لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لسنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوي بلندن، قالت فيه إن دول الخليج تواجه الآن تهديدا جديدا، ولم تعد إيران هي البعبع، بل إسرائيل.
وقالت الكاتبة إن محاولة إسرائيل اغتيال قادة حماس في الدوحة، خرقت خطا أحمر لا يمكن حتى لأقرب شركائها العرب تجاهله.
ولطالما بررت إسرائيل الضربات الاستباقية والخارجة عن حدودها باعتبارها ضرورية لأمنها. وعلى مدار عامين، ضربت ست دول في المنطقة (بما في ذلك فلسطين)، سعيا للقضاء على جميع التهديدات لأمنها.
لكن ضرب عاصمة قطر، الدولة الثرية والشريك الأمني والحليف غير العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) للولايات المتحدة ومكان مفاوضات مضنية بين إسرائيل وحماس بناء على طلب واشنطن، ليس مجرد عملية قتل مستهدفة أخرى. إنه يمثل تحولا جوهريا حيث لم تعد الدول العربية ترى إيران على أنها العامل الرئيسي الوحيد المزعزع للاستقرار في المنطقة. بل بات قادة دول الخليج يرون أن إسرائيل أيضا مزعزعة للاستقرار.
وليست هذه المرة الأولى التي تضرب فيها إسرائيل بينما كانت المفاوضات والجهود الدبلوماسية جارية. فعلى مدار هذين العامين، قامت بعمليات اغتيالات وضربات واسعة في لبنان ضد حزب الله، وفي سوريا، مما زاد من حدة التوترات مع حكومة الشرع الجديدة، وفي اليمن حيث استهدفت الحوثيين. كما شنت حربا ضد إيران، في حزيران/ يونيو استمرت 12 يوما وعندما كانت طهران تجري مفاوضات مع واشنطن.
وكثيرا ما قامت إسرائيل بهذه الضربات لعرقلة المحادثات أو لإظهار رفض إسرائيل المسار الدبلوماسي. وتندرج ضربة الدوحة في هذا السياق، لكن رمزيتها ستخلف آثارا بعيدة المدى.
وقد سقطت الصواريخ في حي هادئ بالدوحة، على مقربة من قصر زاره دونالد ترامب مؤخرا خلال جولته في المنطقة في أيار/ مايو، وشملت أيضا زيارة قاعدة جوية أمريكية في قطر.
وبالنسبة لحكام الخليج، تشكك هذه الرسالة في افتراضهم الراسخ بأن العلاقات الأمريكية والقواعد العسكرية ستحميهم من الهجمات.
ولطالما كانت إسرائيل تتعامل بنية سيئة مع قطر. وكجزء من صفقة وافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، أرسلت الدوحة أموالا إلى غزة لسنوات في محاولة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أعاد المسؤولون الإسرائيليون صياغة هذا الترتيب على أنه ساهم في ترسيخ حماس والهجمات على إسرائيل. ومع ذلك، لا تشارك واشنطن هذا الرأي، حيث تستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، وهي حجر الزاوية في استعراض القوة الأمريكية بالمنطقة. ومن قطر أدارت القوات الأمريكية عملياتها في أفغانستان والعراق وسوريا.
وفي عام 2022، صنف جو بايدن قطر “حليفا رئيسيا من خارج الناتو”.
وقد تعرضت الدوحة أيضا لصواريخ إيرانية خلال الحرب الإسرائيلية- الإيرانية في حزيران/ يونيو، عندما أطلقت طهران صواريخ على القاعدة الأمريكية ردا على الضربات النووية.
وهذه الضربة الثانية في أقل من بضعة أشهر، بدعم من حليف وثيق للولايات المتحدة، وقد أثارت تساؤلات حول الحماية الأمريكية.
وتقول وكيل إن دول الخليج بنت رؤيتها للأمن الإقليمي على مدى عقود، من خلال عدسة التهديد الإيراني، المتمثل ببرنامج طهران النووي ولرعايتها ما عرف بـ”محور المقاومة” وقدرتها على الضرب عبر الحدود، كما في هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ عام 2019 على منشآت أرامكو السعودية.
أما اليوم، فقد أعادت حملات إسرائيل غير المنضبطة في غزة، وتصعيد العمليات في الضفة الغربية والتصعيد المستمر في لبنان وسوريا وقطر، صياغة التفكير في دول الخليج بخاصة والعالم العربي عامة.
وتستنتج الدول العربية أن إسرائيل أصبحت الآن أكبر تهديد للاستقرار في المنطقة. ومع أن هذا لا يبرر سلوك طهران، فلا يزال دورها في تأجيج الصراع في العراق ولبنان وسوريا واليمن واضحا. لكن اعتداءات إيران أصبحت مألوفة ومتوقعة للغاية، وربما يكون تقدير قوتها في المنطقة مبالغا فيه.
وعلى النقيض من ذلك، أصبحت أفعال إسرائيل أكثر جرأة على حساب المعايير التي افترض القادة العرب أنها لا تزال تحكم منطقتهم.
وقد عزز التقاعس الأمريكي هذا التصور، حيث رفضت كل من إدارتي بايدن وترامب كبح جماح الهجمات العسكرية الإسرائيلية. وستجبر الضربة ضد قطر، حكامَ الخليج على مواجهة حقيقة أن واشنطن تبدو غير راغبة، أو غير قادرة، على كبح جماح أقرب حلفائها.
وطالما خشيت دول الخليج من أن توجه أمريكا تركيزها نحو آسيا، فهي تتذكر بوضوح كيف فشلت الدفاعات الأمريكية في وقف هجوم إيران عام 2019 على المملكة العربية السعودية، وترى هذه الدول، اليوم عدم الرغبة الأمريكية في ضبط إسرائيل. والنتيجة هي شعور بأن الضمانات الأمنية آخذة في التآكل.
وكان من المفترض أن تقود اتفاقيات إبراهيم وجهود التطبيع المقترحة إلى إدارة الأمن الإقليمي. لكن هذه الخطط اليوم، في حين يستمر الوضع في غزة دون هوادة، لم تعد قابلة للتطبيق.
وردا على ذلك، من المرجح أن يعمق قادة الخليج التعاون فيما بينهم مع تسريع الجهود لتنويع شراكاتهم الخارجية والأمنية، والحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الصين وتوسيع التعاون الدفاعي مع تركيا وإعادة تقييم احتمالات التطبيع غير المؤكدة مع إسرائيل.
وبالنسبة للدول التي سعت منذ فترة طويلة إلى موازنة العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة مقابل الرأي العام المحلي والحساسيات الإقليمية، فقد جعل الهجوم هذه المهمة الدقيقة بالفعل أكثر صعوبة بكثير.
في الوقت نفسه، يواصل حكام الخليج سعيهم لتحقيق استقلالية استراتيجية أكبر، وهم مصممون بشكل متزايد على التحوط من مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة. وربما أثبت الهجوم على الدوحة بأنه نقطة تحول في نهاية المطاف، وبلور شعورا بأن النظام الإقليمي التقليدي آخذ في التفكك، وأن سيادة الشركاء غالبا ما يتم التضحية بها باسم الأمن، وهو ما يترك السؤال مفتوحا: كيف، وليس ما إذا كانت دول الخليج ستقاوم؟