بغداد/ تميم الحسن
تفجّرت أزمة “رواتب الحشد” مع اقتراب الانتخابات والحديث عن استخدام “موارد الدولة” في الدعاية.
وحتى الآن، لم يُحسم السبب الرئيسي لتعطّل دفع المرتبات لنحو 300 ألف عنصر في “الحشد”.
وتشير مصادر سياسية إلى أن “جهات حرّكت القضية بسبب شكوك باستخدام رواتب (الفضائيين) من الحشد الشعبي في الانتخابات”.
صكّ مصطلح “الفضائيين” في العراق شعبيًا، لأوّل مرة، في فترة حكومة نوري المالكي الثانية (2010-2014)، ويعني منح مرتبات لموظفين وهميين.
وقبل أكثر من خمسة أعوام، كشف حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، عن عشرات الآلاف من عناصر “الحشد الوهمية”.
ولا يعرف المصدر، وهو قريب من قوى شيعية، الجهة التي قامت بإثارة قضية رواتب الحشد الشعبي، لكنه يفترض بأنها “قريبة من الدوائر الأمريكية”.
معلومات المصدر تعتمد على رواية “العقوبات الأمريكية” على “الحشد”، وهي رواية تنفيها أطراف شيعية أخرى.
يقول بهاء الأعرجي، وهو مقرّب من رئيس الحكومة محمد السوداني، إن القضية “أزمة كاش”.
أوضح الأعرجي في مقابلة تلفزيونية أن “المعاناة الحقيقية تتمثّل بعدم وجود السيولة المالية (الكاش)، وأن ذلك ما أخّر صرف رواتب منتسبي الهيئة، وليس الضغوط الأمريكية”.
وأكّد نائب رئيس الوزراء الأسبق عدم وجود أي مشكلة في تأمين رواتب الموظفين، وأن “المواطن العراقي لا يثق بالبنوك والمصارف المحلية”.
لكن عضوًا في اللجنة المالية في البرلمان يخالف كلام الأعرجي، ويؤكد أن وزارة المالية أطلقت رواتب “الحشد”، إلا أن شركة “كي كارد” تمتنع عن صرفها.
وأضاف عضو اللجنة، وهو عدي عواد، في بيان أصدره النائب بخصوص تأخير رواتب الحشد، أوضح فيه أنه من المقرّر أن ينعقد اجتماع لوزارة المالية والمصارف لإيجاد حلّ سريع لهذا الأمر.
وأضاف أنه “قد يُصار إلى توزيع الرواتب بشكلٍ يدويٍّ لحين إيجاد حلّ بديل للتوطين”.
جذور الأزمة: الرواية الأولى
قبل شهرين، وقبل اندلاع الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، كشفت في تقرير نُشر في ذلك الوقت، عن “عقوبات أمريكية ضد المصارف”.
وبحسب التقرير الذي نُشر نيسان الماضي، وكانت بغداد تفاوض واشنطن حينها، فإن الحكومة العراقية حاولت إنقاذ أكثر من 30 مصرفًا جديدًا من عقوبات أمريكية متوقعة.
وقال إحسان الشمري، باحث وأكاديمي، إن الزيارة تتعلق بالمباحثات حول العقوبات الأمريكية على المصارف.
وسافر ضمن الوفد مع وزير الخارجية، وزير المالية طيف سامي، ومحافظ البنك المركزي علي العلّاق.
وكشف الشمري أن المصارف العراقية المعاقبة من الولايات المتحدة بلغت “37 مصرفًا”، وقد يرتفع العدد حسب المؤشرات إلى “69 مصرفًا”.
وأضاف: “هناك طلب أمريكي بغلق المصارف العاملة بالعراق بالشمع الأحمر، وما يتبقى هو 4 أو 6 مصارف عاملة، حسب المعلومات”.
كذلك أشار الشمري إلى وجود مشكلة مع “بطاقات الدفع المسبق”، إذ إن الخزانة الأمريكية وجدت أن “جزءًا من عمل ونشاط الذين يريدون الالتفاف على العقوبات الأمريكية يتم عبر هذه البطاقات”.
وفي ذلك الوقت، تسربت أنباء عن إيقاف العمل بـ”الماستر كارد” و”الفيزا كارد” في العراق، قبل أن ينفي البنك المركزي تلك الأخبار.
