بغداد/ تميم الحسن
تتصاعد مقدمات عودة “وحدة الساحات”، فيما تتزايد أيضًا احتمالية توجيه ضربات إسرائيلية للعراق، والتي أوقفتها واشنطن في وقت سابق، بحسب وزارة الخارجية العراقية.
انهيار “هدنة غزة”، والعمليات العسكرية الأمريكية ضد “الحوثيين”، ورفض طهران التفاوض مع “ترامب” حتى الآن، يدفع إلى تبني ما يمكن وصفه بـ”الخطة باء” في العراق.
هذه الخطة قد تكون ما بدأت تلمح إليه قيادات سياسية بشأن “الانفصال الشيعي” في العراق، والذي لا يخلو أيضًا من احتمالية أن يكون مجرد “بالونات اختبار” تُطلق عادة قبل مواسم الانتخابات.
يقول سياسي قريب من “الإطار التنسيقي” إن “ما يجري في اليومين الأخيرين في المنطقة (عودة قصف إسرائيل لغزة، والعمليات العسكرية في اليمن) يهدد بعودة نشاط الفصائل الموالية لإيران”.
وفي غضون الأسبوع الأخير، أعلنت ثلاثة تشكيلات مسلحة، من بينها واحد يحمل اسم “استشهادي”، عن خطابات تصعيدية تهدد بضرب المصالح الأمريكية في العراق.
هذا التهديد دفع رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، إلى طمأنة واشنطن خلال اتصال جرى مع وزير الدفاع الأمريكي، الأحد الماضي.
وقالت تقارير غربية إن وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغيسث، “حذر السوداني بكلمات شديدة اللهجة” من أن أي عمل مسلح يستهدف القوات الأمريكية في العراق أو يدعم قوات الحوثي في اليمن، سيؤدي إلى رد عسكري أمريكي “حاسم ومباشر” على الفصائل العراقية المسلحة.
وتعمل بغداد منذ أكثر من شهر على “نزع سلاح الفصائل”، بحسب قولها، عبر مفاوضات سياسية تبدو متعثرة حتى الآن.
ويقول فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، إنه خلال حرب غزة (التي شهدت استئناف القصف الإسرائيلي فجر الثلاثاء)، كانت هناك مخاطر على العراق، وما زالت قائمة حتى الآن.
وكشف الوزير، في لقاء تلفزيوني، أن أمريكا أوقفت هجمات إسرائيلية على العراق كادت أن تحدث “عدة مرات”.
وأكد حسين أن “أمريكا ليست سعيدة بوجود الفصائل المسلحة في العراق”، مضيفًا أن “هناك تهديدات، وبحكم الجغرافيا، نتخوف من أي تأثيرات لأي حرب ضد إيران”.
ورفض الوزير تحول العراق إلى نسخة مشابهة من إيران، قائلًا: “ليس من صالح المجتمع العراقي والدولة العراقية استنساخ تجربة الدولة والثورة التي كانت موجودة في إيران”.
ويواجه فؤاد حسين انتقادًا من قبل “اليمين الشيعي” في البرلمان، الذي يطالب باستجوابه على خلفية زيارة أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري الجديد، إلى بغداد قبل أيام.
ماذا تخطط طهران؟
العمليات العسكرية في المنطقة، التي توقفت مؤقتًا بعد تسلم “ترامب” للرئاسة الأمريكية، بدأت تشير إلى احتمالية توجيه الضربات القادمة إلى إيران أو الفصائل الحليفة لها في العراق، بحسب رسائل وصلت مؤخرًا إلى “الإطار التنسيقي”.
وعلى أثر ذلك، تحاول طهران الآن وضع “خطة باء” لإنقاذ نفسها ونفوذها في المنطقة، ومنها العراق، عبر تبني “سيناريو الانفصال الشيعي”، وفقًا للباحث في الشأن السياسي، أحمد الياسري.
وبدأت القوى الشيعية في العراق تتحدث بشكل مفاجئ عن “استقلال شيعي” في تسع محافظات، كما جاء في تلميحات نوري المالكي، زعيم “دولة القانون”، والقيادي في كتائب حزب الله، النائب حسين مؤنس.
ويقول الياسري، المقيم في أستراليا، إن “طرح موضوع الانفصال الشيعي في العراق يهدف إلى خلق استقطاب طائفي شيعي لمواجهة التغيرات المحتملة”.
ويضيف أن القوى السياسية العراقية القريبة من إيران “تستشعر خطر ترامب، خصوصًا بعد ضرب اليمن وانهيار الاتفاق في غزة، وهي سيناريوهات كانت مؤجلة بقدوم ترامب”.
سقط أكثر من 1000 بين قتيل ومصاب في أحدث هجوم إسرائيلي على “غزة”، بحسب مصادر طبية من القطاع، فيما تستمر الضربات الأمريكية على “الحوثيين”.
ويشير الياسري إلى أن “قوى الإطار التنسيقي تحاول التمترس بالطائفة للمرحلة القادمة، وخلق حالة خوف جمعي من القادم، عبر الترويج لأن المناطق السنية ستكون امتدادًا لسوريا”.
