بغداد ـ «القدس العربي»: تسابق المسؤولون في العراق لتهنئة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فور تسلمه المنصب، معلنين تمسكهم بالعلاقات الاستراتيجية التي تربط بغداد وواشنطن، وتوسيعها لتشمل مديات أوسع، شريطة احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية- حسبما يصفون، وسط مخاوف موازية من أن تدفع العلاقة الوطيدة بين العراق وإيران، إلى اتخاذ الإدارة الأمريكية خطوات جدّية لتغيير النظام السياسي العراقي.
مع الخطوات الأولى لترامب داخل البيت الأبيض، بعث رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، برقية تهنئة أشار فيها إلى «تطلع العراق لتعزيز أواصر التعاون والشراكة مع الولايات المتحدة، ضمن اتفاق الإطار الاستراتيجي، والمصالح المشتركة للبلدين»، مؤكداً أهمية العمل على «دعم أسس الاستقرار والأمن والتنمية إقليمياً ودولياً». السوداني شدد على أن حكومته «تتمسك بالعلاقات الستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتسعى إلى تفعيل وتوسعة مديات تنفيذ جميع مذكرات التفاهم الثنائية، والتنسيق الثنائي الأمني والاقتصادي»، غير أنه رهن تحقيق ذلك في أن يكون «تحت مظلة احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية».
ورأى أهمية في «تدعيم التبادل الثنائي في المجالات الثقافية والتكنولوجية، ومجالات الاستثمار والتنمية المستدامة».
على المستوى ذاته، أعلن رئيس الجمهورية، عبد اللطيف جمال رشيد وقوف العراق إلى جانب جهود استقرار المنطقة. وأفاد في «تدوينة» له، «نهنئ الرئيس دونالد ترامب بمناسبة أدائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، متمنين له النجاح والتوفيق في مهام عمله، ونؤكد دعمنا لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتعزيز العلاقات الثنائية بين بلدينا الصديقين وبما يحقق المصالح المشتركة للشعبين».
ويبدو أن الأوضاع المتوترة في المنطقة، والتطورات الأخيرة في الملف السوري، وسيطرة فصائل المعارضة هناك على دفّة الحكم، وما نتج عنه من تقليصٍ واضح للنفوذ الإيراني، دفع المسؤولين في العراق إلى التفكير بجديّة أكثر في مستقبل العلاقة مع واشنطن، وتجنيب البلاد عزّلة دولية قد تطيح بجهود العودة إلى المكانة الدولية والإقليمية- في الأقل.
الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، لا يتوقّع وجود نيّة أمريكية لإسقاط العملية السياسية العراقية، بل أن سياسة إدارة ترامب تجاه العراق، ستركّز على أمن إسرائيل وصدّ تمدّد المعسكر الشرقي.
وقال في إيضاح له: «واهم كل من يتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسعى لتغيير النظام السياسي في العراق، بالتزامن مع قدوم متطرفي الجمهوريين إلى البيت الأبيض، وفي مقدمتهم ترامب ونائبه الشاب جيمس فانس الأكثر تطلعًا لتصحيح مسارات إدارة ملف الشرق الاوسط من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة».
ورأى أن «هذا النظام برغم علّاته، إلا انه يمثل البصمة الايجابية الوحيدة لأمريكا في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، إذ يرى صانعو القرار الأمريكي ضرورة استمرار التجربة الديمقراطية العراقية بكل ما يقال عنها، ورعايتها حتى تنضج، ويمكن تسويقها إلى جغرافيا أخرى سواء في المنطقة أو في أصقاع المعمورة الأخرى».
واعتبر أن «ما يحصل اليوم من أزمات تمثل نتيجة حتمية لعمر التجربة السياسية ووعي الشعب، ولا يمكن صناعة أفضل من هذا الواقع مهما حاولنا إلى ذلك سبيلا».
ووفق البيدر فإن ما يهم الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، هي «مصالحها وهي مؤمنة بما في ذلك أمنها القومي (القلق) فأنه محصن بشكل يكفي لاستمرار نفوذها في المنطقة»، بالإضافة إلى «أمن إسرائيل الذي بدأ يتعزز عبر التحولات التي شهدتها المنطقة»، فضلاً عن «موقع العراق الجيوسياسي الذي يمثل حائط صد أمام زحف النفوذ الشرقي باتجاه الغرب».
