أطلعت «القدس العربي» على تسجيلات صوتية لقائد في التمرد العسكري الذي شنه فلول النظام المخلوع، يعطي من خلالها تعليمات إلى آخرين بنقل الجرحى إلى القاعدة الروسية في حميميم في حال الضرورة، إضافة إلى إقراره باطلاع القوات الروسية بشكل كامل على مجريات التمرد الحاصل و«وجود غرفة عمليات وتنسيق داخل القاعدة». وألمح إلى أن موسكو ستتدخل لمصلحة المجلس في حال «فرض واقعا عسكريا لمدة 24 ساعة». ويدير العمليات الميدانية عدد من الضابط الأمراء والقادة في جيش الأسد المخلوع، على رأسهم العميد غياث دلا والعميد ياسر سلهب.
في منطقة القدموس، أوضح مصدر محلي في حديث مع «القدس العربي» أن أبناء المنطقة رصدوا نشاطا لعناصر مخابرات النظام المخلوع زادت كثافته خلال شهر شباط (فبراير)، حيث انتظم هؤلاء العناصر بمجموعات تضم بين 30-40 عنصرا، بدأت تتحرك بشكل مريب.
وحول طبيعة العناصر قال المصدر إن أغلبهم من العناصر الأمنيين، كالمخابرات الجوية والأمن العسكري وجلهم معروف بإجرامه وسمعته السيئة سابقا.
وزاد المصدر أن ضابطا سابقا في جيش النظام «كان يزور المنطقة بشكل متكرر، هو الذي يزود المجموعات برواتبهم والكتل المالية للنشاط والعمليات». وتوقع أن الخطة كانت «تحرك كل المجموعات مع بعضها إضافة إلى بعض مجموعات المساندة في آن معا».
كُشفت أولى تلك المجموعات صدفة أثناء جريمة قتل، وحصل اشتباك وجرى تجاوز الأمر، ويضيف أنه في منطقة القدموس كانت تنشط نحو سبع مجموعات. ويشكو المصدر من قلة خبرة الأمن العام في المدينة ـ حيث قدم النشطاء المحليون معلومات إلى الأمن العام تتعلق بنشاط فلول النظام وتجمعهم وخطتهم بالسيطرة على المنطقة.
هجمات وكمائن
انفجر الوضع الأمني في الساحل السوري صباح الخميس، إثر حادثتين أمنيتين منفصلتين في حي الدعتور شمال اللاذقية وأخرى في بيت عانا بريف جبلة الشرقي. وسبق ذلك عدة هجمات وكمائن على حواجز الأمن العام في مناطق مختلفة من الساحل السوري.
الجدير بالذكر أن ساعة الصفر لدى «المجلس العسكري لتحرير سوريا» بدأت بشكل منسق ومركز، فقد قسمت فلول النظام المنضوية في ذلك «المجلس» قواتها إلى ثلاث جماعات هي «درع الأسد» و«لواء الجبل» و«درع الساحل». وأعلن العميد الركن غياث دلا قائد أركان الفرقة الرابعة – دبابات والرجل المقرب من اللواء ماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع، تشكيل المجلس العسكري عقب تمكن عناصره من السيطرة على قواعد عسكرية وقطع طرق الساحل بين طرطوس واللاذقية.
ويوم الخميس تحركت المجموعات بهدف السيطرة على القدموس، إلا أن عددا كبيرا من الأهالي والوجهاء تدخل لتجنب اراقة الدماء وانسحبت عناصر الأمن العام من المخفر باتجاه مدينة مصياف شرقا مقابل عدم دخول قوات «درع الأسد» الذين شكلوا غالبية العناصر وعدد أقل من «درع الساحل»، ووصف المصدر العناصر بأنهم مقنعون ويضعون شارة على جبينهم مكتوب عليها «درع الأسد».
ولفت المصدر إلى أن فلول النظام «كانوا يرتدون لباسا موحدا ويمتلكون كل صنوف الأسلحة والعتاد بما فيها الثقيلة وعربات النقل وأجهزة اتصال لا سلكية (توكي ووكي)».
انتهى الخميس الأسود – كما يفضل الكثير وصفه – بعد ان بدأت تتواتر الأنباء عن فشل التمرد في مدينة اللاذقية وجبلة، وبعد ظهر ذلك اليوم بدأ هؤلاء العناصر بالانسحاب وخلع زيهم العسكري والهرب إلى الأحراش لتخبئة أسلحتهم وتواروا عن الأنظار بشكل نهائي ولم يعد لهم أثر في منطقة القدموس. ويختم المصدر «ننتظر وصول الأمن العام وقوات وزارة الدفاع كي تقوم بحملة تمشيط واسعة بحثا عن مستودعات السلاح والذخائر المخبأة في الغابات والأحراش».
انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان
وفي سياق متصل، أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمقتل قرابة 125 مدنيا على يد قوات الأمن في أرياف اللاذقية وطرطوس وحماة، حسب إحصائية غير نهائية ليل الجمعة، وأشار فضل عبد الغني مدير الشبكة في اتصال مع «القدس العربي» إلى أن عصابات موالية لنظام الأسد المخلوع «قتلت 100 من قوات الأمن و 15 مدنيا»، وشدد على وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال العمليات العسكرية في المحافظتين الساحليتين بينها «عمليات إعدام ميدانية».
