“الأحداث التي وقعت مؤخراً في منطقتنا، ولا سيما في سوريا، تذكرنا بحقيقة مهمة: تركيا أكبر من تركيا (رجب طيب أردوغان، خطاب في الأكاديمية التركية للعلوم، 18 كانون الأول 2024).
من المجدي قراءة أقوال الرئيس التركي على خلفية أن ميزان الرعب بين دولته وإسرائيل، اللتين تجري بينهما علاقات حب – كراهية طويلة، تلقى التفافة مهمة عقب الحرب الحالية، وبقوة أكبر بعد سقوط نظام الأسد في دمشق وإقامة نظام جديد برئاسة أحمد الشرع، الذي يحظى بتأييد من أنقرة.
هذه الأمور تجد تعبيرها في توصيات لجنة نيجل التي رفعت لرئيس الوزراء نتنياهو الشهر الماضي. صحيح أن اللجنة أعدت لفحص ميزانية الدفاع، لكنها في تقريرها النهائي تتناول “التهديد التركي” بكلمات قاطعة كالسيف: “إسرائيل قد تجد نفسها أمام تهديد جديد ينشأ في سوريا، سيكون من نواح معينة ليس أقل خطورة من السابق”، كتب هناك. “والمشكلة ستتفاقم إذا ما أصبحت القوة السورية بشكل عملي فرعاً تركيا، كجزء من تحقق حلم تركيا في استعادة المجد العثماني. فوجود رسل تركيا أو قوات تركية في سوريا، قد يعمق خطر مواجهة تركية – إسرائيلية مباشرة”.
ينبغي أن نقرأ الكلمات الأخيرة مرة أخرى: لجنة نيجل تحذر رئيس الوزراء من “مواجهة تركية – إسرائيلية مباشرة”، ليس أقل، وتدعوه لتبنى “نهج مختلف تماماً من احتواء بمقدار صفر” حيال سوريا، وإلا قد تقع كثمرة ناضجة في أيدي قوات جيش اردوغان: “يجب الأخذ بالحسبان أن دخول الجيش التركي إلى سوريا قد يؤدي إلى تسليح سوريا بسرعة عالية نسبياً”، على حد قول التقرير.
“الحلم التركي يستيقظ”
تقرير نيجل هو الاستثناء الذي يدل على القاعدة: حتى الآن، بقي تغيير النهج الإسرائيلي تجاه تركيا من تحت الرادار. الساحة السياسية والأمنية في إسرائيل غير معنيتين بإغضاب الجبار التركي، وتتخذان جانب الحذر من المس بكرامته. أما الجانب التركي بالمقابل، فيفعل العكس.
وكأنه لأجل إعادة الريح إلى شعلة المخاوف الإسرائيلية – بعد شهر بالضبط من نشر التقرير، في 4 شباط- سافر الرئيس السوري الجديد إلى أنقرة، حيث التقى أردوغان في القصر الرئاسي الفاخر. زعم وفق تقارير وسائل الإعلام حول اللقاء التاريخي، أن الزعيمين قررا البحث في التوقيع على اتفاق دفاع مشترك بين تركيا وسوريا يضمن إقامة قاعدتين جويتين تركيتين في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري. في الأمريكية يسمون هذا “بساطير على الأرض”.
في قسم الخطابة أيضاً تصعيد متزايد من جانب تركيا وزعيمها. “تستطيع تركيا اجتياح إسرائيل، مثلما فعلت في ناغورنو قره باغ، وفي ليبيا”، هدد أردوغان في تموز الماضي، في أثناء لقاء رجال حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه. قبل ذلك، عقد تشبيهاً بين نتنياهو وهتلر، وادعى بأن الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة، ويجب “محاسبة” القيادة الإسرائيلية، على حد قوله. وفي المناسبة ذاتها، دعا أردوغان الذي يرى نفسه زعيماً إقليمياً وبقدر ما دينياً أيضاً، “العالم الإسلامي كله” للتجند ضد إسرائيل.
فهل نقف بالفعل أمام مواجهة تركية – إسرائيلية كما تقول لجنة نيجل؟ هل يقع تحذير أردوغان في المستقبل المنظور؟ خبراء في الشؤون التركية تحدثت معهم إسرائيل هذا الأسبوع، يقدرون بأنه عقب حرب 7 أكتوبر وما يبدو كضعف للمحور الشيعي بقيادة إيران، قد تسير إسرائيل نحو عصر جديد، تصبح فيه المواجهة العسكرية بينها وبين تركيا ذات إمكانية عملية. ينبغي أن يضاف إلى هذا بالطبع صعود النظام الجديد في دمشق – نظام يعد امتداداً لأردوغان بقدر كبير، سيسمح لتركيا بإقامة جسر بري بينها وبين إسرائيل، وتضع قوة عسكرية – بشكل مباشر أو غير مباشر – على عتبة بابها تماماً. إذا كانت العقود الأخيرة تمثل المواجهة بين إسرائيل وإيران، فمن غير المستبعد أن نكون اليوم على شفا حرب إسرائيلية – تركية.
“في اللحظة التي تكون فيها للأتراك قدرة على الوصول إلينا سيراً على الأقدام، تكون هذه ذات مغزى”، يقول د. حي ايتان كوهن ينروجيك، خبير الشؤون التركية في مركز دايان بجامعة تل أبيب. “منذ اليوم، باتت لتركيا قدرة وصول غير محدودة إلى شمال سوريا، وهم يتحدثون عن شق طرق، سكك حديد، وبنى تحتية في أرجاء سوريا كلها في المستقبل. إذا ما حصل هذا فستكون قدرتهم على تحريك قوات عسكرية داخل سوريا، على مستوى واسع كبيرة جداً. على إسرائيل عمل كل ما في وسعها كيلا تجعل تركيا عدواً نشطاً، لأن تركيا ليست إيران. هذه دولة أقوى بكثير، مع جيش أكثر تطوراً وموقع استراتيجي أهم بكثير من إيران. ما كنا نريد أن نجد أنفسنا في حرب مع أحد”. “حتى الآن نجحت إسرائيل وتركيا في الحفاظ على قدر ما من العلاقات الصحيحة بينهما”، تنضم نوعا لزيمي، الباحثة في معهد مسغاف: “حتى بعد أسطول مرمرة في 2010 عرفت الدولتان كيف ترممان العلاقات بينهما. مع ذلك، شدد اردوغان موقفه تجاه إسرائيل في الحرب الحالية، وهو ما يشهد على استعداده للسير مسافة أبعد مع أيديولوجيته الإمبريالية التي تتوافق أيضاً مع الرأي العام الداخلي في تركيا. مؤخراً، يثبت اردوغان بأنه مستعد للمخاطرة بأمور ضرورية لدولته من أجل أيدولوجيا متطرفة. من الجهة الأخرى، تركيا عضو في الناتو، ولها مصالح اقتصادية وأمنية مع الولايات المتحدة، ولهذا لا أعتقد أنه من الحكمة أن يحطم القواعد تجاه إسرائيل في المدى القصير”.
– وماذا بشأن المدى البعيد؟
“ما حصل في سوريا فتح شهية أردوغان. يراها فرصة لتحقيق حلمه العثماني الجديد. ينبغي لنا أن نرى إلى أي مسافة سيسير أردوغان وهل سيسير بحلمه بعيداً”.
إيتي الناي
إسرائيل اليوم 21/2/2025