بغداد ـ «القدس العربي»: يبحث وفد كردي في العاصمة بغداد مع المسؤولين الاتحاديين، إيجاد اتفاق لإدارة ملفي النفط والواردات غير النفطية في كردستان العراق، تمهيداً للتوصل إلى اتفاق من شأنه إنهاء الصراع ا مشرق ريسان
لمتجدد في كل عام بين المركز والإقليم، وسط تحذيرات سياسية كردية من مغبة انتهاء المهلة الاتحادية التي تنتهي اليوم الثلاثاء، وفرض بغداد وصايتها على واردات النفط الكردي بشكل مباشر، وبدعمٍ من المجتمع الدولي.
محادثات في بغداد
ووفق وسائل إعلام مقربة من الحزب «الديمقراطي» الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، فإن وفداً من حكومة كردستان وصل إلى بغداد لإجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين بشأن مسودة الاتفاق بين الجانبين.
ويتألف الوفد من وزير الثروات الطبيعية بالوكالة كمال محمد، وأمين سر مجلس وزراء الإقليم أمانج رحيم، ورئيس مكتب التنسيق والمتابعة عبد الحكيم خسرو، حسب موقع «رووداو».
ويأتي توجّه هذا الوفد في الوقت الذي أعدّت فيه بغداد مسودة نهائية للاتفاق على إعادة تصدير النفط، وتنتظر رد أربيل، قبل أن تُطرح في اجتماع مجلس وزراء الحكومة الاتحادية في بغداد المقرر اليوم الثلاثاء.
وكان مصدر مطّلع على مفاوضات بغداد وأربيل، فضّل عدم الكشف عن هويته، قد أفاد بأن مسودة الاتفاق الخاصة بتسليم وتصدير النفط باتت في مراحلها النهائية، مشيراً إلى أن التعديل الأبرز في الاتفاق يتمثل في تسليم كامل النفط المنتج مقابل قيام الحكومة الاتحادية بتأمين احتياجات كردستان من المنتجات النفطية.
وأشار المصدر في حكومة إقليم كردستان إلى أن مسودة الاتفاق تنص على إرسال وفد من وزارة النفط العراقية إلى الإقليم لغرضين: أولاً، تحديد مستوى الإنتاج النفطي الفعلي، وثانياً، تقييم حجم الاحتياجات المحلية من المنتجات النفطية مثل النفط الأبيض والبنزين وزيت الغاز، والتي ستتولى الحكومة الاتحادية توفيرها وفق الاتفاق.
وتجدر الإشارة إلى أن تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان التركي متوقّف منذ (25 آذار/ مارس 2023)، بينما دخل تعديل قانون الموازنة حيّز التنفيذ في 17 شباط/ فبراير بهدف تذليل العقبات أمام استئناف هذه الصادرات.
وبموجب التعديل، ستتولى شركة استشارية تقييم تكاليف استخراج ونقل نفط إقليم كردستان. وإلى حين الانتهاء من هذا التقييم، ستقوم بغداد مؤقتاً بدفع 16 دولاراً لكل برميل مُنتج في الإقليم إلى الشركات النفطية كتكلفة تشغيل.
في هذا الصدد، كشف مسؤول في إحدى شركات النفط العاملة في كردستان أن «الشركات قدّمت في 2 تموز/ يوليو مقترحاتها رسمياً إلى حكومة إقليم كردستان، والتي أحالتها بدورها إلى بغداد. وقد تضمّنت هذه المقترحات ثلاثة مطالب رئيسية»، تمثلت في أن تكون الـ16 دولاراً المخصصة لتكاليف الاستخراج والنقل «مؤقتة ولمدة 90 يوماً فقط، وهي المهلة التي يُفترض أن تنهي فيها الشركة الاستشارية أعمالها»، بالإضافة إلى «الحفاظ على محتوى العقود الموقعة مع الشركات، مع اعتماد النسبة المنصوص عليها فيها كأساس للاستحقاقات المالية، بدلاً من تحديد مبلغ ثابت»، فضلاً عن «معالجة الديون المتراكمة على الحكومة، والتي تزيد على 900 مليون دولار، وتحميل أحد الطرفين، أربيل أو بغداد، مسؤولية تسديدها»، حسب المصدر ذاته.
وفد من كردستان يجري مباحثات مع مسؤولين في العاصمة العراقية
وتؤكد مصادر متطابقة أن الشروط (ثلاثة) الاتحادية على الإقليم، تتعلق بتسليم كامل إنتاج نفط إقليم كردستان إلى بغداد، ناهيك عن تحويل 50% من الإيرادات الداخلية للإقليم إلى الخزينة الاتحادية، وتوطين مرتبات موظفي الإقليم عبر البنوك العراقية المعتمدة وليس ضمن مشروع «حسابي» الذي انشأته حكومة الإقليم في وقت سابق.