من جهة أخرى، قال المقدم حسين عبد الغني، الجمعة إن وزارة الدفاع بدأت بإرسال تعزيزات لدعم قوى الأمن العام في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وذكر أن الهدف من العملية العسكرية هو «التعامل الدقيق مع مصادر النيران وفرض السيطرة الميدانية ومساندة الأمن العام على العناصر الإجرامية» وحذر أنه لا تهاون مع من «يحاول العبث بسوريا ويهدد سلامة أمنها».
في سياق منفصل وصف مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي الهجوم على القوات الأمنية بانه «هجوم مدروس ومعد مسبقا»، ولفت إلى أن مجموعات عدة من فلول ميليشيات الأسد «هاجمت نقاطنا وحواجزنا، واستهدفت العديد من دورياتنا في منطقة جبلة وريفها، مما نتج عنه سقوط العديد من الشهداء والمصابين في صفوف قواتنا» من دون تحديد العدد. في حين أشارت مصادر إعلامية مرافقة لقوات وزارة الدفاع والأمن العام والفصائل المساندة لها أن عدد قتلى القوات الحكومية ارتفع إلى 130 قتيلا، بينهم 70 من إدلب.
تعزيزات عسكرية ضخمة
وأرسلت وزارة الدفاع السورية، «تعزيزات عسكرية ضخمة» إلى منطقة جبلة وريفها «لمؤازرة قوات الأمن العام وإعادة الاستقرار للمنطقة»، وفق وكالة الأنباء الرسمية «سانا».
وأعربت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن قلقها وحزنها إزاء التصعيد العسكري المتزايد في الساحل السوري بين «سلطات دمشق» وجماعات عسكرية أخرى، محذرةً من تداعيات هذا التصعيد على مستقبل البلاد واستقرارها.
وشددت على أن «إطلاق حوار وطني حقيقي»، يشكل السبيل الوحيد لحل الخلافات العالقة بين مختلف القوى السورية، وصولا إلى «سوريا ديمقراطية تعكس آمال وتطلعات جميع مكوناتها».
كما حذرت من محاولات جر البلاد إلى حرب أهلية، داعية أبناء الشعب السوري إلى «عدم الانسياق وراء الأجندات التي تسعى إلى تأجيج الصراع»، مؤكدة أن «الخاسر الوحيد» في هذه المعركة سيكون الشعب السوري، بينما سيستغل الأعداء هذه الفوضى لتحقيق مصالحهم.
على الصعيد الدولي، أعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، عن بالغ قلقه إزاء التقارير الواردة بشأن اشتباكات عنيفة وحالات قتل في المناطق الساحلية، بما في ذلك بين قوات سلطات تصريف الأعمال وعناصر موالية للنظام السابق، مع ورود تقارير مقلقة للغاية عن وقوع ضحايا مدنيين.
وفي ظل استمرار تطورات الأوضاع وسعينا إلى التأكد من الحقائق بشكل دقيق، فإن «هناك حاجة فورية لضبط النفس من جميع الأطراف، وضمان الاحترام الكامل لحماية المدنيين وفقًا للقانون الدولي».
وفي إطار التصحريات الدولية، أعرب المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا، ستيفان شينك عن شعوره بـ«صدمة بالغة» إزاء الضحايا الكثيرة في المناطق الغربية من سوريا، كما دعا الجميع إلى السعي إلى إيجاد «حلول سلمية ووحدة وطنية وحوار سياسي شامل وعدالة انتقالية». وتمسك بضرورة السعي من أجل الخروج من «دوامة العنف والكراهية».
على الصعيد العربي، أدانت دول السعودية والإمارات والأردن وقطر الهجوم على القوات الأمنية. ودانت الخارجية القطرية بأشد العبارات الجرائم التي ترتكبها مجموعات خارجة عن القانون واستهدافها القوات الأمنية في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، مؤكدة على تضامنها مع الحكومة السورية ودعمها لكل ما تتخذه من إجراءات لتوطيد السلم الأهلي وحفظ الأمن والاستقرار في البلاد.
من الواضح أن الإدارة السورية الجديدة قد فشلت في إدارة ملف جيش النظام السابق منذ اليوم الأول لسقوط النظام، ورغم سقوط الأسد قبل ثلاثة شهور، لم تتمكن الإدارة من اعتقال أي من رؤوساء الفروع الأمنية أو قادة الفرق والفيالق.
ومما لاشك فيه ان الإدارة أخفقت على الصعيد الأمني بسبب حداثة عمر الجهاز الأمني وافتقاره الخبرة الأمنية والمعلوماتية، كما أن القطيعة بين الإدارة الجديدة وكامل العناصر الأمنيين المرتبطين بها في دول العالم أو أولئك العاملين في السفارات والقنصليات، يجعل الجهاز يفتقر لمقدرة الحصول على المعلومة الخاصة ويعتمد على مساعدة الأجهزة الأمنية في كل من السعودية وقطر وتركيا وما تشاركه معها.
يضاف إلى ما تقدم سوء تقدير الإدارة الجديدة لكيفية حل «المعضلة العلوية»، ورغم كل ما نشر على وسائل الإعلام من انتهاكات جنود وزارة الدفاع، تجنبت الإدارة الإعلان عن محاسبة العناصر المتورطة بشكل مباشر في الانتهاكات وقتل المدنيين. وفي الوقت الذي فيه سوريا في أشد الحاجة للحديث عن السلم الأهلي ومنع أي احتكاك أهلي، فإن مساندة المحافظات الأخرى تعتبر نصرا وعزة.