ويضيف: “هم يخشون من خطاب الجولاني (أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد) أن يلقى تأييدًا من قوى سنية في العراق”.
لذلك، يسعى “الإطار التنسيقي” إلى خلق شرعية دائمة عبر الانتخابات القادمة، التي ستشهد تصاعدًا في الخطاب الطائفي، مقابل انتقاد للأحزاب الشيعية بسبب عدم تحقيقها إنجازات واضحة، وفقًا للياسري.
ويرى الباحث أن “طرح موضوع الانفصال الشيعي يخلق استقطابًا عامًا وتخويفًا من المخاطر، ويدفع الشيعة إلى الاقتراب أكثر من إيران، كما يولد ضغطًا على القوى الكردية والسنية عبر التلويح بقطع النفط والثروات الموجودة في الجنوب، لكن هذا أمر خطير جدًا”.
وكان محمود المشهداني، رئيس البرلمان، قد هدد القوى الشيعية بقطع “المياه” عن الجنوب، ردًا على تهديدات المالكي السابقة بقطع “النفط” عن السنة، في حال تم فرض تقسيم العراق.
ويؤكد أحمد الياسري، رئيس “مركز الدراسات العربية – الأسترالية”، أن “عراقًا موحدًا لن يكون مفيدًا لإيران في حال تناقص نفوذها”.
ويوضح: “العراق الديمقراطي الموحد يمثل قوة لإيران عندما تكون إيران قوية، حيث تسيطر القوى الشيعية على الحكم باعتبارها الأغلبية، لكن حينما يتراجع نفوذ إيران وتضعف الثروات في المنطقة الشيعية، فإن تبني خطاب التقسيم يخدم إيران في هذا التوقيت”.
ويتابع: “وحدة العراق بالنسبة لإيران ليست ذات أهمية كبيرة، فهي عمليًا تنسق مع القوى الكردية والسنية، لكن وجود دولة موحدة في العراق، في وقت تخسر فيه إيران نفوذها في لبنان وسوريا، قد لا يكون مفيدًا لها، لأنها لم تعد تهتم بهذه الجغرافيا كما في السابق، وأصبحت هناك طرق غير تقليدية لدعم حزب الله والحوثيين”.
ويؤكد الياسري أن إيران تتوقع إما إسقاط النظام في العراق، أو إضعافه، أو إخراج القوى التابعة لها، ولذلك تخشى “السيناريو السوري”، حيث يمكن أن يسقط العلويون في حال سقط الأسد.
لذلك، تدفع طهران إلى تخويف الكتلة الاجتماعية الشيعية، لتسهيل تمرير المشاريع السياسية القادمة، لأن أخطر ما يمكن أن يهدد إيران هو “تبني الكتلة الشيعية في العراق خطابًا يتعارض مع سياساتها”.
وفي كل الأحوال، يرى الباحث أنه حتى لو لم يتحقق “سيناريو الانفصال الشيعي”، فإن الترويج له يُعدّ بمثابة “جس نبض” إعلامي، يقوده مؤيدو “الإطار التنسيقي” وإيران.
“إفلاس سياسي”
لم تتطرق القوى الشيعية إلى “الانفصال”، باستثناء مطالبات عبد العزيز الحكيم، الزعيم السابق للمجلس الأعلى، في عام 2005، حين تحدث عن “فيدرالية شيعية” في الجنوب.
ويعتبر باسل حسين، رئيس مركز كلوذا للدراسات، أن الحديث عن “الانفصال الشيعي” عن العراق لا يمكن التعامل معه بجدية.
ويقول حسين: “يدرك الجميع أن هذا الموضوع يأتي في إطار المناكفات السياسية والمزايدات الانتخابية أكثر من كونه مشروعًا واقعيًا”، مبينًا أن “هذه الدعوات غالبًا ما تُستخدم كأداة لإثارة الشارع الشيعي واستمالته انتخابيًا، في ظل غياب إنجازات حقيقية يمكن الترويج لها”.
ويرى الباحث أن التلويح بالانفصال ليس سوى “امتداد لنهج الخطاب الطائفي الذي اعتاد عليه العراقيون مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، وهو خطاب المفلسين سياسيًا، ويهدف إلى إشغال الرأي العام بقضايا جدلية بدلًا من التركيز على الإصلاحات الجوهرية المطلوبة”.
والأخطر، بحسب رئيس مركز كلوذا، أن هذا النوع من الطروحات يعكس “انحسار الهوية الوطنية لصالح النزعات الفئوية، وهو ما يعمّق أزمات العراق بدلًا من المساهمة في حلها”.
ويشير حسين إلى أنه لا توجد بنية تحتية سياسية أو اقتصادية قادرة على دعم انفصال أي مكون عراقي، لافتًا إلى أن “التشابك الاقتصادي، الديموغرافي، والجغرافي يجعل من العراق كيانًا يصعب تفكيكه عمليًا. إضافة إلى ذلك، فإن التوازنات الإقليمية والدولية لن تسمح بمثل هذا السيناريو، حيث يبقى استقرار العراق أولوية في الحسابات الجيوسياسية للمنطقة”.