وفي حال توصّل الطرفان إلى هذا الاتفاق، فإن مجلس الوزراء الاتحادي سيصوّت على المسودة خلال جلسته المقررة اليوم الثلاثاء.
وكان عضو برلمان كردستان السابق، شيركو جودت، قد حذّر الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، من فقدان السيطرة على ملف النفط والغاز في الإقليم، في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الاتحادية بحلول اليوم الثلاثاء.
وقال في «تدوينه» له، إن «المهلة المتاحة أمام سلطات الإقليم تنتهي الثلاثاء، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الحكومة الاتحادية ستتولى إدارة الحقول النفطية والغازية بشكل مباشر، وبدعم وموافقة من القوى الدولية الكبرى».
وأضاف أن هذا «السيناريو سيشمل أيضاً قيام بغداد بصرف رواتب موظفي الإقليم بشكل مباشر، دون وساطة سلطات الإقليم، مع الإبقاء على كيان الإقليم كمكون إداري، لكن من دون هيمنة الحزبين الحاكمين».
وأكد جودت أن «هذا التحول قد يكون بداية لنهاية المنظومة الحالية»، التي وصفها بأنها «فشلت في تقديم أي حلول حقيقية للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالإقليم».
وأشار إلى أن «الوضع لم يعد يحتمل المماطلة، وأن المجتمع الدولي يتابع التطورات عن كثب، في ظل تزايد الدعوات لإنهاء احتكار السلطة والثروة في كردستان». وتواجه حكومة الإقليم اتهامات سياسية تشنها قوى وشخصيات معارضة، بالقيام بعمليات تهريب لنفط كردستان، من دون تسديد مرتبات الموظفين الأكراد المتأخرة منذ أكثر من شهرين.
عضو برلمان إقليم كردستان عمر كولبي، تحدّث عن واحدة مما وصفها «أخطر عمليات هدر المال العام» التي أقرتها حكومة تسيير أعمال الإقليم في صفقة لتصدير النفط مع شركة أجنبية وبالتعاون مع شركة «كار» الكردية.
وقال في بيان مُتداول أمس، إن «خط أنابيب تصدير النفط متوقف تماماً منذ أكثر من عامين، دون أن يُضخ عبره برميل واحد، ومع ذلك تُدفع شهرياً 60 مليون دولار تحت مسمى (إيجار الأنبوب) لصالح شركتي (روسنفت) و(كار)».
وأضاف أن «شركة (روسنفت) تستحوذ على 60% من هذا المبلغ، أي ما يعادل 36 مليون دولار شهرياً، فيما تذهب الـ40% المتبقية إلى شركة (كار)، أي نحو 24 مليون دولار، وذلك رغم توقف الصادرات النفطية بالكامل».
وأشار إلى أن «حكومة تسيير أعمال الإقليم (مستنداً إلى عدم تشكيل حكومة جديدة) وقّعت اتفاقاً كارثياً مع شركة (روسنفت)، يصعب فسخه أو مراجعة شروطه بسهولة»، متسائلاً عن «مبرر دفع عشرات الملايين من الدولارات شهرياً لشركة (كار)، وهي شركة محلية مملوكة لأطراف داخل السلطة؟ هل هذه الأموال تُمنح مجاناً؟ وهل هذا العقد شفاف أم صُمم لحماية مصالح خاصة فقط؟».
نهب منظم
وأكد أن «ما يجري ليس سوى نهب منظم ومُقنن باتفاق رسمي، لا يمكن تبريره بأي منطق إداري أو اقتصادي، بل يُعد إهانة مباشرة لكل مواطن لم يتقاضَ راتبه منذ أشهر».
ولفت إلى أن «السياسات الكارثية خلال العقد الماضي أدت إلى ضياع 80 تريليون دينار من عائدات النفط التي كان يفترض أن تذهب إلى بغداد، إضافة إلى تراكم ديون على الإقليم تصل إلى 32 مليار دولار، وكل ذلك تحت شعار النفط لنا».
واختتم بالقول: «النفط في كردستان خلال العقد الماضي لم يكن خيراً لأهله، بل أصبح عبئاً وسلاحاً بيد القلة»، مؤكدا أن «تسليم النفط اليوم إلى شركة (سومو)، على علّاتها، قد يكون خطوة أولى نحو إنقاذ ما تبقى من الرواتب والميزانية».