باريس- “القدس العربي”:
مُعنونة: “كيف امتلكت إسرائيل السلاح الذري في ظل غموض تام وتجاهل للقانون الدولي؟”، قالت صحيفة “ليمانيتي” الفرنسية، إن أيًّا من الرؤساء الأمريكيين السابقين، بمن فيهم دونالد ترامب، تجرأ أن يطالب إسرائيل بالتوقيع على معاهدة عدم الانتشار النووي (TNP). بل على العكس، انسحبت الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الأولى، عام 2019 من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى التي كانت تربطها بروسيا، وهو ما فتح الباب أمام عالم تسوده الفوضى ويتم فيه الدوس على القانون الدولي بلا رادع.
من جهتها، لم تقرّ إسرائيل يوماً بامتلاكها ترسانة نووية مستقلة، كما أنها تمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء أي عمليات تفتيش داخل أراضيها، توضّح الصحيفة الفرنسية، مذكِّرةً في المقابل، أن إيران من جهتها، وقّعَت على معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1970، لكنها كثيراً ما تُتهم بعدم احترام التزاماتها المتعلقة بالشفافية.
وتابعت “ليمانيتي” التوضيح أنه بينما تتركز الأنظار الغربية على البرنامج النووي الإيراني، تؤكد الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (ICAN)، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن “إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة تضم نحو مئة رأس نووي”، وذلك بفضل برنامج مدعوم فرنسياً.
فمنذ خمسينيات القرن الماضي، أرسلت باريس مئات الفنيين إلى إسرائيل، وزودتها بمفاعل نووي بقوة 24 ميغاواط، وبدأت الأعمال الإنشائية عام 1958، تُشير “ليمانيتي”؛ مُذكِّرةً، أن شارل ديغول قرر عند عودته إلى السلطة وضع حد للتعاون النووي مع إسرائيل، إلا أن البرنامج كان قد قطع شوطاً كافياً ليصل إلى مرحلته النهائية.
ووفقاً لأحدث تقارير الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (ICAN)، أنفقت تل أبيب أكثر من مليار دولار العام الماضي على قواتها النووية. وترى المنظمة أن الحرب التي تُشن ضد إيران “تُثبت مرة أخرى أن منطق الردع لا يحمي الأوطان، بل يقود إلى الحروب”.
ومضت “لوفيغارو” موضّحةً أن تشغيل المجمع النووي الإسرائيلي بدأ عام 1963 في ديمونا، وسط صحراء النقب. وكان لرئيس الوزراء الأسبق دافيد بن غوريون دور مركزي في تطويره، مستغلاً التوترات الإقليمية وتلويحه بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست) أمام القادة الأوروبيين للضغط عليهم، محذراً من العواقب الكارثية لهجوم مباغت من الدول العربية، وعلى رأسها مصر.
وفقاً لبن غوريون، يجب على إسرائيل أن تكون دائماً مستعدة للأسوأ، وأن تعتمد على قدراتها الذاتية فقط. ويؤكد المؤرخ المتخصص في الشأن النووي، آفنير كوهين، أن “فكرة البرنامج النووي الدفاعي كشبكة أمان كانت محل إجماع وطني شبه تام”.
كما أوضحت الصحيفة الفرنسية أن شمعون بيريز، الذي يُنظر إليه كرمز للتيار السلمي بعد اتفاقات أوسلو عام 1994، كان من أبرز مهندسي البرنامج النووي الإسرائيلي. ولم يتردد هو الآخر في مقارنة إيران بالرايخ الثالث، قائلاً: “إيران هي أخطر دولة، لأن الملالي يؤمنون بتفوّق ديانتهم، كما كان هتلر يؤمن بتفوّق العرق الآري”.
وتابعت “ليمانيتي” القول إن إرنست دافيد بيرغمان، الأب الروحي للبرنامج النووي الإسرائيلي، كان يعتقد أن انتشار السلاح النووي أمر لا مفر منه، ويجب على إسرائيل أن تسبقه لحماية نفسها. ويروي شمعون بيريز أن بيرغمان قا، رغم معارضة الأوساط العلمية: “أنا مقتنع بأنه على دولة إسرائيل أن تمتلك برنامجاً دفاعياً بحثياً خاصاً بها، حتى لا نُذبح كالحملان مرة أخرى”.
ومن شدة الحساسية التي يثيرها الموضوع، أقدم الموساد عام 1986 على اختطاف الفني الإسرائيلي مردخاي فعنونو في روما، بعد أن كشف للصحافة تفاصيل البرنامج النووي السري. وحُكم عليه عام 1988 بالسجن لمدة 18 عاماً.
لكن في ديسمبر/ كانون الأول عام 2006، وخلال زيارة رسمية إلى ألمانيا، ارتكب رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت زلة لسان سلّطت “ليمانيتي” الضوء عليها. فعندما سُئل عن البرنامج النووي الإيراني، قال: “إيران هددت بمحو إسرائيل عن الخريطة. هل يمكن مقارنة هذه التهديدات مع سعي دول مثل فرنسا، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وروسيا إلى امتلاك السلاح النووي؟ إسرائيل لا تهدد أي بلد، ولم تفعل ذلك قط”.
وقبل ذلك بأيام فقط، كان وزير الدفاع الأمريكي حينها، روبرت غيتس، قد صرّح بأن “إيران محاطة بقوى نووية: باكستان من الشرق، روسيا من الشمال، وإسرائيل من الغرب”. ومن هذا المنطلق، فإن الشفافية تصبح ضرورة تفرضها المكانة التي تدّعيها إسرائيل باعتبارها “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، تقول صحيفة “ليمانيتي”