بغداد/ تميم الحسن
تلقت قوى سياسية شيعية مؤشرات على احتمال ولادة تحالف واسع يضم أطرافًا من المكونات الثلاثة الرئيسة في البلاد عقب الانتخابات التشريعية.
وتُربط هذه المؤشرات بتراجع النفوذ الإيراني النسبي في الساحتين العراقية والإقليمية، وما قد يرافق ذلك من تغييرات في خريطة التحالفات السياسية المقبلة.
كما تشير تسريبات إلى أن “التحالف الثلاثي” الجديد المحتمل قد يعيد رسم ملامح المشهد السياسي بطريقة مشابهة لما جرى بعد انتخابات عام 2021، حين تبدلت موازين القوى بشكل مفاجئ.
ومن المقرر أن تُجرى انتخابات البرلمان في 11 تشرين الثاني المقبل، في وقت يشهد فيه “الإطار التنسيقي” انقسامات كبيرة أدت إلى ظهور نحو 12 قائمة منفصلة، على أن تلتحم مجددًا بعد إعلان النتائج.
وبحسب مصادر سياسية شيعية، فقد سعى “الإطار التنسيقي” منذ وقت مبكر لضمان استمرار مكونات التحالف الحالي دون تغييرات بعد صدور النتائج، وللتوافق على شكل الحكومة المقبلة، تجنبا لظهور “تحالف ثلاثي” جديد.
التحالف الثلاثي ظهر أول مرة في آذار 2022، وانتهى رسميًا في معارك دموية على بوابات المنطقة الخضراء في صيف ذلك العام.
كما ركز الإطار على إبقاء التشكيلة الحالية في السلطة بعد الانتخابات، مع بقاء محمد السوداني رئيسًا للحكومة كمقترح ثانٍ، مؤكدًا موقعه كتحالف حاكم. ويأتي ذلك قبل أن يقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرسال مارك سافايا كمبعوث خاص إلى العراق.
لحظة سافايا
المبعوث الأميركي الجديد، وهو عراقي من أصول مسيحية، أحاطت به منذ قبل وصوله إلى بغداد العديد من الروايات حول مهامه المستقبلية، كان أكثرها إثارة تلك التي تشير إلى احتمال تدخله في تشكيل الحكومة المقبلة.
وبغض النظر عن مدى صحة أو مبالغة هذه الأنباء في الأوساط السياسية، جاء سافايا في توقيت حساس، إذ تم تعيينه قبل الانتخابات، وارتبط اسمه بقضية غريبة تتعلق بالإفراج عن ما يُعرف بـ”الجاسوسة الإسرائيلية” في بغداد.
ووفقًا للتسريبات، فإن من مهام سافايا المرجحة استبعاد أي طرف قريب من إيران من الحكومة المقبلة، ما يعني أن معظم قوى “الإطار التنسيقي” ستكون خارج السلطة، والفصائل المسلحة على رأس قائمة المستبعدين.
وبناءً على المعايير المفترضة لمبعوث ترامب، يُفترض تأسيس “مجموعة سياسية” جديدة تختلف عن “الإطار” لتقود المرحلة القادمة، على أن تضم المكونات الثلاثة الرئيسية.
وبحسب عدنان الزرفي، النائب والمكلف السابق بتشكيل الحكومة والذي يعتزم الترشح مرة أخرى، وفق تصريحاته، أن إنتاج الحكومة المقبلة في العراق سيكون وفق المعادلة الجديدة التي فرضتها أحداث 7 أكتوبر.
وفي مقابلة تلفزيونية، نصح الزرفي الساسة العراقيين بإعادة النظر في أنشطتهم السياسية وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، مع التحلي بالحذر عند تشكيل الحكومة المقبلة لتفادي تأثيرات سلبية على أمن العراق واقتصاده.
“المعطلة” ضد “الثلاثي” !
من جهة أخرى، يرى بعض مسؤولي “الإطار التنسيقي” أن محمد السوداني، رئيس الحكومة الحالي، يقترب من تنفيذ “شروط ترامب” للحصول على ولاية ثانية، وقد بدا هذا واضحًا خلال مشاركته في مؤتمر شرم الشيخ قبل ثلاثة أسابيع، رغم اعتراض بعض الزعامات الشيعية، أبرزها مقتدى الصدر، الذي يقاطع الانتخابات.
وكان زعيم التيار الصدري، قد صكّ مصطلح “التحالف الثلاثي” الذي أعلنه في 2022 مع مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق.
ووفقًا للتطورات الأخيرة، من المتوقع أن تضم الكتلة الثلاثية الجديدة محمد السوداني كرأس حربه، مع احتمال استبعاد بعض الشخصيات من تحالفه التي يُعتقد أنها مرتبطة بطهران، إلى جانب مشاركة قوى سياسية سنية وكردية.
وعلى عكس معظم القوى الشيعية التي لم تصدر أي تعليق بشأن إرسال مبعوث ترامب، رحّب السوداني بالمبعوث، واعتبر تعيينه خطوة مهمة لكونه من أصول عراقية، متمنيًا له التوفيق في مهمته، وفقًا لتصريحات سابقة لرئيس الحكومة.
وقد يدفع هذا الترتيب القوى الشيعية الأخرى إلى تشكيل ما يُعرف بـ”الثلث المعطل”، وفقًا لمصادر سياسية مطلعة.
وظهر “الثلث المعطل” اول مرة، كرد فعل على “التحالف الثلاثي” في 2022. وتسبّب بظهوره تفسير المحكمة الاتحادية في ذلك الوقت لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الذي تطلب تصويت “ثلثي البرلمان”.
ويرى إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية بجامعة بغداد، أن طهران قد تتكيف مع أي كتلة جديدة لتشكيل الحكومة للحفاظ على نفوذها في العراق.
وبحسب الشمري، فإن التحالفات التقليدية للبيوتات السياسية السنية والشيعية والكردية ستستمر بعد الانتخابات، وأن التصريحات الأخيرة لبعض قيادات الإطار التنسيقي حول إعادة التحالف بعد النتائج تؤكد استمرار هذا العرف السياسي المرتبط بتوزيع المناصب والنفوذ.
ويضيف أن “فكرة تأسيس الكتلة المعطلة قد تظهر مجددًا كجزء من المناورة السياسية للحصول على حصص في السلطة وفرض أجندة معينة، لكنها لن تصمد أمام الضغوط الداخلية والخارجية، كما حدث بعد انتخابات 2021، حين تحولت محاولات سياسية إلى صراعات عسكرية لفرض التحالفات التقليدية”.
تنازلات “الإطار”
وعن المتغيرات الإقليمية، يشير الشمري إلى أن السياسة العراقية ستتأثر بالتحولات في المنطقة، بما في ذلك تعيين المبعوث الأميركي الخاص ورغبة واشنطن في إعادة العراق إلى “المظلة الأميركية”، إلى جانب الضغط على إيران لتخفيف نفوذها، ما سيؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات والسلطتين التنفيذية والتشريعية.
ويعتقد الشمري أن الإطار التنسيقي قد يقدم تنازلات لإرضاء الولايات المتحدة، فيما قد تبقى أطراف منه خارج المعادلة السياسية الجديدة لضمان مصالحها الاستراتيجية”.