الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
لطالما اتُهِمَ النظام السوريّ السابق بقيادة الدكتور بشّار الأسد بأنّه لا يرُدّ على الاعتداءات الإسرائيليّة على بلاد الشام، ولكن مع تغيير النظام الحاكم في دمشق وتعيين أبو محمد الجولاني نفسه رئيسًا سوريّة، مبايعةً وليس انتخابًا، تمادى كيان الاحتلال في تصرفاته، واحتلّ أراضٍ سوريّةٍ وأعلن على لسان وزير حربه، إسرائيل كاتس، أنّه باقٍ فيها ولن ينسحب منها، فيما التزم حُكّام دمشق الجدد صمت أهل الكهف إزّاء عنجهية إسرائيل التي فاقت كلّ التوقعات.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدول العربيّة التي دعمت الانقلاب في سوريّة وما زالت تدعم الحُكّام الجدد لم تنبّس ببنت شفةٍ حيّال الاعتداءات الإسرائيليّة على بلاد الشام، وكأنّ الحديث لا يجري عن دولةٍ عربيّةٍ تُنتهك سيادتها على مدار الساعة من قبل أحد ألّذ أعداء الأمّة العربيّة.
ووفقًا للمصادر السياسيّة في تل أبيب، فإنّ المشكلة أوْ المعضلة تكمن في التوترات بين تركيّا ودولة الاحتلال حول ما يُسّمى بـ “تقسيم الكعكة السوريّة”، حيث تتناقض مصالحهما في بلاد الشام الأمر الذي يرفع من منسوب التوتّر بين أنقرة وتل أبيب.
ad
وذكر موقع (والا) الإخباريّ-العبريّ، نقلاً عن محافل وازنةٍ في الكيان قولها إنّهم في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أجروا عدة نقاشات الأسبوع الماضي بشأن موضوع الساحة الشمالية والعمليات التي تجري في جميع أنحاء سورية، بما في ذلك محاولات النظام الجديد، بقيادة الجولاني، لاستعادة البنية التحتية العسكرية مثل بطاريات الدفاع الجوي والصواريخ والقذائف في الجزء الجنوبي من سورية.
كما أشاروا، بحسب الموقع، إلى أنَّ الموقف العام في المؤسسة الأمنية هو أنّه من أجل الحفاظ على التفوق الجويّ لإسرائيل والسماح بحرية العمل، يجب إحباط أيّ محاولةٍ من هذا القبيل أوْ الكشف عن الأسلحة المتطورة.
بالإضافة إلى ذلك، أكّد الموقع أنّه علِم بأنَّ النظام السوريّ يجري محادثات متقدمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتسليم خليةٍ ميدانيةٍ في منطقة تدمر للجيش التركي مقابل الحصول على مساعداتٍ اقتصاديّةٍ وعسكريّةٍ وسياسيّةٍ، على حدّ قوله.
ad
ولفتت المصادر الإسرائيليّة عينها إلى أنّ هذه العملية تثير قلقًا كبيرًا لدى دولة الاحتلال، إذ أنّ الوجود العسكريّ التركيّ شرقي مدينة حمص سيسمح في المستقبل لتركيا بالوصول عسكريًا إلى جنوب سورية، ومن هناك فإنّ الطريق إلى الاحتكاك مع إسرائيل قصير.
وقال مصدرٌ أمنيٌّ إسرائيليٌّ الأسبوع الماضي في إحدى مناقشات تقدير الوضع إنّ “المواجهة بين تركيا وإسرائيل في المنطقة السورية أمر لا مفر منه” نتيجة محاولة أردوغان المساس “بحرية العمل الإسرائيلية”، والتي تهدف إلى إزالة أي تهديد لإسرائيل من الأراضي السورية أيضًا.
إلى جانب ذلك، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيليّ ترسيخ وجوده في المنطقة العازلة السورية، والتواصل مع السكان السوريين المحليين، مع التركيز على القرى الدرزية، وتقديم المساعدة حسب الحاجة في مجالات البنية التحتية والغذاء والدواء.
وبحسب أرييل كاهانا، المُحلِّل السياسيّ في صحيفة (إسرائيل اليوم) العبريّة، فإنّ القلق في تل أبيب هو تركيا، وتابع: “لقد أصبحت سورية بحكم الأمر الواقع دولة وصاية للحاكم التركيّ رجب الطيب أردوغان. عداء الرئيس التركيّ لليهود معروف، وقد أعرب أيضًا خلال الحرب أنّه سيأتي يوم وستواجه قواته إسرائيل”، على حدّ مزاعمه.
وتابع المحلل الإسرائيليّ: “يبدو أنّه من أجل إحباط مثل هذا التطور مسبقًا، تطمح إسرائيل إلى تجريد المنطقة التي يمكن أنْ تحدث فيها مثل هذه المواجهة من السلاح. بالمناسبة، هناك أيضًا إمكانية لتشكيل تحالفٍ تهديديٍّ من المجموعات التي ترعاها تركيّا والتي ستتحدى إسرائيل، كجزءٍ من أوهام أردوغان المعادية للسامية، ونزع السلاح سيكون خطوة وقائية”، على حدّ تعبيره.
وتابع: “تقوم إسرائيل بتنمية علاقات مدنية صحية مع مختلف الطوائف في المناطق التي ذكرها نتنياهو، خاصة مع الدروز. لذلك، نتنياهو بسط رعايته عليهم في خطابه المذكور. يبدو أنّه لهذه الأسباب، طرح نتنياهو مطلب منع انتشار أسلحة في المنطقة القريبة من إسرائيل. الآن علينا أن نرى كيف ستستجيب السلطة السورية-التركية”، كما قال.
ويبدو جليًّا وواضحًا أنّ دولة الاحتلال تسعى وبخطىً حثيثةٍ إلى تقسيم سوريّة لدويلاتٍ طائفيّةٍ وعرقيّةٍ ومذهبيّةٍ، وذلك بهدف شطب التهديد الذي كانت تُشكله سوريّة على أمن إسرائيل على مدار عشرات الأعوام.
وغنيٌّ عن القول إنّ دولة الاحتلال يسعى لتقسيم سوريّة لدويلاتٍ طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ وعرقيّةٍ من أجل شطب التهديد السوريّ على الكيان، وفق مقولة مَنْ يُطلِقون عليه مؤسس إسرائيل، دافيد بن غوريون، الذي كان قد قال “إنّ عظمة إسرائيل لا تكمن في قنبلتها النوويّة ولا في ترسانتها العسكريّة، بل في تدمير الجيوش العربيّة في كلٍّ من مصر والعراق وسوريّة”.