وأشار إلى أن «إصلاح النظام السياسي في العراق، هو ما تسعى إليه الولايات المتحدة اليوم، وقد بدأت باتخاذ خطوات جادة في هذا الصدد- انطلقت قبل نصف عقد على أقل تقدير. عاشت البلاد عدة تجارب كادت ان تودي بالنظام السياسي الذي اقترب من حالة الانهيار، إلا أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانبه وعززت مكانته ودعمته بكل ما يمكن ولن تسمح لأي جهة في ازاحته عن المشهد».
ويتفق البيدر بأن «الولاء للمشروع الغربي» يمثل أهمية بالغة لخطة الجمهوريين الإقليمية، التي تقتضي كسب المزيد من المؤيدين له من داخل البيئة السياسية العراقية عبر الترغيب والترهيب»، لافتاً إلى أنهم «قد نجحوا حتى الآن في خلق اصطفافات جديدة تصب بمصلحتهم، لكنهم لم يصلوا مرحلة الاطمئنان بعد».
وحسب المحلل السياسي العراقي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية «لا تكترث كثيرًا لتطبيع العراق في هذه المرحلة. ما يهمها أكثر عدم اتخاذه مواقف سلبية ازاء مشاريع التطبيع القائمة أو الجديدة منها».
وعن موقف واشنطن تجاه العلاقة المتجذّرة بين العراق وإيران، أفاد بأن الإدارة الأمريكية الحالية والسابقة، «تُدرك إن انسلاخ العراق من إيران صعب جدا ويحتاج إلى فترات زمنية طويلة، لوجود مشتركات تتجاوز نطاق المصالح. هذا ما يجعل التحديات أكبر، لكنها لن تبقى مكتوفة الأيدي ازاء ذلك، فهي سائرة في طريق إماتة العلاقة العراقية ـ الإيرانية معنويًا قبل الشروع بإنهائها واقعيًا، هذا إذا كانت تتطلع بجدية لتغيير النظام الإيراني المدعوم شرقيًا».
ويتفق البيدر مع وجوب «التعامل مع الأحداث التي تعيشها المنطقة والبلاد على وجه التحديد بواقعية أكبر، بعيدًا عن المشاعر والأمزجة والرغبات التي تنطلق من تصريحات حالمة تتناقلها حسابات (التيك توك) التي تمنح الجماهير جرعة إضافية من الخدر وتزيد رغبتهم في قادم أفضل، بيد انها تستخدم للابتزاز السياسي وصناعة مصالح».
وتحتفظ الولايات المتحدة حالياً بما لا يقل عن 2500 جندي في العراق، يعملون ضمن التحالف الدولي المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وتقديم الدعم للقوات الأمنية العراقية.
ومن المقرر أن يتضمن اتفاق جرى بين المسؤولين العراقيين والأمريكان، بانسحاب قوات التحالف من مناطق سيطرة القوات الاتحادية، في أيلول/سبتمبر المقبل، على أن تجري العملية ذاتها في إقليم كردستان العراق العام المقبل.
غير أن رئيس الدبلوماسية العراقية، فؤاد حسين، أشار خلال حضوره جلسة حوارية ضمن أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس»، إلى أن العلاقات بين العراق والولايات المتحدة «تسير ضمن إطار اتفاقية استراتيجية أمنية، وأن المحادثات بشأن مستقبل هذه العلاقات ما زالت مستمرة».
وأضاف وزير الخارجية العراقي، أن «الوضع في منطقة الشرق الأوسط بأكملها يختلف الآن مقارنة مع فترة الإدارة الأولى لترامب. نحن نواجه تحديات جديدة، وأشعر أن وجودهم (الولايات المتحدة) في هذه المنطقة سيستمر».
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية-الإيرانية، أكد أن «التوترات بين البلدين أثرت بشكل مباشر على الوضع في العراق»، قائلاً: «نشعر بالقلق إزاء هذه التوترات، ونأمل أن تتخذ الدولتان مساراً جديداً».
وبيّن استعداد إيران للحوار مع الولايات المتحدة، لكنه أضاف قائلاً: «حتى الآن، لم ألحظ أي إشارة من واشنطن تفيد باستعدادهم للحوار مع الجانب الإيراني».