرض إيواء المتعاطين.