وكان نواب قد حذروا في وقتٍ سابق من عقوبات أمريكية ضد “مؤسسات مالية” عراقية متورطة في تهريب الدولار إلى إيران، ولديها علاقة بدفع رواتب “الحشد”.
ويقول النائب عدنان الزرفي، وهو مرشح سابق لرئاسة الحكومة، إن “الحشد مؤسسة تهدّد الأمن الإقليمي، وواشنطن تريد حلّ هذه الجماعة”.
الزرفي، الذي وُصف بأنه لديه علاقات مع جمهوريين، أكّد في مقابلة تلفزيونية أن “رواتب الحشد مهددة لأنه لا يُعرف أين تذهب هذه الرواتب”.
وأوضح أن “70% من عناصر الحشد متسرّبة وتعمل في أعمالٍ أخرى غير معروفة”.
وقال إن “واشنطن سوف تفرض عقوبات اقتصادية وتستهدف شخصيات قريبة من إيران”، واصفًا العقوبات بأنها “ستُنفذ هذه المرة، ليس كما في المرّات السابقة”.
وكان وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري قد توقّع في وقتٍ سابق أن العراق قد يواجه وضعًا اقتصاديًا “صعبًا” في الصيف الحالي، بسبب التعامل مع إيران.
ويتفق الزرفي وزيباري على أن واشنطن تراقب تمويل الحشد البالغ نحو “4 تريليونات دينار” حسب موازنة 2024، و”تهريب النفط”، و”الدولار”.
الرواية الثانية
وتتداخل رواتب “الحشد” و”العناصر الوهمية” في الهيئة مع قضية الانتخابات التي يُفترض أن تُجرى قبل نهاية العام الحالي.
وتزايد عدد منتسبي الحشد الشعبي بنحو 50 ألف عنصر خلال العامين الأخيرين.
وأثارت هذه الأرقام إشكاليات تتعلق بقانون “خدمة الحشد والتقاعد”، الذي تسبب في تعطيل جلسات البرلمان منذ 7 أشهر، وتم سحبه من الحكومة.
ويبلغ العدد حاليًا لـ”الحشد” نحو 275 ألف منتسب، بينما كان العدد أكثر من 220 ألفًا وفقًا لموازنة 2023.
وبحسب المصدر السياسي الشيعي، فإن “هناك اتهامات داخل الإطار التنسيقي باستثمار أموال وعناصر الحشد في الدعاية والأصوات الانتخابية”.
وقبل أيام، قرر حيدر العبادي، وهو أبرز قيادات التحالف الشيعي، عدم المشاركة في الانتخابات، بسبب هيمنة “المال السياسي”.
والحديث عن تسرب “المال السياسي” لم يتفرد به العبادي لوحده داخل البيت الشيعي، بل كشف قبله نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، عن معلومات بخصوص “بيع مرشحين” بأموال طائلة.
لكن العبادي كان لديه أكثر من سجال مع “رواتب الحشد”، ففي مقابلة مع القناة العراقية عقب خروجه من السلطة في 2019، قال إن قيادات في الحشد الشعبي جمعت ثروات على حساب المال العام في ظروفٍ غامضة.
وقال العبادي إن “مفتش عام هيئة الحشد صارحني بوجود 60 ألف مقاتل في الحشد على الأرض و150 ألفًا على الورق”.
وفي 2018، كانت وثيقة قد تداولت في وسائل الإعلام المحلية “تمنع تحرّكات الحشد بدون موافقته (العبادي)”.
واتهم الحشد في بيان آنذاك، العبادي باتباع سياسة “ليّ الأذرع”، وبأنه يحجب “مخصصات المقاتلين”.
في ذلك الوقت، قُتل رئيس مالية الحشد قاسم ضعيف في ظروفٍ غامضة.
والعبادي عطّل أكثر من مرة رواتب الحشد بسبب شكوك بـ”صحة أعداد المنتسبين”، بحسب تقارير صحفية، لكنه غادر السلطة في 2014، ولم يقبض على “الفضائيين”، وكان قد كشف حينها عن وجود 50 ألف “فضائي” في وزارة الدفاع، وهو أمر لم يستطع إثباته بعد ذلك بشكلٍ واضح.